لاشك أن امتنا اليوم تعاني من فقد القدرة على تحديد اتجاهاتها، الفكرية والسياسية والتنموية، وتعاني من تشرذم لا أتصور أن أمة تعرضت له قديماً وحديثاً.
فقد تهزم الأمم في الحروب وتخسر المعارك، ولكنها تظل تمتلك رصيداً من الفكر والقيم التي تؤهلها لتضميد جراحها والانطلاق مجدداً، والتاريخ الحديث تجاربه عديدة، ولكن لنبدأ التصحيح.
لا بد من مصارحة انفسنا، فنحن أمة مهزومة بخطة ممنهجة في ثقافتها،لا تدرك شيئاً من دينها الصحيح، تجاذبتها الأراء والاجتهادات ،بعيداً عن المعين الصافي، لنكون اسرى لإجتهادات قديمة، قد تكون معتبرة في حينها، ولكنها اليوم تحتاج إلى المزيد من المراجعات. وديننا يدعوا إلى الحوار، وأن نكون رحماء، وبعض فقهائنا يدعونا إلى القتال ،يستحضرون أجواء فتوحات عمورية والقسطنطينية بعيداً عن ضرورات واقعنا المؤلم … ونحن أيضاً تركنا لغتنا وعاملناها بإحتقار شديد، مع انها من أعظم لغات العالم، تهتم بها اليوم كل دول العالم ،إلا نحن فدليل الثقافة اليوم لدينا أن ينطق المثقف والمتعلم ببعض الكلمات بلغة أجنبية ،ليقول لك “باردون” أنا لا أعرفها بالعربي، ولنتنافس كي نعلم أبنائنا بمدارس تدرس باللغات الأجنبية، وأما من وطنوا الغرب فأبنأئهم لايتكلمون العربية، تلك اللغة التي خاطبت بها السماء الأرض فورثها قوم صاغرون … نحن أمة تاريخها مزور، لايقدم لنا الحقائق بل إن بعض الخونة اصبحوا أبطال، وبعض الشرفاء صاروا خونة، ولقد خرجت شعوبنا مع فقهائها تستقبل موسوليني ،وأمثاله وتصفه بأنه إمام المسلمين … تاريخ لابد أن نقرئه بسلبياته وإيجابياته، فقد اسس الانجليز مملكة خادم الحرمين، وأسسوا مملكة الهاشميين، وجندوا أعداداً منا بالامس ،واليوم عملاء لهم، وحتي أن بعض ملوكنا، وحكامنا كانوا يتقاضون المرتبات من دوائر الاستخبارات الأمريكية والانجليزية، وقد لا نستبعد الإسرائيلية، لابد أن نذكر أن ملوكاً عرباً بأسمائهم سلموا فلسطين لليهود، والبعض اليوم ممن يفاوضون إسرائيل عن حقوق شعبهم، تمتعوا بالجنس مع وزيرة خارجية اسرائيل انتصاراً للقدس …. لابد أن ندرك حقائقنا فثورات الخمسينات والستينات ،كانت من العملاء وكانوا إمتداداً للاستعمار .. رفعوا لنا شعارات كاذبة عن العدالة والمساواة ،واسسوا لنا جيوش الكروش المنتفخة، والاستثمارات الاقتصادية، جيوش برلنتي وناهد والراقصات مع الحشيش والطيش.
هذه الجيوش البائسة لم تحقق انتصاراً واحداً، فتاريخهم تاريخ هزائم فقط، ينتصرون ويقتلون شعوبهم بدعوى الحرص على الأوطان ،التي أصبحت سجوناً لا ترى فيها إلا التعذيب، والاضطهاد، والذل، والاستخفاف، والاحتقار لبني جلدتهم .
نحن لسنا خير أمة اُخرجت للناس بوضعنا الحالي، كان ذلك أيام الرسول والخلفاء الراشدين ،أو أنه نبوءة للمستقبل أما نحن اليوم ،بكل صراحة في أوضاع لا نحسد عليها أبداً .. تلك حقائقنا.. وبالرغم من ذلك الذل وذلك الاضطهاد، حاولت شعوبنا بثوراتها العفوية في ربيعها العربي، ودفعت دماءاً زكية كي تخرج من هذا السرداب المظلم، ولكن محاولاتها اُجهضت ،فارسلوا لها من عملائهم من يتصدر مشاهدها لكي يجعلها دركاً أسفل من النار ولكي نؤمن أن جحيمنا السابق ،مع عملائهم كان نعمة رفسناها بأرجلنا كي ترضى شعوبنا، وتعيش الذل بالفخر وتعيش الظلم بالرضى .. تلك حقيقة الثورات التي تداعى عليها الآكلة من فيافي الدنيا مبكراً، وساعدتهم ثعالب خرجت من جحورها في أوطاننا، لا تعرف للحرية معنى فدمائها جبلت على الذل والمهانة والانكسار والنفاق، فهي ذيول تبحث دائماً عن سيد .. تحالفت تلك القوى مجتمعة ، مع اختلاف أديانها لكي تجهض جنين الثورة في رحم أوطاننا فنفطنا، وغازنا جلب لنا قوى الشر تتكالب علينا، وصارت ثرواتنا نقمة تستحق اللعن .
ذلك ليس يأساً من حالنا، ولكنه توصيف لأمراضنا فمن سيصنع لنا الطريق، من سيصنع لنا الاتجاه لبناء انفسنا بالقيم، وحماية أوطاننا وإدراك من هم أعدائنا هم قلة يحاولون اليوم، ونُخب يجب أن تتميز بالإدراك لواقعنا، وأن تتميز بالحكمة والرشد في منهجها، وبالرغم من صعوبة مانحن فيه ،إلا أن جيلاً جديداً ربما هو الآن في رحم الوطن تصنع ملامحه المعاناة، ويملأ قلبه الايمان الصادق ويملأ عقله العلم ،وربما صادف زمنا أفضل من زماننا سوف تتغير به أحوالنا .
عبدالهادي شماطه
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً