نشرت وكالة الأنباء الألمانية “د، ب، أ” تحليلا مطولا عن الأزمة الليبية والدور المحتمل الذي ينتظر أن تلعبه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، في الخروج من الأزمة ووقف التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي.
يأتي ذلك في وقت دعا فيه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الولايات المتحدة الأمريكية إلى إظهار المزيد من الاهتمام بشأن ليبيا، وقال إن الولايات المتحدة لديها الوسائل والنفوذ تحت قيادة الرئيس الجديد جو بايدن للقيام بدور أكبر.
واستهلت الوكالة تحليلها الذي جاء تحت عنوان (خطوات مبكرة من إدارة بايدن في تضاريس الأزمة الليبية الشائكة) بالقول: “فيما يبدو خطوة مبكرة وحتى مفاجئة لعدد من المحللين بعثت إدارة الرئيس جو بايدن بإشارات حول توجهاتها إزاء الأزمة الليبية واللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين”.
وتساءلت الوكالة عن ماهية مدلولات الإشارات الأمريكية على مضمون التسوية الجارية للأزمة الليبية؟ وماذا تعني بالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في أوضاع البلد الشمال أفريقي الجار لأوروبا والغني بموارد الطاقة؟.
وأوضح التحليل الذي نقلته وكالة الأنباء الليبية “وال”، أن الدعوة التي وجهها رئيس البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة ريتشارد ميلز جونيور، بالشروع فورا في سحب القوات الأجنبية من ليبيا، بما فيها جميع العناصر المرتزقة والمندوبين العسكريين الأجانب، تعتبر تحولا ملحوظا في سياسة الإدارة الجديدة مقارنة بسياسة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ورأى التحليل أن هذا الموقف من رئيس البعثة الأمريكية هو دعوة صريحة لجميع الأطراف الخارجية، بما في ذلك روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة، إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التدخل العسكري في ليبيا، وأن هذا الموقف لم يصدر مثيل له في وقت سابق من الإدارة السابقة، التي طالما اعتمدت لغة غامضة وملتبسة إزاء اللاعبين الأجانب في الملف الليبي.
وأعتبر التحليل أن هذه الخطوة تحمل تحريكا للملف الليبي إلى سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، في الشرق الأوسط والتي يتصدرها الملف النووي الإيراني واتفاق السلام في أفغانستان، كما أنها تأكيدا على قلق واشنطن من تداعيات الأزمة الليبية على ملفات إستراتيجية أخرى منها متطلبات أمن مناطق نفوذ حلف شمال الأطلسي، وإمدادات النفط والغاز واستقرار منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، وهي ملفات تشهد متغيرات متسارعة لا تريد واشنطن أن تتجاوزها لصالح قوى إقليمية ودولية منافسة على رأسها روسيا والصين.
وأشار التحليل إلى أن الخطوة الأمريكية تزامنت مع دعوة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومجلس الأمن الدولي إلى كافة الأطراف المتدخلة في الأزمة الليبية بعبارات واضحة “اتركوا الليبيين وشأنهم”.
وتطرق التحليل إلى أن عملية اختيار القيادة الليبية المؤقتة تخضع لتوازنات عديدة بين الجماعات والمناطق والقبائل المؤثرة في المشهد الليبي، وأن من العوامل الجديدة ذات التأثير، العلاقة مع القوى الأخرى المؤثرة في أوضاع ليبيا، ومن أهمها العامل الجديد المتمثل في إدارة بايدن.
ويُشير التحليل إلى أن رؤية المحللين في هذا السياق ترى بأنه يجري تحريك خطوط الاتصال بين الأوساط الليبية ودوائر صنع القرار الأمريكي التي تعطلت خلال فترة إدارة الرئيس السابق ترامب، بعد أن كانت نشيطة إبان فترة أوباما الذي دعم انتفاضة 17 فبراير 2011 ضد نظام القذافي، وهو اتجاه يتوقع أن يكون على حساب خليفة حفتر، لكن ليس بالضرورة على حساب المجموعات المؤثرة والقوى القبلية المساندة له في بنغازي.
كما يرى التحليل أنه بقدر ما يبعث موقف إدارة بايدن برسالة حزم إلى الأطراف المتدخلة في الأزمة الليبية ويُبدد الغيوم التي لفّت لسنوات السياسية الأمريكية في ليبيا في ظل إدارة ترامب والتذبذب بين دعم الجنرال حفتر في وقت من الأوقات، على حساب حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة، وفترة فراغ في الموقف الأمريكي إزاء تطورات ليبيا، وصولا إلى نزول إدارة ترامب في المرحلة الأخيرة من ولايته بحثا عن تسوية بين الليبيين ومحاولة وقف النفوذ الـروسي في شرق ليبيا.
ويخلص التحليل إلى أن مهمة وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن، الخبير بشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ستكون صعبة في التعامل مع الملف الليبي سواء على الصعيد السياسي أو الأمني العسكري، بحكم التعقيدات والتراكمات السلبية الكثيرة التي حدثت في السنوات الخمس الماضية من ناحية، وبحكم إرث الدبلوماسية الأمريكية الحسّاس من حقبة إدارة أوباما نفسها، حيث تعرضت الولايات المتحدة لأسوأ أزمة ببلدان الربيع العربي، عندما تعرضت القنصلية الأمريكية في بنغازي لاعتداء، قُتِل فيه القنصل الأمريكي.
كما تكمن الصعوبة بحسب التحليل، أيضا على المستوى العسكري، وذلك لأن رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا لن تكون عودة من رحلة سياحية، بل قد تكون لها تكاليف أمنية سواء مع الدول المعنية أو على مستوى الوضع الداخلي الليبي الهش، ناهيك عما ينتظر البلد في المستقبل المنظور من صعوبات في سبيل إنهاء حالة الانقسام وسيطرة الميليشيات وإعادة بناء المؤسسات الأمنية والجيش.
ويتطرق التحليل إلى رؤية المراقبون بأن إعلان البيت الأبيض تعليق صفقة طائرات إف – 35 لدولة الإمارات العربية المتحدة مؤشرا آخر على ضغط أمريكي على اللاعبين فوق رقعة الشطرنج الليبية، أما مصر، اللاعب الآخر المؤثر في الأزمة الليبية، فقد استبقت بدورها تغير اتجاه الرياح في واشنطن، وحاولت مد جسور التواصل مع حكومة الوفاق الوطني في غرب البلاد واحتضنت مصر جلسات حوار بين فرقاء الأزمة الليبية، كما سُرّبت تقارير من القاهرة تتحدث عن توجه لدى القيادة المصرية في النأي بنفسها عن حفتر.
ووفقا لما خلص إليه التحليل، فإنه في ظل التعقيدات التي تواجه مساعي تسوية الأزمة الليبية، تبدو خيارات إدارة بايدن مفتوحة أيضا على أوراق لم تكن إدارة ترامب تضعها في أولويات أجندتها، ويتعلق الأمر بأوراق الجوار الليبي، سواء المغاربية أو الأوروبية.
وعلى الصعيد المغاربي، تبدو توجهات إدارة بايدن متناغمة مع مواقف العواصم المغاربية الثلاث في مسألة رفض التدخل الأجنبي في ليبيا، لكن يوجد تفاوت في مستويات أخرى، ففيما يبدو التطابق واضحا بين واشنطن وحليفتيهما الإستراتيجيتين الرباط وتونس اللتين احتضنتا جولات من الحوار الليبي، ينتظر الدبلوماسية الأمريكية حوار “معقّد” مع الجزائر الشريك “الضروري” للأمريكيين في الحرب على الإرهاب والأمن في جنوب الساحل والصحراء، لكنه شريك تربطه علاقات تحالف وثيقة مع الخصمين الروسي والصيني.
ويُضيف التحليل: “يبدو العامل الأوروبي، في منظور الإدارة الأمريكية الجديدة على قدر كبير من الأهمية في التعامل مع الأزمة الليبية.. فمن حيث المبدأ تشدد إدارة بايدن على تنشيط الشراكة مع الأوروبيين وداخل حلف الناتو، بهدف إخراجها من منطقة الاضطراب التي خلفتها إدارة ترامب.. ومن الناحية البراغماتية، فإن تحقيق أهداف الإستراتيجية الأمريكية في شمال أفريقيا ومن ورائها في العمق الأفريقي، يتم في منظور الإدارة الجديدة عبر التنسيق مع الشركاء الأوروبيين.. لكن تطورات الأزمة الليبية أظهرت طيلة السنوات الماضية أن الأوروبيين بدورهم ليسوا موحدي الهدف، ويبدو أن هذا الوضع يفتح المجال لإيطاليا – الجارة الشمالية لليبيا ومستعمرتها السابقة – في المقام الأول لنسج أولى حلقات سلسلة التنسيق والتعاون الأطلسي في الملف الليبي، وهو ما وضح من المحادثات الهاتفية التي أجراها أنتوني بلينكن مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، الذي سارع إلى إعلان اتفاقه مع إدارة بايدن بتجميد صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات.. وبخلاف فرنسا التي تدهورت علاقتها مع ليبيا على خلفية دورها في هجمات الناتو التي أدت إلى إسقاط نظام القذافي، ثم موقف باريس بتأييد الجنرال حفتر، حافظت ألمانيا على علاقات دافئة مع طرابلس وتلعب دورا محوريا في التعاون على الأصعدة الاقتصادية والأمنية، واحتضنت مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية ، وتبدو برلين التي كانت على خلاف شديد مع إدارة ترامب، مرشحة بدورها لمواصلة لعب دور نشيط في تسوية الأزمة الليبية”.
اترك تعليقاً