مشكلة الدستور هي قضية كل الشعوب الطامحة للتغيير، ويعود ذلك إلى أنها الوثيقة الأساسية لتحديد الهوية، وحوكمة السلطة. فهي إشكالية في السودان وتونس والعراق وسوريا، ويعود السبب إلى زيادة الوعي عند الشعوب بعد انهيار حكومات الاستبداد، وبروز السؤال الجديد القديم من نحن؟ في كل تلك الدول هناك التيار المحافظ على النسق القديم ذو اللون الواحد الاستبدادي الذي يتغذى على الهيمنة الفئوية، وهناك قوى التغيير التي تمثل التنوع والانفتاح على العالم، والبناء بمبدأ الربح للجميع، وللأسف أن تغيير قناعات المحافظين وأي قناعات أخرى تحتاج إلى فترة جيل كامل في أغلب الأحيان.
ينعقد الملتقى الدستوري الثاني يومي 13 و14 نوفمبر الجاري بدعوة من المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، وبحضور الكثير من النشطاء والحقوقيين وممثلي الأحزاب. ينعقد في زمن استمرار الانسداد السياسي وتعثر أفق الاستحقاق الدستوري، رغم وجود أفكار كثيرة مثل الملتقى الليبي الثاني بغدامس، والمجلس التأسيسي للأحزاب، وقيام مجلس الدولة بإصدار وثيقة انتخابات دستورية، ونشاط المندوب الأمريكي للدفع نحو الانتخابات.
جذور المشكلة واضحة، أن لجنة الدستور قد تم تشكيلها على أسس محاصصة قبلية ضيقة، وإصرارهم على أن يكون الدستور بالغلبة وليس بالتوافق، فانسحب المكون الأمازيغي والتباوي وبقي المكون العربي يراوح بين البيضاء وصلالة، ونتج عنها مخرجات سيئة لفضها من في الغرب والشرق والجنوب وحتى من كتب الدستور لأجلهم.
الملتقى الأول كان حضوره متنوعا من مؤسسات وأحزاب من جميع مدن ليبيا، وتطرق الحديث جله إلى المسائل الحقوقية والثقافية، فلقد تم التعرض للتفافة الوطنية وإلى مقومات الامة الليبية، والى أهمية المواطنة التي يرنوا إليها الامازيغ كثيرا، والتي مسخ مقوماتها الحكم الشمولي وثقافة الاستبداد، وأن النسخة الحالية من الدستور تعارض تطلعات الشعب الليبي وتعارض مفاهيم المواطنة الحقة وتناقض القوانين والأعراف الدولية.
القناعات الجديدة التي تم الوصول إليها أن ليبيا تحتاج إلى وثيقة دستورية وقانون إنتخابي وطني يعبر بها إلى بر الأمان، من خلال انتخابات برلمانية تنتج شرعية تشريعية جديدة لها القدرة على الفعل، الذي بدوره يشكل حكومة جديدة تعمل على استكمال كتابة الدستور الدائم. ما يمنع هكذا سيناريو تدخل السلطات المصرية التي لم تتوقف عن تسميم المشهد الليبي من خلال عملائها الليبيين بتحريضهم على عدم التوافق وعدم الذهاب للانتخابات الا بشروطها.
من متابعة أحداث التاريخ نجد أن الرؤية الامازيغية للامة الليبية هي الأكثر عقلانية، فالتفاهم بين مكونات المجتمع والوصول على قواسم مشتركة افضل بكثير من الاستقواء بالخارج الذي حرض على القتال وأهلك الحرث والنسل، مقاطعة الامازيغ للجنة الستين كانت صائبة لان اللجنة بنيت على باطل وكانت نتائجها باطلة لا تبني دولة، فتلك المحاصصة ارست قواعد معيبة مثل التمثيل النيابي المتساوي بين أقاليم لم تستحدث ولم يكن لها وجود قانوني، وكذلك التمثيل الانتخابي للرئيس والمناصب السيادية بين بطريقة جهوية في قانون الانتخاب الذي أصدره مجلس النواب البائس، كما أصبحت مؤسسة النفط ومؤسسات الدولة والسفارات والوزارات بعبع للمحاصصة والفساد نتيجة لذلك القرار الجائر.
المحاصصة نقيض المواطنة، فهي مرتع للفوضى واستقواء بالمليشيات وعلامة التأخر، نجد وبالها في إفلاس لبنان بسبب اتفاق الطائف، وفساد العراق بسبب التواطؤ مع المليشيات، والحروب الاهلية في السودان واليمن وسوريا لم تتوقف.
نعم الديموقراطية والحكم الرشيد ليس سلعة تباع وتشترى بل تراكم معرفي يتدرج في سلمه أفراد ومؤسسات المجتمع، ولكن ليس إلى ما لانهاية، فقد آن لليبيين أن يشقوا طريقهم بلا وصاية من الخارج ولا عملاء بالداخل يأتمرون بأمرهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً