مسلمون فرنسيون يحملون لواء ‘الصداقة مع السامية’

‏'إمام اليهود' من دُعاة التطبيع مع اسرائيل‏
‏’إمام اليهود’ من دُعاة التطبيع مع اسرائيل‏

أعطت الحرب التي تشنّها باريس على “معاداة السّامية” أولى ثمارها منذ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بداية نوفمبر/تشرين الثاني إلى فرنسا، حيث تقوم مجموعة من أبرز الأئمة الفرنسيين ـ يقودهم الإمام التونسي الأصل المُثير للجدل، حسن شلغومي ـ بزيارة هي الأولى من نوعها لإسرائيل.

وتأتي هذه الزيارة في أجواء مشحونة بالتوتر في علاقات مسلمي فرنسا بيهودها ووسط اصرار باريس على عدم التساهل مع الاسلاميين المُتشدّدين بعد “مجزرة تولوز”، التي انجرّ عنها حتى الآن ترحيل العديد من الأئمّة ورجال دين من أصول أجنبية مُتّهمين بـ”الكراهيّة للسّامية”، والتّفكير جدّيّا في تعيين أئمة فرنسيي الأصل والنشأة بالمساجد الفرنسية.

وتأتي الزيارة كذلك في أجواء التّصارع والمُناورات بين أبرز المنظّمات الإسلامية في فرنسا -منها المقرّبة من المغرب أو من الجزائر أو المُنتمية لـ”الإخوان المسلمين” ـ على مسألة القيادة.

زيارة “ياد فاشيم”

ذكرت عدة صحف فرنسية وإسرائيلية أن وفدا يتألف من حوالي عشرين إماما فرنسيا -بعضهم مُعتدلين من أصول أجنبية وبعضهم من فرنسيين اعتنقوا الإسلام- يستعدّ للقيام بزيارة لإسرائيل تستغرق ستة أيام، برفقة الكاتب الفرنسي-الإسرائيلي مارك هالتر. ويُتوقع أن يلتقي الوفد برئيس الدولة العبرية شيمون بيريز في القدس، وبرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله.

وسيقوم الأئمة الفرنسيون بتأدية الصلاة في الحرم القدسي وبزيارة نصب “ياد فاشيم” (النصب التذكاري لضحايا المحرقة اليهودية). كما سيقوم الوفد بـ”إحياء ذكرى الستة ملايين يهودي الذين قتلوا على أيدي النازيين إبان الحرب العالمية الثانية”، بحسب صحيفة لوفيغارو التي أشارت إلى أن “هذه البادرة الرمزية، التي لم يسبق أن أقدم عليها مسلمون، تجعل هذه الزيارة تكتسي طابعا تاريخيا”.

وأكدت صحف إسرائيلية أن الوفد ـ الذي يضمّ أئمة ورجال دين مُمثّلين عن فرنسا والجزائر والسنغال ومالي وغيرها ـ سيلتقي كذلك مع مفتي القدس ويشارك في مؤتمر يعقد في حدائق البهائيين في حيفا بحضور ممثلين كبار عن الديانات الثلاث. وأضاف أن وزارة الخارجية تعلّق أهمية كبيرة على هذه الزيارة.

العقل المُدبّر

ولا يختلف اثنان أن إمام مسجد مدينة “درانسي” ضاحية شرقي باريس، حسن شلغومي، هو العقل المُدبّر لهذه الزيارة. فالإمام من أصل تونسي يدعو منذ هاجر إلى باريس عام 1996 إلى “التّعايش والتّقارب بين اليهودية والإسلام” ويحاول أن “يُقرّب بين المسلمين واليهود” بعد أن قام بزيارة غير مسبوقة إلى إسرائيل وصلّى في المسجد الأقصى ووقف على النصب التذكاري لمحرقة اليهود وشارك في منتدى “الدين والديمقراطية” في تل أبيب.

يتهم بعض المسلمين في فرنسا شلغومي وأتباعه بالكفر والخيانة وبأنه من دُعاة التطبيع مع اسرائيل ويصفونه بـ”إمام اليهود” نظرا للشعبية الكبيرة التي يتمتع بها في الأوساط اليهودية الفرنسية ولتقربه من رجال الدين اليهود وخاصة الحاخام الأكبر في فرنسا.

وفي فبراير/ شباط 2010، غادر شلغومي صلاة الجمعة وسط حماية الشرطة وصيحات استهجان من المصلين الذين طردوه من مسجد درانسي بسبب تأييده فرض قانون لحظر النقاب في فرنسا. وأدعى شلغومي أنه تلقى تهديدات بالقتل قبل أيام من طرده من المسجد.

“إعلان رسمي” يدين الإسلاموفوبيا

وكان نتنياهو قد دعا خلال أولى زيارة لفرنسا منذ تولي الرئيس فرنسوا هولاند منصبه في مايو/آيار الماضي يهود فرنسا إلى “العودة إلى الوطن”، لكن الرئيس هولاند رفض التعليق وأشار إلى أن فرنسا كانت أيضا “موطنا للشعب اليهودي”.

وشدّد هولاند على أنه يقوم بـ”تدابير للقضاء على معاداة السامية” التي أصبحت تشكّل هاجسا بالنسبة لباريس خاصة منذ ما سُمّي بـ”مجزرة” تولوز، بجنوب فرنسا، أو مقتل حاخام وثلاثة أطفال يهود على يد المُتطرّف محمد مراح.

وخلال ترؤسه مراسم اقيمت في تولوز لذكرى “المجزرة”، قال هولاند أن محاربة معاداة السامية “قضية وطنية”. وردّ بعد ذلك المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، المُقرّب من المغرب ويرأسه محمد الموساوي، بالطلب من هولاند بإصدار “إعلان رسمي” يدين الإسلاموفوبيا المُتصاعدة.

تأتي زيارة الوفد لإسرائيل وسط مخاوف متزايدة بشأن إرهابيين أسلاميين في فرنسا، وذلك بعد اطلاق النار في تولوز والاكتشافات الحديثة لخلية إرهابية مشتبه بها، والتي اتهمت بتنفيذ هجمات على مواقع يهودية، بما في ذلك تفجير محل يهودي الشهر الماضي.

أئمة “مايد إين فرانس”

وأفرزت هذه المخاوف حتى الآن عن طرد الامام التونسي محمد الهمامي ـ البالغ من العمر 77 عاما والذي كان مسؤولا دينيا عن مسجد عمر وسط باريس ـ المُتّهم من وزارة الداخلية الفرنسية بالدعوة الى “العنف عبر الجهاد” وبالعنف ضد النساء وكذلك بـ”معاداة السّامية”، عشيّة زيارة نتنياهو لفرنسا، وبالرّغم من أن لجنة الطرد، التي يعتبر رأيها استشاريا، كانت قد اصدرت قرارا معارضا لإبعاده، معتبرة ان “طرده سيسيء الى حياته العائلية”، خاصة وأنه مقيم في فرنسا منذ فترة طويلة ولديه خمسة اولاد وتسعة عشر حفيدا.

وتاريخ فرنسا حافل بترحيل الأئمة والناشطين الإسلاميين المتشددين من أراضيها، وكان من بينها طرد إمام مالي وناشط جزائري في إبريل/نيسان بعد أكثر من أسبوع من هجمات تولوز، في عهد وزير الداخلية السابق كلود غيان الذي أعلن كذلك عن قرب ترحيل ثلاثة إسلاميين آخرين من بينهم إمامان (سعودي وتركي).

وتركزت انشغالات خلفه الاشتراكي مانويل فالس خلال الشهور القليلة الماضية على المقاربة الأمنية ومكافحة الإسلام الراديكالي. ولم يتردد فالس، خلال تدشينه لمسجد ستراسبورغ في سبتمبر في إبداء نوع من الصرامة حين تعهد بطرد كل إمام لا يلتزم بقيم ومبادئ ‏الجمهورية.

وقد كشف وزير الشؤون الدينية الجزائري أبو عبدالله غلام الله قبل أيام عن أن فالس، المكلف بالديانات، طلب منه خلال زيارة قادته مُؤخرا للجزائر تعيين أئمة فرنسيين بالمساجد الفرنسية عوضا عن أئمة جزائريين. وقال غلام الله أن فالس استند على حجة “الخطر الذي يمثله الإمام القادم من الخارج على بلاده، رغم اعترافه بأن الشبكات المتطرفة في فرنسا يشكلها فرنسيون من المعتنقين الجدد للإسلام”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً