يروي لنا أصحاب السير أن أبو ذر الغفاري الصحابي العابد الزاهد في الدنيا قد طلب من النبي أن يستعمله على أحد بلاد المسلمين، فقال له الرسول: إنك رجل رقيق يا أبا ذر، وإنها أمانة، وتكون عليك يوم القيامة خزى وندامة. لم نرى من المسلمين الأوائل ولا من بعدهم من تأفف أو رفض الإمارة، ومما سجله التاريخ ولم تتعرض له الكتب المدرسية؛ أن النبي يوم وفاته وهو لم يوارى الثرى بعد، هناك إجتماع ونزاع على الخلافة في سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار حول من يخلف النبي، ولم يتوقف النزاع على السلطة حتى الآن، ولكن هناك فرق جوهري بين الولاة في صدر الإسلام ومن جاء بعدهم، فهم كانوا جل إهتمامهم لمساعدة الرعية وإقامة العدل فيما بينها، أي أنهم خدم للأمة. بعد الفتنة الكبرى وإنتقال المُلك إلى بني أمية ثم بني العباس أصبح الخليفة ملكاً لا حسيب ولا رقيب له وتقوم الأمة بخدمته وتوفير سبل الراحة له. هذه السنة السيئة دعمتها المؤسسة الدينية على مر العصور في تبادل وضيع للمنفعة، مما أدى إلى طمس وتأخر الفكر السياسي للدين الإسلامي حتى الآن. وخلاصة القول أن القرآن تحدث عن القضاء وإقامة العدل ورد الحقوق ولم يتحدث عن الخليفة أو الأمير أو الحاكم، وعندما تعرض للملوك نعتهم بأقدح الوصاف، في حين أن الأيات عرضت بعض العموميات مثل مبداء الشورى. وفي غياب نصوص قرآنية قطعية لتولي المسؤلية، أصبح المسئول عن الرعية أي كان وبأي مستوى هو المشرع والمنفذ والقاضي، وهذه الطامة الكبرى تلقي بظلالها على جميع مؤسسات الدول الإسلامية، فكل مسئول عن مرفق أصبح ملكاً لا يأبه إلا بنفسه وما بيده غنيمة لا يتوانى في المطالبة بالمزيد.
خرج الأوروبيون من هذه الدوامة بفصل السلطات في جميع المجالات، فهناك سلطة تشريعية وهناك سلطة قضائية وهناك سلطة تنفيذية، وهذا المفهوم ينطبق على الدولة وعلى جميع مؤسساتها، وبذلك إنتهت الصلاحيات المطلقة للملك وللرئيس والنائب والمدير، وحتى للشركات الخاصة أو مؤسسات المجتمع المدني، بداية من المرتب ونهاية بتفاصيل العمل اليومية والصلاحيات الممنوحة للمسؤول، وهو أسلوب راقي متطور في الإدارة.
عودة إلى الواقع الليبي كنمودج للدول الإسلامية المتأخرة في شئون الإدارة، وبعد أربعة عقود من التصحٌر السياسي والإداري، يحاول الشعب الليبي أن يوجد له مؤسسات دولة، مثل سلطة تشريعية جيدة وسلطة تنفيذية حكيمة (وله منها زوجين إثنين) وقضاء منفصل عادل. إلا أن الموروث الثقافي للحكم السابق يطل دائما بخياله على المشهد الوطني سوى كان في ليبيا أو العراق أو مصر أو الكويت أو الباكستان.
في ليبيا تم إنتخاب المؤتمر الوطني في عرس جماهيري وشفافية كبيرة لم تشهد له ليبيا من قبل، وكانت نسبة المشاركة تقارب 65%، وكان القرار الأول للمؤتمر تحديد مرتبات عالية لأعضائه مستشهداً بنظرائهم في الدول الغربية، مع ضعف كبير في الأداء حال دون تنفيذ إستحقاقات المرحلة مثل كتابة الدستور، وتفعيل الجيش والشرطة والقضاء وتحريك عجلة الإقتصاد، ولقد أدى الإحتقان والتشظي داخل المؤتمر إلى خروج الكثير من الأعضاء في إجازة مفتوحة بإحدى الدول العربية. كان المؤتمر الوطني محبطا لتطلوعات الكثير من الليبيين، وكان عقاب الجماهير للعملية الديمقراطية العزوف الكبير للمشاركة في إنتخاب مجلس النواب في يوليو 2014 الذي لم يتجاوز 15% من المؤهلين للإنتخاب، وبذلك وصل إلى سدة البرلمان الكثير من النفعيين والجهويين والأقل كفاءة، والقليل من الوطنيين الشرفاء.
في سنة 1517م نشر مارتن لوتر كتابه حول نقد الكنيسة الكاثوليكية وقام بوضع لائحة بها 95 نقطة مخالفة لنصوص الكتاب المقدس، وهذا الكتاب يعتبر بداية العصر الحديث ونهاية العصور الوسطى المظلمة في أوروبا. لا شك أن تصرفات مجلس النواب الليبي في ثمانية أشهر الماضية إن لم يتم نقدها ب 95 نقطة فإنها معيبة في العشرات منها، ومن هذه التسرع في الإنتقال إلى طبرق لعقد إجماعاته وعدم تسلمه من المؤتمر الوطني مخالفا للإعلان الدستوري، والإستعانة بالأجنبي لقصف المدن الليبية وإستجداء الدول الغربية لضرب فئات من الشعب، وقصف المؤسسات المدنية، وتبني إنقلابي والركون إليه وتنصيبه قائدا عاماً وهو الأسير المتقاعد صاحب جنسية أخرى لا يجوزله تولي المناصب، ومطلوب عند النائب العام. إضافة إلى تأليب المناطق والمدن على بعضها، وتسليح المليشيات المؤيدة لهم وصناعة دواعش صورية تقوم بتدمير الحقول النفطية.
غير هذا أن الكثير من أعضاء مجلس النواب لم تعد طبرق تفي لديهم بمطلبات الرفاهية اليومية فنقلوا مقر سكناهم إلى القاهرة أو شرم الشيخ بمصر أو تونس العاصمة، والبعض في إسطنبول، وما عليهم إلا الظهور الإعلامي بين الفينة والأخرى على الشاشات الليبية في المهجر أو الإذاعات الموجهة للحديث عن المشهد الليبي والدفاع عن مصدر الرفاهية ألا وهو قبة البرلمان وفتات الجيش الليبي (كما وصفه العقيد فرج البرعصي أحد قادة الكرامة)، ولا يهم ذلك إن حرقت البيوت ويتمت الأطفال ورملت النساء ودمرت المدن، وقطع مصدر رزق الليبيين عنهم ألا وهو غلق الحقول النفطية من الطغمة الفاسدة جظران ومن وراءة من أعضاء مجلس النواب المؤيدين له، وأخيرا التسويف والتباطؤ بل الرفض للبعض منهم للحوار الوطني والخروج من دوامة العنف، خوفا من ضياع الدجاجة التي تلد ذهبا. وفي هذا الشأن (أي النهم) لا فرق بين الإسلاميين والعلمانيين أو المتشددين أو الفيدراليين. إلا أننا لا ننسى القلة القليلة من الوطنيين الذين رفضوا كل ذلك وأصبحوا مناضلين من أجل مؤسسات ديموقراطية أفضل تليق بالشعب الليبي، وخيارات أحسن لتولي أمور الدولة وتسيرها.
هؤلاء النواب في ليبيا أو أي من الدول العربية ليسوا نبتة شيطانية بل أنهم انتخبوا من الشعب، وأقسموا على خدمة الوطن والمحافظة عليه، ولكن من الذي إنتخبهم؟ للأسف لم يرتقي الشعب إلى مصاف الدول المتحضرة التي رسخت فيها مفاهيم المواطنة بما تتضمنه من القيام بالواجبات والحصول على الحقوق، ولم يكن هناك مؤسسات قوية تعمل على ردع الخارجين عن القانون وكبح جماحهم في نخر عظام الأمة، ولم تنزع القبلية والجهوية من الناخبين، فالناخبون تعلموا ودربوا ودفع بهم إلى تهريب ممتلكات الدولة بداية من الوقود وأسلاك الكهرباء وخامات الذهب ونهاية بالسلع التموينية، وإلى الإستحواد على أموال مشاريع لم تنفد، وإلى رواتب من مشاريع وأعمال وهمية، والناخبون دفعوا إلى الحصول على قروض ومساكن لا تسدد أقصاتها، وتعلموا إرتقاء وظائف بالخارج مفبركة، ومن الحصول على بعثات دراسية لا هدف منها، فهي إجازة مدفوعة الأجر، وأخيرا إلى تقاضي رواتب مُوازية بلا عمل، وعدم تسديد أقساط الكهرباء أو الماء.
هذه الأعمال المشينة من الكثير من النواب ومن العديد من المواطنين، لا يمكن معالجتها بالنصح والإرشاد فهو منتشر بين الكثير من شرائح المجتمع لسبب وجيه من المواطن وهو الشعور بالغبن إزاء نهب جشع المسئولين، ومحاولة تفليدهم (فالناس على دين ملوكهم). ومعالجة ذلك يتطلب تغييرا على مستويين، المستوى العاجل تفعيل القوانين وإيجاد القوة الرادعة لتنفيذها على كل القطاعات العامة والخاصة، ودعم الصحافة للتشنيع بالمارقين والمجرمين، والمستوى الثاني الطويل الأجل إحداث ثورة ثقافية في المفاهيم وفي المعاملات بحيث يتحول الشعب إلى البدل والعطاء لتحسين أوضاعهم المادية والعيش بكرامة بديلا عن جني المكاسب بطرق غير مشروعة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
مقالك غير متزن ومنحاز لطرف واحد وهو الموءتمر الوطني المنتهي. انا معك في كل ماقلت في البرلمان واعضائه ولكن المشكل موروث من المجلس الانتقالي. كان على المجلس الانتقالي ان يضع قانون ويستفتى عليه من الشعب ينظم المرحله الانتقاليه. وان هذا القانون به مايسمى بخطه ب وهي في حالة تقصير اي جهه في اي مرحله. الان لا نستطيع ارجاع الساعة. ولكن الموءتمر الوطني هو سبب مشاكل ليبيا. حيث انه اهتم بالاموال لاعضائه من رواتب وتعويضات عن السجن والغربه والهجره والعيش في دول غربيه خمس نجوم. مقالك هذا هو هجوم لصالح الموءتمر الوطني المنتهي صلاحيته بالرغم انك لمته ولكنك لم تنتقده. حل مشكل ليبيا ليس بالحوار دون خطه تعد من قبل مختصين ومن ثم الحوار على تطبيقها. مشكل ليبيا لن يحل الا الحسم العسكري اولا ثم دستور وقوانين تنطم العلاقه بين الجميع. الحسم العسكري لن ينجح الا بدخول جميع القبائل ضد من لا يعترف بالخطه التي توضع من قبل مختصين يمثلون جميع ليبيا.
السيد عيسى
مقالك فيه كتير من الحقائق ونعم يحدت هذا فى البرلمان ولكن ليس من كلهم فهناك منهم وطنيون حتى النخاع لا يزايد عليهم احد ولا يصل مرتبتهم كان من كان حبهم لليبيا وحرصهم عليها وكذلك فى الموتمر الوطنى العام وقبله المجلس الوطنى كنت أتمنى وانت بدأت بصدر الاسلام تلك دولة رسول الأعظم سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يكتب ويقتدى به عليه ان لا يخاف فى الحق لومة لائم .
اختصارا اقول لك قل حقا او اسكت خيرا لك ، فمن قال نصف الحقيقة يعتبر …… هل تعلم ما نعت به بعض اعضاء مجلس النواب يقوم به بعض اعضاء الموتمر واكتر ، وبالدليل والأسماء ، واسال عن أين عائلاتهم وأبناؤهم وستعرف الحقيقة ، اعلم يا اخى لا تكتب بيدك الا الحق ،