لم تنتصر قوى الكرامة والدول الداعمة لها في ساحات الوغى، ولكن استطاعت إشاعة الفرقة بين (زعامات المنطقة الغربية) فأصبحت شدر مدر.
صمتت تلك الزعامات عندما كان أزيز المدافع يدك معاقل المغفلين والمتمردين والمرتزقة السودانيين والكفرة الروس المستعان بهم، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى تسابق المتربصون ومن انتهت صلاحياتهم منذ أمد طويل إلى جني المكاسب.
تسابق محموم لتقاسم السلطة من أجل البقاء لسنوات قادمة في المشهد الليبي، وليس لحل مشكلة بناء الدولة، وذلك على حساب الليبيين المنكوبين بتلك الطغمة الفاسدة.
رئيس المجلس الأعلى للدولة أنزل سقف توقعاته للحضيض من أجل القبول به كمحاور لعقيلة صالح الذي جند كل الفيدراليين في صفه من أجل فرض شروط الانفصاليين في برقة.
أما النائب الأول والأخير للرئاسي فلقد وصل إلى موسكو حافي القدمين لملاقاة أبناء حفتر ليصبح طرفاً محاوراً للروس ويعطي جرعة مسعفة لحفتر قبل سقوطه على يد عقيلة المتربص بالحكم، ولو كان على حساب عودة تصدير النفط.
أما رئيس الرئاسي فقد لوح بالاستقالة استجابة لضغوط أمريكية، ومع تسجيل الاتفاق البحري بين ليبيا وتركيا في الهيئة الأممية فإن غيابه غير مأسوف عليه لا من القريب ولا من الغريب، بالمقابل ربما يكون هو الرابح الوحيد بسبب عدم وصول الأطراف المتربصة إلى أي اتفاق.
هذا التفرق والتمزق السياسي والمجتمعي لا يهم العالم الخارجي كثيراً بقدر اهتمامها بمصالحها؛ إلا أن تعارض مصالح الأمريكان والروس حول النفوذ في ليبيا يرشح الأزمة للتصاعد ما لم يكون هناك اتفاق تركي روسي بالخصوص.
لعبة الأمم تتكرر دائما، فالحرب في مقاطعة ناغورنو كاراباخ الحالية تعود إلى سنة 1923 عند وضع حدود إدارية لسكان أرمينيين (جبال الحديقة السوداء) داخل جمهورية إذربيجان والتي لا تواصل جغرافي لها مع أرمينيا، فلم تتوقف الحرب حتى الآن بدعم خارجي للطرفين.
في إقليم كشمير ذو الأغلبية المسلمة قام حاكم الولاية الهندي هاري سينج بضم الإقليم إلى الهند سنة 1947م، اندلعت على إثره حرب في الإقليم دامت سنتين، ثم كان انفصال الباكستان عن الهند سنة 1949م ولم تحل المشكلة الكشميرية رغم خوض الباكستان لأربعة حروب مع الهند.
في الغرب الليبي قامت السلطات الفرنسية بضم شريط حدودي بعرض 60 كم من رأس جدير غرباً وبطول 600 كم حتى غدامس سنة 1894م ورغم جهود الباروني ضاعت الأرض وتحولت القبائل في تلك المنطقة من النوايل وأولاد سلام والهمايلة إلى داخل الأراضي الليبية، ونسي الليبيون ارضهم لآن القبائل تحولت منها وحل محلهم أجلاص وأولاد دباب وورغمة.
المحادثات الحالية غير البريئة من عقيلة صالح ومجموعة الفيدراليين ودعم المخابرات المصرية لهم قد لا تفضي إلى أي اتفاق، وإن كان الهدف هو خلق وضع مشابه للسيناريوهات السابقة، أي استمرار وجود حكومتين إحداها في الشرق في بنغازي والأخرى في طرابلس ووضع إقليم متنازع عليه يسمى إقليم الهلال النفطي، يتم استثماره ووضع عوائد التصدير في المصرف الخارجي الذي سيقوم بتقاسم العائدات المالية إلى البنك المركزي في طرابلس والبيضاء.
ويستمر هذا السناريو إلى أن يخضع الجميع إلى قيام الفيدرالية، كبديل للانفصال الذي له معارضة قوية من الكثير من الجهات في الشرق الليبي وخاصة برقة البيضاء: من إجدابيا إلى الكفرة.
هناك رغبة مصرية إماراتية وحتى روسية في سلوك هذا المسلك الذي تقابله الكثير من العثرات الداخلية والخارجية ولكنه يبقى الوسيلة لخلط الأوراق وإدامة الحرب ومنع تكوين أي هياكل سياسية ناجحة.
المرجح أن هكذا محادثات واتفاقيات ثنائية بين عقيلة والمشري ومن على شاكلتهم لن تفضي إلى أي حلول، ما لم تتفق الدول الفاعلة مثل أمريكا ودراعها تركيا والروس من ناحية أخرى على حلول ناجعة أهمها إزاحة الهياكل السياسية الحالية المهترئة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً