في الجزء الأول من هذا المقال حاولت تسليط الضوء على معنى العدالة الاجتماعية من منظور إسلامي والإجابة على السؤال: ما هي أهم مبادئ العدالة الاجتماعية؟ أما في هذا الجزء فسأحاول التركيز على أهم واجبات الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية.
الحقيقة إن للدولة الحديثة واجبات عديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية لعل من أهمها:
(1) واجب كفالة الأفراد عند الحاجة
بمعنى أن الواجب الأول للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية هو:
“كفالة أفراد المجتمع مسلمين أو غير مسلمين في حالة عجزهم، أو صغر سنهم، أو عدم قدرتهم على توفير دعم أنفسهم“.
فقد روى أبو يوسف في كتابه “الخراج” أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على باب قوم وعليه ساءل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال:
من أي أهل الكتاب أنت؟
فقال: “أسال الجزية والحاجة والسن”.
فأخد عمر بيده وذهب إلى منزله فرضخ له (أي أعطاه شيئا ليس بالكثير) شيء من منزله، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال:
“أنظر هذا وضرباءه, فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته
ثم نخذله عند الهرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين،
والفقراء هم المسلمين،
وهذا من المساكين من أهل الكتاب،
ووضع الجزية عنه وعن ضربائه“17
هذا كما روى عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه رـى شيخا نصرانيا من أهل الذمة يتكفف الناس ويسألهم المساعدة:
فقال أمير المؤمنيين: من هذا؟
قالوا: يا أمير المؤمنيين هذا: نصرانى.
فقال أمير المؤمنيين: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال”18
(2) واجب تحقيق “حد الغناء”
أما الواجب الثاني للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فيكمن في:
“توفير الحد الأدنى من اليسر والرفاه لكل أفراد المجتمع“.
وذلك بالارتفاع بمستويات المعيشة المنخفضة إلى الحد الذي يشعر فيه المحتاجين أنهم في غنى عن الناس، بمعنى يجب على الدولة أن تضمن لكل مواطن الحد الأدنى للمأكل والملبس والمشرب والعلاج، فلا يجوز أن يجوع، أو يعرى، أو يعطش، أو يمرض المواطن وغيره يجد حاجته وزيادة، بمعنى آخر، يجب ألا تسمح الدولة بأن يتمتع مواطن بخيرات ولذائذ الدنيا وحوله من يعاني الحاجة أو ليس لديه ما يأكل، وفي هذا الصدد يقول:
رسولنا (ص): “ليس منا من بات شبعان وجاره جائع”،
ويقول (ص): ” منلا يهمه أمر المسلمين ليس منهم”.
ويجب أن يكون من واجبات الدولة العناية بالصحة، فهي حق لكل مواطن، ويجب مكافحة الأمراض ومعالجة المرضى غير القادرين على العلاج، وأن يكون شعارها:
“العقل السليم في الجسم السليم“،
و“المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”.
ومن واجبات الدولة أيضا حماية الطفولة ورعاية الشباب وكفالة اليتيم استجابة:
لقول رسولنا (ص):”ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”
وقوله (ص): “السلطان ولي من لا ولي له”
وقوله (ص): “من لم يرحم صغيرنا ولم يعرف حق كبيرنا فليس منا”
وقوله (ص) في حق اليتيم في المجتمع: “إن اليتيم إذا ضرب أهتز العرش لبكائه.”
(3) واجب توفير فرص العمل
أما الواجب الثالث للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فهو:
“السعي من أجل توفير إمكانيات العمل وفرض الإنتاج للجميع.”
بمعنى تشخيع وإعطاء الحرية الاقتصادية للمواطنين في ممارسة نشاطاتهم الاقتصادية وتحقيق طموحاتهم المهنية.
وعليه على الدولة أن تقوم بتوفير فرص العمل لمن لا عمل له، وأن يكون مجال العمل مفتوح ومتاح لكل من أراده، فالكل مُيسر لما خلق له، وأن يكون الجزاء من جنس العمل، وعلى الدولة أن تُشجع المواطنيين وتذكرهم بأقوال
رسولنا (ص) عندما قال “العمل عبادة“…
وقال: “طلب كسب الحلال فريضة“…
وقال: “طلب الحلال جهاد“…
وقال: ” إن الله يحب العبد المؤمن المحترف.”19
ولعله من أهم واجبات الدولة في هذا الصدد:
“حماية اليدّ العامله وتحديد الأجور”
يقول رسولنا (ص): “من استاجر أجيرا فيعلمه أجره.”20
وقوله: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.”21
(4) واجب ترشيد الاقتصاد وتنمية وتطوير ثروات الدولة
أما الواجب الرابع للدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية فهو:
“تشجيع وترشيد القطاع الخاصن وإطلاق المبادرة له”، ليساهم تجاريا وزراعيا وصناعيا وثقنياً في تنمية وتطوير الاقتصاد وتنمية وتطوير مصادر الطاقة والثروة وتحسين استخدامها، والسعي الجاد لتحقيق استقلالية الوطن اقتصاديا وتخليصه من التبعية الخارجية.
وهذا يعني فيما يعنيه:
أن تمنع الدولة السيطرة الاقتصادية الأجنبية على ثروات ومقدرات الشعب.
(5) واجب توفير المرافق العامة وصيانتها
أما الواجب الخامس للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فهو: قيامها على المرافق العامة في المجتمع، ويجب ألا تسمح بأن يحتكرها فرد بحكم طبيعتها، وعليه يجب على الدولة دعم وحماية ورعاية المرافق العامة وخصوصا الخدمات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، والثقافية.
(6) واجب تطوير وتحسين المواصلات العامة
أما الواجب السادس للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فهو: “تطوير وتحسين المواصلات العامة في الدولة” وذلك لتحقيق التقارب والتعاون والاتحاد بين أبناء الشعب، فلابد من قيام الدولة بتحسين طرق المواصلات البرية، والجوية، والبحرية وتقويتها بين جميع أطراف الوطن لتسهيل حركة النقل والتجارة والسكن، والعمل على توفير حرية اللقاء والتعاون بين المواطنيين، فمن الغريب أنك تجد الكثير من أبناء الوطن الواحد لا تُتح لهم فرص اللقاء والتعارف إلا في المهجر، ولعل من أهم الأسباب التي أدت لهذا هو غياب وسائل الاتصال وصعوبة الانتقال في داخل الوطن من مكان إلى آخر.
في الجزء الثالت من هذا المقال سوف أحاول الإجابة على السؤال التالي:
متى يمكن للدولة أن تتدخل؟
يتبع …
والله المستعان.
الخراج لأبى يوسف , وأنظر: د. عبد العزيز الخياط ص15917
من كتاب “التوزيع الاقتصادى فى الاسلام” (1982) دار التوحيد. الطبعة الاولى, ص40.18
عماد الدين خليل (1979) “مقال فى العدل الاجتماعى” دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى. ص 7119
رواه البخارى20
رواه ابن ماجه 21
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً