لا نتوقع بأن ما حدث ويحدث في ليبيا بعد انعقاد مؤتمر باريس 3 محض صدفة! بالتأكيد كانت فرنسا ولازالت تتمسك بسياستها المتناقضة. فلقد رأينا كيف كانت تدعي بأنها مع السيد فائز السراج كرئيس للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ومع الجهود الأممية لاستقرار ليبيا، وفي نفس الوقت، تدعم الداعشي حفتر بالسلاح، والمعلومات، وحتى المقاتلين. بل ومع تحضيرها للمؤتمر لاستقرار ليبيا نجدها قامت ببعض الأعمال المثيرة للشك في حسن نواياها ويمكن عرضها كما يلي:
- مع إخطار السيد أردوغان، خلال قمة العشرين بروما، بعدم الحضور المؤتمر في حال حضور اليونان وإسرائيل، وهو يقصد اليونان بالدرجة الأولى ويرجع لسببين:
- فجزر اليونان تحولت برمتها إلى قاعدة أمريكية وخاصة بعد تطوير قاعدة ألسكندربوليس، على حدود تركيا، وتزويدها بمئات طائرات الهيلوكوبتر حوالي ألفين آلية عسكرية
- زودت فرنسا بعدد ثلاثة فرقاطات عسكرية
- نجد وضمن اجتماع مجلس التعاون الأمني يوم الجمعة الماضي بين فرنسا وروسيا، المنشأ في 2002، وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو ومع وزير الخارجية سيرجي لافروف أكدا مع نظيريهما الفرنسيان على ضرورة تحديد: “مستقبلاً الخطوات الواجب اتخاذها في سبيل خفض التصعيد في أوروبا ومنع وقوع حوادث خلال الأنشطة العسكرية” وأكدت الخارجية الروسية: “تأكيد تمسك روسيا وفرنسا بتطوير الحوار السياسي البناء المبني على الثقة المتبادلة والرامي إلى تعزيز العلاقات الروسية الفرنسية وأيضا الأمن الأوروبي والعالمي”، وفرنسا على علم بمناورات تركيا الدبلوماسية مع روسيا من وقف القتال في ليبيا، وشرائها منظومات صواريخ الدفاع الروسية أس 400
فرنسا عكس ألمانيا:
الواضح أن فرنسا تسعى بقوة لتمكين أحد الموالين لها، بعكس ألمانيا التي لا ترى في المؤتمر إلا سبيلاً للوصول للاستقرار لتصل إلى المشاركة في التنمية مع ليبيا وعدم الاستقرار يعني لها، وحسب ما صرحت به أنجيلا ميركل دخول: “كميات لا تصدق من الأسلحة” إلى ليبيا مما سيشجع على تنامي أنشطة الإرهابيين. وستظل فرنسا بالنسبة لألمانيا دولة لها مكانتها في الاتحاد الأوروبي والمسيحية عامل مشترك بينهما ولكل دولة مذهبها فألمانيا بروتستانتية وفرنسا كاثوليكية.
فرنسا في صراع مع إيطاليا:
يوجد صراع بين إيطاليا وفرنسا في النفوذ على مصادر الطاقة نفط وغاز، وربما عرفت فرنسا كيف توظف تعاون روسيا مع الداعشي حفتر لتجد لها موطأ قدم تساوم به مع أمريكا في ملفات أخرى. بينما بقيت إيطاليا لتستلمها ربما أمريكا لتدخلها مع باقي العرائس الأوروبية التي تلعب بها أمريكا أحياناً كحلف ناتو مرة، وأحياناً كمسيحين، وأحياناً بصيغ أخرى لا نعرفها.
فرنسا وسيف القذافي ضد تركيا؟
أمريكا المسيحية البروتستنتية غير راضية عن تركيا المسلمة الحنفية بعد التنسيق مع روسيا الأروثوذكسية، ولكن فرنسا أيضاً نسقت مع روسيا بشأن مواضيع أمنية وعسكرية، وفي المقابل أرضت أمريكا ببيع اليونان الآروثوذكسية ثلاثة فرقاطات عسكرية. وبذلك فالنتيجة محاصرة تركيا التي حاولت أن تسرع بتاريخ 12 نوفمبر 2021م بتحويل المجلس التركي إلى منظمة تركية، لتخفف بعض الضاغط عنها، فأعلن السيد أردوغان بأن المنظمة تسعى لتحقيق أهداف التنمية الخضراء وتقديم خدمات جيدة للإنسانية. هذا المشهد المعقد من المصالح المتداخلة، والمتنافرة، بالتأكيد يلقي بظلاله على المشهد الليبي فلا نستغرب أن تساهم المصالح المتناقضة أحياناً بأن تبرز لنا سبب ترشح سيف القذافي، وهو المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، ويتم حبك التمثيلية بما يوحي أن سيف القذافي مواطن ليبي تضمن له ديمقراطية فبراير أن يتقدم بالترشح لرئاسة ليبيا، ولو قبلنا جدلاً مبدئياً بالديمقراطية التي كلفت الشعب الليبي آلاف الشهداء، لكن السؤال لماذا لا تراجع المفوضية شروط قبول المترشحين؟ والتي يفترض أن:
- تتضمن فقرة بضرورة إحضار شهادة الخلو من السوابق والتي تطلبها جميع المؤسسات في ليبيا ولو كانت الوظيفة متواضعة جدا كزبال مع احترامنا الشديد للمهنة دون انتقاص من قدرها
- الواضح وجود خلل في منظومة الأرقام الوطنية فكيف يتجرأ سيف القذافي الحصول على تزكيات يفترض أنصاره وهم لا يؤمنون بالديمقراطية؟ بل ويرفضونها وفي نظرهم هي رجعية ويؤمنون بالتصعيد الشعبي فقط؟! ويظل السؤال هل منظومة الانتخابات مؤمنة بشكل دقيق؟
- إعلان مدينة الزاوية العنقاء، بالصوت والصورة، إغلاق كافة مراكز الانتخابات بها إلى حين تصحيح قانون الانتخابات قد يكون مشجع لتحذو حذوها مدن أخرى.
سيف القذافي مشروع للتزوير وإخراج تركيا:
لا نقصد بالمشروع هو وصول سيف القذافي للحكم ولكن ربما بالونه اختبار للدول المتدخلة في ليبيا، أو لتعرف الدول المتدخلة أين تصطف بقية الدول المنافسة. فسيف ملاحق من محكمة الجنايات الدولية، وقد طلب وكيل النيابة بمكتب المدعي العام بتاريخ 11 نوفمبر 2021 من رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بوقف إجراءات ترشح سيف القذافي والداعشي حفتر. يظل من الصعب التكهن بما سيحصل ولكن ربما نستخلص مما يحصل الآتي:
- إذا كان الحديث عن تزوير الانتخابات في أمريكا مقبولاً ومصرح به ومن قبل رؤوسا أميركيا ،فلا نستغرب التزوير، بل قد نستغرب غياب التزوير. وإذ يعترف الأمريكان بقدرة روسيا على تزوير الانتخابات، ففي ليبيا بالتأكيد الأمر أسهل بكثير!
- المقصود من ظهور سيف بالتأكيد له خيط رابط بالصحفي الأمريكي رووبرت روت الذي أدعى بأنه ألتقى بسيف في مايو 2021م ونشرت في 30 يوليو 2021 صور لسيف بنيويورك تايمز. وهذا يعني أنه موجود تحت الطلب لتوظيفه عندما تكون الحاجة لاستخدامه. وربما هو اليوم يستخدم لترويض الشعب الليبي بقبول دكتاتور أخر يدعي أنه من أنصار فبراير وله علاقة وطيدة بفرنسا وأمريكا
- بعد تأكيد سفير روسيا لدى مصر منتصف هذا العام غيورغي بورسينكو بأن روسيا تخطط لبناء قاعدة عسكرية بليبيا مع أنها لم تتقدم بطلب رسمي، ومع نهاية سبتمبر 2021م تم تحشيد لقوات روسية بالجفرة والتي كانت تسيطر عليها الإمارات وفرنسا. فهل ستتفق فرنسا وروسيا على برنامج يستفز الداعشي حفتر، بعد ظهور سيف، ليتحرك ويكسب الجولة الرئاسية بالتزوير
- توجد وعود من الداعشي حفتر لفرنسا بتسليمها قاعدة الوطية أن تمكن من الوصول لسدة الحكم، فربما لشحذ رغبة الداعشي حفتر المجنونة للسلطة تم إظهار سيف القذافي كمترشح والذي سيراه كغريم سياسي له فيتحرك بتهور وقد يحقق النتيجة التي ترغبها فرنسا وأمريكا دون الحاجة لروسيا. فتأجيل القضاء الأمريكي لمحاكمة الداعشي حفتر لتتاح له فرصة الترشح
- بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي وتابع لأمريكا ولا يوجد توافق واضح مع روسيا وفرنسا، فهل توجد فرصة للتنسيق مع تركيا؟ بحيث تترك روسيا في الجفرة ولا تسمح لفرنسا بقاعدة في مصراته!
الكلمة الأخيرة للشعب الليبي:
مع كل المؤشرات المربكة وغير المطمئنة إلا أن الأمل في الله يظل كبير، وعندما تتوفر الإرادة للشعب الليبي في بناء دولة مدنية ديمقراطية ترعى حقوق الإنسان فسيجد الطريق الذي يوصله لذلك بعد الأخذ بكل الأسباب ولعب دبلوماسية الفوز للجميع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً