لا شك أن الوضع الأمني والإجتماعي والإقتصادي يزداد سوءاً في طرابلس خاصة، وفي ليبيا عامة، ليس من تهجير قرابة نصف مليون ساكن من منازلهم وهدم بعضها والعبث بجلها، بل من توقف الحياة حتى في المدن الأخرى، توقف الدراسة بمراحله المختلفة، وتوقف تصدير النفط، وهو يندر بازمة إقتصادية خانقة، سعر العملة الليبية يتهاوى كل يوم إلى الاسواء، والأهم من كل ذلك أن حرب الإمارات على الليبيين تحصد كل يوم عشرات القتلى والجرحى ولم تسلم المشافي والجامعات والبيوت، والشعب يتجرع الماسئ والهزائم والنوائب بصبر أيوب، لوكان في دولة أخرى لم تتعود على الإستبداد لنتفض شعبها ضد السياسة البائسة وإدارة الصراع بإستشارات عفنة.
نعم نتج عن سؤ إدارة الصراع إستبعاد الحسم العسكري من بركان الغضب وشراء السياسة للوقت بإستمرار شلال الدم الذي لا يتوقف جنوب طرابلس مع الإكتفاء بالتنديد والتأسف والتعزية. يتفق كل النشطاء والمحللين العسكريين والسياسيين أن الطاقات المتوفرة للحكومة لم يستخدم جلها، فالنفير العام لم يعلن، وفتح ابواب الدولة لدعم الجبهات لم يتم، وتوجيه المنتسبين للدفاع وهم قرابة مئة ألف والتابعين للداخلية قرابة مئة ألف أخرى لحسم المعركة لم يتم، وحتى ما يسمى بالثوار إستخدموا للقعود تحت مكيفات المصارف والمباني العامة وهم قوات إحتياط يتقاضون مرتبات من الدولة كعسكريين وليس أمنيين. ترك الجنوب رغم إنتفاضة أبنائه لمصيرهم، ولا يحتاجون إلا إلى إعادة تنظيم صفوفهم ودعمهم بأليات عسكرية لمهاجمة حقول النفط وإخراج المعتوه حفتر منها وإعادة التصديرة، خاصة ان مواني الغرب الليبي ليس تحت سيطرة حفتر والإمارات.
تركت جبهات جنوب طرابلس في الوشكة لمجموعة من الثوار والعسكريين الأحرار، معظمهم متطوعين من مدن الدواخل الذين لهم غيرة على الوطن ولهم ثار لا ينسى على حكومات العسكر، ومنهم حفتر، والقليل منهم من طرابلس ذات الثلاثة ملايين ساكن، ونحن ندعي بأننا لدينا جيش وجيش جرار أمام العالم.
الدعم العسكري التركي نعم مهم، ومهم جداً، وتم إستخدامه من الأتراك للمصالح المشتركة، ولكن لا يجب أن يكون حرص اردغان على عدم سقوط طرابلس وتحرير ليبيا أكبر من إهتمام الرئاسي. عجبا يعادون محور الشر في سبيلنا وفي سبيل مصالحهم ممن نتودد إليهم ولا نستطيع ذكر اسمائهم بعتاب، بل نقوم بتعيين رموزهم والتقرب لشخوصهم ولنا تجارة رائجة معهم ونقوم بتشغيل شركاتهم ونمنحهم عقود نفطية وغيرها، إنه العبث بعينه.
الإمارات وكل دول محور الشر لن يتوقفوا عن مشروعهم، وهو مشروع إستراتيجي ثابت، يمثل لهم الحياة أو الموت؛ لو نجحت حكومة الوفاق وإنهزم حفتر ستكون هناك حكومة وطنية تشكل حلف مع تركيا وقطر وتشد من عضض تونس، وتقوم بتقوية ثوار الجزائر لإنهاء بقية حكم العسكر وسيتور السودان مجددا على حميدتي وزبانيته، هذا السيل الجارف لا شك أنه سيسقط حكومة السيسي التي يتربص بها ألآف النشطاء بالخارج، وأكثر من مئة ألف داخل السجون. وبذلك سيكون الطريق ممهدا لقلب حكومات العائلات في الخليج مثل الإمارات والسعودية وهي حكومات دكتاتورية هشة بنيت على تأمين الغرب لها عسكريا وشراء شعوبها بالمال.
ومن ذلك نرى أن التعويل على السياسة لحل المشكلة الليبية ضرب من الخيال، والإستمرار في الوضع الحالي هو الإستمرار في نزيف الدم الليبي بايدي قمامة العامة جلبتها الإمارات من الجنجويد والروس والمصريين وغيرهم، ولم يعد هؤلاء مرتزقة بقدر أنهم جيش إماراتي برواتب محددة وتسليح عالي وخطط عسكرية، أي الحرب القائمة لم يعد فيها حفتر سوى بيدق لا قيمة له.
إن المسئولية والرد يجب أن تكون على مستوى الحدث، والحرب هي الحرب لا يكون الردع فيها إلا للحسم العسكري بشتى أنواعه بالداخل والخارج، ويجب أن تكون للأجهزة العسكرية وأجهزة الإستخبارات دورها، لم نري عسكري في العالم يتفرج على كتائبه وسرياه يقتلون على التبات بدعوى عدم وجود قرار سياسي ملائم، ونحن نعلم أن أعتى قوة في العالم تم دحرها عندما تتواجد الإرادة السياسية؛ في 18 ابريل 1983 م قامت مجموعة تابعة للشيخ فضل الله بتفجير السفارة الأمريكية في بيروت وكانت حصيلة قتلى العسكريين الإمريكان 63 جنديا، ومنها رحل الإمريكان عن بيروت حتى الآن. وفي تفجير آخر للسفارتين الأمريكية في آن واحد في كل من درا السلام بتنزانيا ونيروبي بكينيا يوم 7 أغسطس 1998م قتل أكثر من 224 وأرغمت أمريكا على مغادرة الصومال.
الليبيون دفعوا ارواحهم مناصرة للشعب السوري ضد استبداد الأسد، وإستشهدوا في قنفودة وعلى أبواب درنة ضد إستبداد حفتر وهم خارج منظومة الدولة الرسمية المعاقة، فلا غرو أنهم سيوقفون الإمارات عند حدها إن كان هناك مشروع وطني لإيقاف العبث الإماراتي بالوطن الجريح. مصالح دول الشر في ليبيا كثيرة منها شركات نفط ومصارف وشركات توريد وبضائع بالمليارات، وعمالة وقواعد تشتغل على مرمى ومسمع من العالم، وطائرات تنقل وسائل الدمار وأوباش الحروب، ودمم تشترى، وكله يمكن إيقافها أو وضع قيود عليها، والحكومة الرسمية المعترف بها دوليا تنتظر أن يتوقف الجلاد عن سفك دماء الضحية بإرادته، وهو بمتابة ما قال الله عمن حرم الجنة “حتى يلج الجمل من سم الخياط” أو رجوع اللبن إلى ضرع أمه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً