ربما يكون هذا السؤال أكثر سؤال طُرِح للنقاش منذ 5 قرون ، سواء على المستوى الفكري أو السياسي أو حتى الديني . ونحن هنا لن نعيد اختراع العجلة ، غير أننا وجدنا أن جذر المشكلة يكمن في الفهم الخاطئ والملتبس للدين والسياسة ودلالتهما.
البعض يفهم معنى السياسة على أنه السعي للسلطة . وهذا التعريف وإن كان ينطبق على الأحزاب ألا أنه تعريف غير جامع وغير مانع للسياسة . فالسياسة تشمل كل ما هو متصل بالشأن العام ، وبذلك نرى مدى أتساع نطاق مصطلح السياسة . وقد تستخدم أيضا بمعنى تدبير أمور الجماعة والتوفيق بين الآراء والتوجهات فيها وإدارتها بما يحقق مصلحتها . وقد تدل السياسة على حسن التدبير والذكاء.
أما الدين فيقصد به في الإسلام معنيين : المعنى الأول : عام و شامل لكل أنشطة المسلم بما فيها أنشطته السياسية والرياضية …. الخ . ومن ثم فإن كل عمل نافع يقوم به المسلم عبادة أي دين بمفهومه الشامل.
المعنى الثاني للدين : معنى خاص أو ضيق و يستعمل كمقابل للدنيا وأنشطتها بما فيها السياسية والعسكرية كما ورد في الحديث المذكور عنه صلى الله عليه وسلم : ” إن كان من أمر دينكم فإلي ، إن كان من أمر دنياكم فشأنكم ” . أي العقيدة والعبادات الدينية البحتة ، أو ما يتبادر إلى ذهن عند لفظ كلمة دين أو ديني.
فعندما نقول أن معركة فتح مكة كان سببها سياسياً ، أي أنها لم تكن بسبب أن أبا سفيان مشرك ، بل لأن أولئك القوم نقضوا معاهدة صلح الحديبية . لماذا شُرع القتال للمسلمين ؟ لأنهم ظٌلموا وأخرجوا من ديارهم ، وهذه ليست أسباب دينية بالمعنى الثاني للدين ( أي الضيق ) ، مع أنها أسباب دينية بالمعنى الأول ( الشامل الواسع ) ، فإلا سلام يحث الناس ويدعوهم لمقاومة الظلم والوقوف بوجهه ونصرة المظلوم على الظالم ولو كان المظلوم غير مسلم والظالم مسلماً كما فعل عمر بن الخطاب مع القبطي المصري ضد ابن عمرو بن العاص.
المشكلة أن بعض الأشخاص يكفرون من يفصل بين السياسة والدين . فما الضير أننا قلنا أن السبب سياسي ما دامت السياسة من الدين لديه . وهنا ترى أن بعض الناس يصل لفصل السياسة عن الدين بالمطلق ويضعها مقابلاً له ، بل ويضعون الدنيا بالمطلق مقابل الدين بالمعنى الشامل دون أن يدروا.
هذا الخلط بين المعنيين للدين الإسلامي ترتب عليه إشكاليات فكرية وسياسية وأيديولوجية لتيارات كثيرة . ولعل أهم تجلي لتلك الإشكاليات كان في الدولة ([1] )، سواء من حيث التكوين أو التشوه البنيوي والوظيفي لها.
وهذا التجلي ربما طال جميع التيارات في عالمنا العربي ، الإسلامي منها أو القومي أو العلماني أو الليبرالي أو غيرها . ولذلك ارتأينا أن نتناول بعض ألإشكاليات التي ارتبطت بالدولة في أذهان منظري ودعاة ومناصري هذه التيارات في مقال قادم . لعل البعض يتبين أن عدم قدرة الكثير منا للوصول لأرضية مشتركة مع من يراهم خصومه أساسه هذا الالتباس في الفهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً