أصدرت المنظمة الليبية للسياسات والإستراتيجيات قبل أيام تقريرها السنوي الأول حول ليبيا والذي ارتكز على تلخيص وقراءة مركزة لابرز التطورات التي حدثت خلال العام 2015. عبر سرد تطورات المسار السياسي والتفاعلات الداخلية والخارجية المتعلقة بتطورات الأزمة الليبية ورصد مفاعيلها التي تؤسس لتشكيل المشهد العام للأوضاع في ليبيا للعام 2016 بحسب تقرير المنظمة. بالإضافة إلى توصيف الواقع الأمني والعسكري في غرب وشرق وجنوب البلاد.
ولخص التقرير السنوي بدايات الحوار السياسي الليبي الذي رعته البعثة الأممية في ليبيا ورصد مخرجاته وردود الأفعال المختلفة حوله. واهتم التقرير بتقييم التطورات الإقتصادية خلال عام 2015 وتحديد أسباب تدهور المالية العامة في ليبيا واستشراف مؤشرات الأزمة الإقتصادية الحادة التي يشير التقرير إلى أن ليبيا بدأت واقعياً تعاني من تداعياتها.
وثق تقرير المنظمة نشوء الإنقسام السياسي مع بدايات عام 2015 بالتزامن مع إنعقاد مجلس النواب في مدينة طبرق وإسراعه إلى تبني سياسة تصعيدية ضد المؤتمر الوطني العام وتخليه عن الخيار التوافقي لمعالجة الإشكال الدستوري الذي صاحب اجراءات انعقاده, وتبني خيار المواجهة والصدام ضد تشكيلات الثوار المنضوية تحت مظلة رئاسة الأركان العامة التابعة للمؤتمر عبر انحيازه لما عرف آنذاك بعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد ” خليفة حفتر ” الذي تم إعادته إلى الخدمة العسكرية ليواصل قيادة الحرب التي بدأت في منتصف شهر مايو 2014 ولم تتوقف إلى هذه اللحظة.
وخلص التقرير إلى أن حالة الإنقسام السياسي الحاد في ليبيا أدت إلى رفع مستويات التأزيم في ليبيا إلى مستويات غير مسبوقة نتج عنها إنقسام لكافة المؤسسات السيادية ولغالبية المؤسسات والجهات الخدمية مما أدى إلى تردي قطاعات الخدمات الأساسية والأمنية والمالية بالبلاد وخلق بؤر توتر في كافة مناطق ليبيا وفاقم من سوء الأوضاع الإنسانية وإتساع رقعة سيطرة الإرهاب وجرائمه في ظل غياب سلطة مركزية موحدة ترسم استراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب بحسب تقييم التقرير السنوي للمنظمة الليبية للسياسات والإستراتيجيات.
وأكد التقرير اشتراك السلطتين القائمتين في ليبيا في تبنيهما لسياسات مرتبكة داخل أطرها التنظيمية والسياسية انعكس سلباً على قدراتهما ومدى نجاحهما في المحافظة على تماسكهما داخلياً خاصة مع ارتفاع حدة الإنتقادات والخلافات داخل المؤتمر الوطني كما هو الحال بمجلس النواب مما فاقم من حالة الإنقسام السياسي في ليبيا.
رصد التقرير المواجهات العسكرية التي اندلعت في كافة مناطق ليبيا وحذر من مخاطر اتساع رقعة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف وتطرق التقرير لطبيعة الخلافات بين المجموعات الجهادية في ليبيا وانعكاسها على طبيعة الصراع في البلاد.
التقرير السنوي حول ليبيا قام بسرد تطورات الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة والمسارات المصاحبة له. واشار إلى تداعيات تورط المبعوث الأممي السابق برناردينو ليون في علاقة وظيفية وصفت بالمريبة مع دولة الإمارات والتي انعكست على جهود المبعوث الأممي، ونقل التقرير مخاوف منتقدي أداء المبعوث الأممي السابق الذي وصف بالمضطرب، بالإضافة إلى عجزه عن تحقيق تقدم ملموس في مسار الترتيبات الأمنية.
ونوه التقرير إلى أن المبعوث الأممي الجديد مارتن كوبلر قد انطلق من حيث توقف سلفه، بدون الإلتفات إلى المطالبات بتعديل بعض بنود الإتفاق السياسي والتي قدمتها مختلف أطراف الأزمة الليبية.
واعتبر التقرير أن دعوات الحوار الليبي – الليبي قد ابتعدت بالحوار الليبي عن مسار الرعاية الأممية وحذر التقرير من مغبة تشتت جهود الحوار وتحولها إلى أوراق سياسية للضغط والمساومة على حساب تحقيق وإحلال السلام في ليبيا.
ومن جهة أخرى حدد التقرير جملة من التحديات التي ستواجه حكومة الوفاق الوطني المقترحة سواء المتعلقة بمسألة الشرعية والقدرة على إحداث الفعل على الأرض وفرض سيادتها وتحقيق إجماع وطني حولها. بالإضافة إلى التحديات الأمنية والإقتصادية في ظل تردي إيرادات الدولة وتعرض حقول النفط وامدادات الكهرباء إلى الضرر والتدمير. واعتبر التقرير موقع وتواجد الفريق خليفة حفتر هو من ابرز معوقات التوافق في ليبيا.
على المستوى الدولي والإقليمي يعتبر التقرير السنوي أن العام 2015 شهد تنامياُ للتدخل الأجنبي في الأزمة الليبية سواء بدعم أطرافها بالسلاح والتمويل أو عبر الوساطات وممارسة الضغوط من أجل انجاح الحوار السياسي أو افشاله. ورصد التقرير تطوراُ إيجابياً لدور الإتحاد الأفريقي في جهود التهدئة في ليبيا. بالإضافة إلى تقييم وعرض للمواقف الأوروبية والأمريكية المتعارضة في بعض مراحل الأزمة لطبيعة الحل خاصة مع إرتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين الواصلين إلى جنوب أوروبا عبر السواحل الليبية. واقتراب خطر الإرهاب من السواحل الأوروبية عبر سيطرة تنظيم الدولة على مدينة سرت والتي يرى التقرير أن تحريرها هو مهمة وطنية يجب تحقيق استراتيجية عسكرية موحدة ضده.
وحذر التقرير من مغبة استمرار النزف الحاد في رصيد النقد الأجنبي لدى ليبيا في مقابل انخفاض أسعار النفط العالمية وتعرض حقول وموانئ النفط للتدمير أو خروجها عن سيطرة الدولة التي تعاني من الانقسام السياسي.
واعتبر التقرير السنوي للمنظمة الليبية للسياسات والإسترتيجيات أن تزايد سحب العملة الليبية من المصارف التجارية أدى لإنخفاض السيولة لديها، مما أرغم مصرف ليبيا المركزي إلى طباعة عملة جديدة وضخها في السوق لمعالجة الأزمة المالية لمواجهة اكتناز المواطنين للودائع النقدية. وحذر التقرير أن انعدام ثقة المواطنين في النظام المصرفي سيسبب في تداعيات سلبية على المدى البعيد للاقتصاد الليبي. وقدم التقرير احصائيات وأرقام ونسب دقيقة لمعدلات البطالة في ليبيا وواقع الاستثمارات الليبية ومشكلات التضخم وانخفاض قيمة الدينار الليبي.
خلص التقرير إلى ضرورة توحيد مسارات التفاوض والحوار الليبي لإحداث إجماع وطني حقيقي يكون ضامن لتفعيل آليات تطبيق الإتفاق السياسي لتوحيد السلطة في ليبيا وإنهاء الإنقسام السياسي لمواجهة التحديات الأمنية والخدمية والإنسانية التي تفرض نفسها وتمس حياة المواطنين في ليبيا. وحذر التقرير من مغبة إشعال فتيل الحرب بالعاصمة طرابلس في المقابل طالب التقرير بإنهاء القتال في مدينة بنغازي وإطلاق حوار داخل المدينة يضمن وقف نهائي لإطلاق النار. كذلك خلص التقرير إلى أن الحكومة القادمة يجب أن يكون من أولوياتها الوصول إلى صيغ توافقية غير قابلة للكسر أو الاختراق تجمع المكونات الفاعلة في ليبيا لمنع التعديات الممنهجة ضد موارد الدولة السيادية وعلى رأسها قطاع النفط ومؤسساته.
يمكن قراءة التقرير كاملاً عبر الرابط التالي
اترك تعليقاً