نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيةن اليوم الجمعة، مقالا مطولاً، تحت عنوان “ابن القذافي ما زال حيا ويريد أن يستعيد ليبيا”، أعده الصحفي روبرت إف وورث، ومن تصوير جهاد نجا.
وأجرت الصحيفة لقاء مع سيف الإسلام القذافي، لأول مرة منذ اعتقاله قبل 10 أعوام، وتحدث عن سنوات الأسر وألمح لإمكانية عودته إلى الحياة السياسية.
وقالت “نيويورك تايمز” إن سيف الإسلام واجه قبل عشر سنوات مجموعة من المسلحين اعترضوا موكبه الصغير قرب مدينة أوباري الليبية في طريقه فارا إلى النيجر، وعثروا فيه على رجل أصلع شاب تغطي الضمادات يده اليمني، واكتشفوا أنه الابن الثاني لديكتاتور ليبيا سيئ السمعة، وهو الرجل الذي كان الغرب يعوّل عليه قبل ثورة فبراير 2011 لكي يحدث إصلاحات تدريجية في البلاد، فلباسه الأنيق ونظارته وحديثه بالإنكليزية جعله صورة مختلفة عن والده، ودرس سيف الإسلام في مدرسة لندن للاقتصاد بجامعة لندن، وتحدث لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحاضر في الشباب الليبي عن التربية المدنية، لدرجة أن البعض في الغرب اعتبره المنقذ المنتظر لليبيا، بحسب الصحيفة.
وخيّب سيف الإسلام الآمال عندما دعم حملة القمع الشرسة التي أطلقها نظام والده ضد الثورة، وكان من السهل على الثوار الذين انتصروا بعد تسعة أشهر أن يحكموا عليه بالإعدام دون محاكمة مثلما فعلوا مع أبيه وعدد من كبار المسؤولين بالدولة، لكنه، ولحسن حظه، وقع أسيرا لدى كتيبة مستقلة من الفصائل الأخرى ونقلته جواً إلى مدينة الزنتان، جنوب غربي العاصمة طرابلس.
ولأنه كان مطلوبا أيضا للمحكمة الجنائية الدولية، فقد اعتُبر رهينة ثمينة، وظل لديهم حتى بعد انتخابات عام 2012.
ونوهت الصحيفة إلى أن التطورات التي تبعت سقوط نظام القذافي وانقسام ليبيا إلى ميليشيات متحاربة ونهب مخازن السلاح وتصدير للفوضى إلى أنحاء القارة وتأسيس تنظيم “داعش” إمارة له على الساحل الليبي، قادت البعض في ليبيا لتغيير نظرتهم إلى سيف الإسلام، الذي حذر من الانقسام في أيام الثورة الأولى.
وذكرت تقارير أن خاطفيه أطلقوا سراحه وينوي المشاركة في انتخابات الرئاسة، لكن أحدا لا يعرف مكانه، وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” إنها لا تملك أدلة على أنه على قيد الحياة، وفي ليبيا انقسم الرأي حول وفاته وحياته.
وقال الصحفي روبرت إف وورث في مقاله: “في صباح يوم عاصف حارٍّ في مايو الماضي، غادرتُ فندقي في طرابلس وجلستُ في المقعد الخلفي لسيارة سيدان رمادية متهالكة. كان سائق السيارة يُدعى سالم وكنتُ قد تحدثتُ معه من قبل دون أن ألتقيه قط. انتابني كثيرٌ من التوتر، فقد قضيتُ عامين ونصف أرتّب لهذه المقابلة مع سيف الإسلام، وخلال هذه الفترة تحدثتُ معه عدة مرات عبر الهاتف… لكنني الآن أتساءل عن الصوت الذي كنت أسمعه على الطرف الآخر من الهاتف… فلم يحدث أن التقاه أي صحافي أجنبي منذ عشر سنوات… وقد أخبرتني منظمة “هيومان رايتس ووتش” أنه لا يوجد دليل على أن سيف الإسلام حيٌّ منذ عام 2014. ومعظم الأشخاص الذين قابلتُهم في ليبيا قالوا إنهم لا يعرفون إن كان حيًّا أم ميّتًا”.
ويُضيف الصحفي: “كنا في شهر رمضان، وكادت شوارع العاصمة تخلو من الناس والسيارات. لم نمرّ على أي من نقاط التفتيش التي توقعتُ المرور بها ونحن نغادر المدينة باتجاه الجنوب الغربي نحو جبل “نفوسة”. وبعد ساعتين تقريبًا، صعدنا ببطء وسط قمم بنية داكنة حتى وصلنا إلى هضبة الزنتان… وعلى أطراف إحدى القرى، أوقف سالم السيارة وطلب مني أنا والمصوّر الذي يرافقني، جهاد نجا، الانتظار…. لم يمض وقتٌ طويل حتى توقفت خلفنا سيارةٌ بيضاء من طراز تويوتا لاند كروزر، وخرج منها رجل يرتدي ثوبًا ناصع البياض. طَلب منا أن نترك هواتفنا في سيارة سالم. كانت سيارة لاند كروزر مصفّحة ذات أبواب ثقيلة جدًّا حتى إنها حجبت جميع الأصوات من الخارج… عرّف السائق نفسه بأنه محمد، ثم قاد السيارة دون أن ينبس بكلمة لمدة عشرين دقيقة تقريبًا، إلى أن دخل مجمّعًا سكنيًّا محاطًا بالبوابات وأوقف السيارة أمام فيلّا من طابقين تبدو عليها مظاهر الترف. فتح محمد الباب الأمامي، ودلفتُ عبر مدخلٍ خافت الإضاءة”.
وتابع: “تقدّم نحوي رجل ومدّ يده قائلًا: (مرحبا!)… لم يكن لديّ شكٌ في أنه سيف الإسلام، مع أن ملامحه بدت أكبر سنًّا وكست وجهه لحيةٌ طويلةٌ غزاها الشيب… كان إبهامُ يده اليمنى وسبّابتها مبتورين – نتيجة إصابته بشظية في إحدى الغارات الجوية عام 2011 على حدّ قوله. كان يرتدي عباءة سوداء خليجية الطراز تزيّنها أهدابٌ ذهبية، كأنه رئيس دولة، ووشاحًا ملفوفًا بشكلٍ مهندمٍ حول رأسه… لو أن سيف الإسلام ورث شيئًا واحدًا فقط عن أبيه، فهو أسلوبه المتكلّف… قادنا إلى قاعةٍ جلسنا فيها على أرائك جديدة بلونٍ مائلٍ إلى الخُضرة… وغلبت مظاهر الترف والبهرجة على أثاث القاعة، بسجّادها السميك وثريّاتها الكريستالية وستائرها الأرجوانية… وفي تنافر واضح مع هذه الأجواء، عُلّقت على الجدار لوحةٌ بها صورة جبال وإحدى بحيرات الألب. لم يكن في المنزل أحدٌ غيرنا”.
وبعد فترة من الصمت المربك، سأله الصحفي إن كان سجينا، فأجاب أنه رجل حر طليق ويحضّر للعودة إلى الحياة السياسية، مضيفا أن الثوار الذين اعتقلوه قبل 10 أعوام لم يعد وهم الثورة يسيطر عليهم، وأدركوا أنه قد يكون حليفا قويا لهم، وأضاف: “هل تتخيل أن الرجال الذين اعتقلوني هم الآن أصدقائي”.
ولفت الصحفي إلى أن سيف الإسلام استغل غيابه عن الساحة السياسية لمراقبة الأوضاع في المنطقة، وعمل بهدوء على تنظيم أنصار والده “الحركة الخضراء”، ولم يقدم تأكيدات حول احتمال ترشيحه للرئاسة، لكنه يؤمن بأن الحركة التي يقودها لديها القدرة على توحيد البلاد، والشعار الذي اختاره لحملته تحقق في عدد من الدول، وهو أن الساسة لم يقدموا لكم شيئا، وحان وقت العودة إلى الماضي “لقد اغتصبوا البلد وأذلوه، ولم يعد هناك أمل.. لا مال أو أمن ولا حياة وإن ذهبت إلى محطة الوقود فلن تجده، نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا وننير نصفها، ولكننا نعاني من انقطاع دائم للتيار الكهربائي، إنه أكثر من فشل، بل مهزلة”.
وبعد 10 أعوام من النشوة، بات معظم الليبيين يتفقون مع هذا الكلام، حيث أن المشاريع الضخمة التي لم تكتمل بسبب عزوف رأس المال الخارجي عن الاستثمار نظرا للظروف المضطربة، في وقت كدّس بعض أمراء الحرب في ليبيا ثروات طائلة، وتظهر المعاناة وآثار الحرب في كل مكان، بحسب المقال.
ويشير وورث إلى حالة الهدوء في ليبيا وانخفاض عمليات الاغتيال والاختطاف وعودة النظام في بعض المدن التي تجوّل فيها، وهذا بفضل جهود الأمم المتحدة التي توسطت لوقف إطلاق نار بين المتحاربين، تبعه التوافق على حكومة وانتخابات مقررة نهاية العام الحالي، لكن هناك خوف من انهيار السلام الحالي، لأن ليبيا لا تزال منقسمة بين الشرق والغرب، ففي الشرق، يتسلط الجنرال خليفة حفتر، ولا يثق زعماء الغرب به، كما قال خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ومن غير المرجح أن تنجح الانتخابات في رأب هذا الصدع، بل إنها قد تعيد البلاد إلى حالة الحرب إذا فاز فيها شخص مثير للخلافات، وليس هناك من هو أكثر إثارة للخلافات من سيف الإسلام.
ويرى كاتب المقال أن تطلعات سيف الإسلام السياسية لم تختف رغم غيابه، ومع ذلك يجب التعامل مع طموحاته بجدية، فقد سمح لأنصاره بالمشاركة في تشكيل الحكومة الحالية وإلغاء القيود التي كانت ستمنعه من المشاركة في الانتخابات، وتُظهر استطلاعات محدودة أنه يحظى بشعبية في بعض المناطق، ويستمد شعبيته كما يقول الكاتب من الحنين المتزايد لديكتاتورية والده، وهو أمر لا يقتصر على ليبيا بل وتونس أيضا التي بدأ فيها الربيع العربي.
وبحسب مقابلات مع أفراد، رأى الكاتب أن هناك من يريد دعم نجل القذافي، وأخبرته محامية ليبية أن عملها غير الرسمي لقياس الرأي العام، يشير إلى أن ثمانية أو تسعة من كل عشرة ليبيين سيصوتون لسيف الإسلام.
وفوز الأخير لو حدث، سيكون انتصارا للمستبدّين العرب والكرملين الروسي. وبحسب دبلوماسي أوروبي على معرفة بالشأن الليبي “يعتقد الروس أن سيف الإسلام قد يفوز”.
ومن الواضح أن أطرافا خارجية أخرى تدعم سيف الإسلام، لكنه تكتم حول الحديث عن هذه النقطة، لكن الكاتب أشار لحرب الوكالة بين قوى خارجية منها مصر والإمارات وتركيا وروسيا قد يكون لبعضها مصلحة في عودة نجل القذافي، ولو عاد، فسيكون بمثابة إحراج للولايات المتحدة التي قادت حملة الإطاحة بالقذافي مع حلف “الناتو”.
ويواجه سيف الإسلام أيضا عقبة كأداء خارج ليبيا، فهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بسبب دوره في قمع المعارضين عام 2011، إلا أن سيف الإسلام واثق من قدرته على تجاوز المشاكل القانونية لو اختاره الشعب الليبي.
كما يرى الكاتب أن سيف الإسلام بات في نظر عدد من السياسيين والذي توعدهم بأنهار الدماء من “أطهر” مرشحي الرئاسة ولم تتلوث يداه بالشبهات، وهناك من يرى في ليبيا أن عودته قد تنهي عقدا اتسم بهدر المصادر، وهم ليسوا متأكدين من المستقبل أيضا.
ويشير الكاتب إلى جهود سيف الإسلام لتأكيد صوته مع أنه لم يكن يحتل منصبا رسميا في نظام والده، ومع ذلك لعب دورا في محادثات لوكربي وتعويض ضحاياها، وقرار والده بالتخلي عن السلاح النووي، ودعوته لإصلاح السجون وإطلاق المعتقلين السياسيين وتلميع صورته عبر “ليبيا الغد”، وفي لندن اتصل مع المثقفين، وأقنعهم بجدية نواياه الإصلاحية وإيمانه بالديمقراطية، لكن المتشددين حول والده أحبطوا خططه وأطلقوا عليه “سيف الأحلام” وكان في صراع مع أشقائه الخمسة وتحديدا المعتصم الذي كان قائدا عسكريا، وكان الشخص الوحيد المؤهل للتوسط بين نظام والده ومعارضيه، لعلاقاته مع الطرفين.
وعندما اندلعت احتجاجات الربيع العربي في تونس نهاية عام 2010، رحّب بها سيف الإسلام، وكان يشعر بخيبة الأمل والإحباط من بطء وتيرة التغيير في نظام أبيه، فانسحب إلى منزله في لندن مترددا بشأن العودة إلى ليبيا، وعندما عاد إلى طرابلس، عقب الاحتجاجات الأولى هناك في فبراير 2011، بدأ في كتابة خطاب مصالحة شمل على مطالب المتظاهرين ووعد بإحداث تغييرات جذرية، حسبما أفاد أحد أصدقائه المقربين.
وكشف سيف في لقائه مع الكاتب عن شعوره بالخوف على ليبيا في الأيام الأولى بعد عودته، فقال: “حذرت الجميع، سرّعوا من مشاريع الإسكان والإصلاحات الاقتصادية، لأنكم لا تعرفون ما الذي سيحدث في المستقبل”، و” لإجهاض أي مؤامرة ضد ليبيا، جئت إلى بنغازي وقلت: علينا أن نسرع الخطى. غير أن عناصر عدة داخل الحكومة عملت ضدي”.
وفي 20 فبراير2011، أعلنت وسائل الإعلام الحكومية الليبية أن سيف الإسلام سيلقي خطابا تلفزيونيا. ورأى بعض الليبيين الذين يعرفهم الكاتب أن هذا الخطاب سيكون لحظة انتصار للمعارضة، وتوقعوا أن يعلن سيف الإسلام تنحي أبيه وبداية عهد جديد من الإصلاحات الليبرالية، لكنه كان خطابا كارثيا ونقطة تحول في مسار الثورة أدى لتغيير الليبيين مواقفهم من سيف، ونفض الجميع أيديهم منه.
ويرى الكاتب أن النظرة اليوم لخطاب سيف الإسلام قد تعطي صورة مختلفة، فقد كان الخطاب العامل الأساسي لتحوله السياسي، وظل فخورا به، وقال إن أغلب ما تنبأ به قد تحقق بالفعل، وحمّل سيف الإسلام إدارة باراك أوباما، وليس معمر القذافي مسؤولية الدمار الذي حل بليبيا، ولا يزال الخلاف قائما حول قرار أوباما الأولي بالتدخل في ليبيا، فبعد القصف الجوي لقوات الناتو على ليبيا، بدأت مساعي وقف إطلاق النيران، لكن المتمردين أصرّوا على رفض أي هدنة قبل تنحي القذافي.
لم يتنح القذافي، ولم يكن سيف الإسلام مستعدا لخيانة والده، وقال سيف الإسلام عن الثوار: “كان العالم بأسره يقف معهم،، ولم يكونوا بحاجة للتوصل إلى تسوية”.
واستشعر الكاتب حسرة في صوته عندما سأله عن زملائه القدامى مثل محمود جبريل، الذي ضمه سيف الإسلام إلى الحكومة عام 2007 بوصفه إصلاحيا والذي أصبح لاحقا رئيس الوزراء في المجلس الانتقالي عام 2011. ورد بحديث غامض عن النفاق، وقال إن وسائل الإعلام العربية شيطنت نظام القذافي إلى درجة جعلت من المستحيل إقامة حوار بين الجانبين.
وقال إن المتمردين عقدوا العزم على تدمير الدولة، وأن أي مجتمع قبلي مثل ليبيا يضيع بدون دولة، ثم أضاف: “ما حدث في ليبيا لم يكن ثورة. يمكنك أن تسميها حربا أهلية أو أيام بؤس، لكنها لم تكن ثورة”.
ووصف سيف الإسلام أحداث الربيع والصيف عام 2011، حيث قال إنه كان يزور والده في باب العزيزية كل يوم، ويقول إنه تلقى اتصالات هاتفية من زعماء أجانب كانوا يعتبرونه على الأرجح وسيطا بينهم وبين أبيه، أخبرني أن أحد المتصلين المعتادين، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال عنه: “في البداية كان في صفنا ضد التدخل الغربي، ثم بدأ يقنعني بمغادرة البلاد”، وأضاف أن أردوغان وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تحاك منذ زمن بعيد، أما سيف الإسلام فيرى أن حرب 2011 قد انبثقت عن مجموعة من التوترات الداخلية التي كانت تعتمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية، من بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وأضاف: “كانت عدّة أمور تحدث في آن واحد. زوبعة شاملة”.
و قال نجل القذافي إنه شارك في القتال بباب العزيزية قبل أن يفر إلى مدينة بني وليد وظل فيها حتى أكتوبر، ومن ثم فرّ إلى سرت ومنها إلى واد صحراوي، واستطاع التواصل مع عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات في نظام أبيه، واتفقا على أن يلتقيا في المثلث الحدودي الجنوبي بين ليبيا والجزائر والنيجر، وبينما كان في طريقه إلى هناك، ألقى مقاتلو الزنتان القبض عليه.
وقال سيف الإسلام إنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شقت وسط الصحراء أسفل منزل في مدينة الزنتان، ولم يكن بالغرفة أي نوافذ، ولم يكن يميز الليل عن النهار أغلب الوقت. كان وحيدا وأدرك أنه قد يموت في أي لحظة، فازداد إيمانا.
وذات يوم في مطلع عام 2014، تلقى زيارة غيّرت مجرى حياته، دخل رجلان من كتيبة الزنتان إلى غرفته الصغيرة، بدا عليهما الغضب والانزعاج وأرادا التحدث، شارك هذان الرجلان في حركة التمرد ضد القذافي، لكن وحدة الثوار لم يعد لها مكان الآن، وأصيب ابن أحدهما بطلقة في رأسه أثناء تبادل إطلاق النار مع ميليشيا منافسة من مدينة مصراتة، وعبّر الرجلان عن خيبة أملهما من الثورة، وقالا إنها كانت غلطة، وإن سيف الإسلام وأباه كانا محقين، بحسب ما نقل المقال.
وأكد سيف الإسلام في اللقاء وأكثر من مرة على غياب مفهوم الدولة في ليبيا منذ عام 2011، ووصف الحكومات المختلفة التي حكمت البلاد منذ ذلك الوقت بأنها مجموعة من المسلّحين الذين يرتدون البدلات، وأضاف: “ليس من مصلحتهم أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذا فهم يخشون الانتخابات… إنهم يعارضون فكرة وجود رئيس ودولة” وأنه الوحيد القادر على توحيد الليبيين وجمعهم تحت راية واحدة، وهي فكرة تنم عن غطرسة لا تقل عن غطرسة أبيه الذي دمر مؤسسات الدولة وعاش الليبيون في عهده في حالة خوف دائم على حياتهم وممتلكاتهم بسبب قراراته العشوائية، ولم تكن لجانه الثورية سوى حفنة من المتعصبين الذين روعوا عامة الشعب وامتلكوا صلاحية الزج بهم في السجن متى ما أرادوا.
هذا واعترف الكاتب بفكرة خيالية سحرته، وهي أن سيف الإسلام قد خسر كل شيء وراقب مقتل عدد من أفراد عائلته وسُجن وحيدا، ولا شك أنه عانى مثل البقية، ولهذا أصبح متواضعا وقد تغيّر.
وقد استبعد الكاتب الفكرة، لكن لقاءات في ليبيا قادته لفهم كيف تحول سيف الإسلام إلى فتنازيا وطنية جمعية، بيده الدواء لحل مشاكلهم.
وسيف الإسلام يعي هذا الأمر، ويريد الاحتفاظ بالهالة الغامضة حوله، ولهذا رفض تصويره في البداية، وعندما سأله الكاتب عن سبب تردده قال: “لقد قضيت عشر سنوات بعيدا عن أنظار الليبيين. عليك أن تعود إليهم خطوة خطوة. مثل راقصة تعر”، قالها ضاحكا، ثم أضاف: “عليك أن تلعب بعقولهم قليلا”، وخلف هذه الواجهة المخادعة “لا يزال سيف الإسلام هو نفس الشخص الذي ينقصه النضوج كما كان قبل عشر سنوات”.
ويقول الكاتب إن سيف لم يتعلم شيئا من السنوات الطويلة التي قضاها في العزلة. فهو لا يزال يتحدث عن الديمقراطية، ويقول إن ليبيا بحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة. هو محق أن ليبيا اليوم أسوأ مما كانت عليه في عهد أبيه، لكن من الواضح أنه لم يفهم شيئا عن المعاناة التي عاشها الليبيون، ويبدو أنه لا يكترث. فهو لا يزال يعتبر من ثاروا على والده أشرارا وإرهابيين وشياطين، وقال إن “العرب حمقى دمروا بلادهم” في الربيع العربي.
والغريب أنه لم ير عيوبا في عهد والده الذي استمر 40 عاما ولا كتابه الأخضر الذي اعتبره كتابا فكريا، وتحدث عن المهام التي أوكله بها والده منذ الصغر، وافتخاره بالإفراج عن عبد الباسط المقرحي، المتهم الوحيد في لوكربي.
وأخبر الكاتب بسر أثار دهشته، وهو أن والده كان قد توقف عن امتطاء جواده بعد المذلة التي لحقت بليبيا جراء القصف الأمريكي لطرابلس عام 1986، وأنه عاود امتطاء الجواد بعد تفجيرات لوكربي، وسواء كان القذافي متواطئا أم لا، فإن مقتل 270 شخصا جعله يستعيد بشكل أو بآخر رباطة جأشه، ويبدو أن إيمان سيف الإسلام بالديمقراطية وحقوق الإنسان هي طريقة سهلة للتعامل مع الغرب، لكنها ليست حقاً بل هبة منه للشعب، تجعل عهده أفضل من والده.
اترك تعليقاً