[su_quote cite=”محمد اقميع”]سيطرة دول الخليج على الإعلام الليبي، دعماً للاستقرار أم لتأجيج الفوضى والانقسام [/su_quote]
كلما سقط نظام حكم أو انزلقت أي من البلدان العربية والإسلامية في اتون حرب أهلية أو وقعت ضحية عدوان خارجي انهال الأشقاء بإعلامهم، وجهادييهم، وقطاع طرقهم، وأجهزة مخابراتهم، لتتحول دول “الجوار” الى طرف من أطراف النزاع المتناحرة على الأرض، وتتحول النزاعات الأهلية الى حروب بالوكالة … حتى تصبح تلك الدولة “المنكوبة” خبراً بعد عين. والشواهد التاريخية على تآمر العرب على بعضهم البعض كارثية ومفجعة…!
قبل أيام تداولت عدد من المواقع الإخبارية خبراً عنونته بـ «الامارات تسيطر على 70% من الإعلام الليبي» وهي دراسة إعلامية أعدها إعلاميون ليبيون -بحسب ما تم تداوله- حول سيطرة دولة الإمارات على الاعلام الليبي وجاء فيها: «أن دولة الامارات تسيطر على 7 وسائل إعلامية ليبية بينها فضائيات وصحف ومواقع اخبارية وعدد 4 صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي وبأن دولة الامارات أنفقت عليها نحو 74 مليون دولار». إلا أن الدراسة سكتت عن بقية وسائل الاعلام الليبية التي تسيطر عليها دول أخرى مثل قطر وتركيا والسعودية.
لكن، ورغم تركيز الدراسة على طرف دون آخر، وتجاهلها لوسائل الاعلام الليبية الأخرى الخاضعة للسيطرة القطرية والسعودية إلا أنها وضعت كثير من وسائل الاعلام الليبية الرئيسية ذات الانتشار الواسع موضع اتهام وتساؤل عن حقيقة أهدافها، وانتمائها، وعن الأسباب التي دفعت دول مثل الامارات وقطر والسعودية وغيرها لإنفاق الملايين من أموالها على وسائل اعلام دولة منكوبة بالحرب والافـلاس مثل ليبيا؟ وما جدوى تمويل فضائيات تتعمد تأجيج الانقسام والفتنة والكراهية المذهبية والقبلية؟
لقد بدأت سيطرة دول الخليج على الاعلام الليبي منذ الإطاحة بالنظام السابق في العام 2011 وكانت البداية من العاصمة القطرية بإطلاق فضائية تسمى “ليبيا الأحرار” في مارس 2011 وهي أول فضائية ليبية تمثل المعارضة الليبية قبل سقوط النظام، تمولها وتشرف عليها دولة قــطر. وقد لعبت القناة الى جانب شبكة الجزيرة دوراً مهماً في رسم ملامح المشهد الحالي، وصناعة التكتلات والتحالفات السياسية والقبلية وكذلك صناعة كثير من الشخصيات الذين تحولوا إلى قادة سياسيين وامراء حرب.
واستمر لسنوات احتكار دولة قطر لصناعة الرأي العام الليبي وتسويق السياسيين وصناعة المظلوميات المناطقية والعرقية والدينية، حتى دخلت الامارات والسعودية وتركيا كشـركاء لها في تعليب الرأي العام الليبي وتأجيج الحروب والانقسام وحشد المؤيدين لوكلائهم. خصوصاً، بعد أن قررت قطر ركل من يوصفون بـ “الليبراليين” واعلنت حرباً اعلامية شرسة ضدهم لصالح جماعة الإخوان المسلمين والفصائل المتحالفة معهم، لتتولى كل من الامارات والسعودية احتضان أولئك المغضوب عليهم من قبل قطر وتكفلوا بتأسيس فضائيات وصحف داعمة للمعسكر “الليبرالي” لتنافس شبكة القنوات الليبية المدعومة من قبل قطر وتركيا المساندة لجماعة الاخوان المسلمين وحلفائهم.
نتائج الحملات الإعلامية كانت مذهلة… وكل البضاعة التي تم تسويقها ابتلعها المستهلك الليبي بهدوء وطمأنينة، فأغلب الشخصيات التي تم انتخابها سواء في المؤتمر الوطني العام أو في البرلمان، وكذلك الوزراء والسفراء وأيضاً قادة كثير من المليشيات الذين أصبحوا من الشخصيات المؤثرة في صناعة القرار في ليبيا، كانوا من انتاج تلك الآلة الإعلامية الخليجية، ولم يعرفهم الليبيون أو يسمعوا بهم إلا عبر تلك الفضائيات الموجهة للشارع الليبي، وأغلبها تبث من خارج ليبيا موزعة بين الدوحة والأردن ومصر وتونس وتركيا.
اضافة الى أن بعض دول الخليج لم تتردد في دعم فصائل ومليشيات متناقضة تماماً في توجهاتها وعقيدتها السياسية ومنها دعم وسائل اعلام محسوبة على أنصار القذافي والمعارضين تماماً لما حدث في ليبيا منذ 2011 رغم أن تلك الدول كانت من أهم داعمي وممولي الحرب ضد نظام القذافي. ومن جانب آخر فإن أنصار القذافي يعتبرون تلك الدول هي المسؤول المباشر عما لحق بليبيا من دمار، وكذلك سبب سقوط نظامه. فما الذي دفع أنصار القذافي للارتماء في أحضان أمراء الخليج مرة أخرى وأن يقفوا في نفس طوابير خصومهم امام قصور الأمراء لتلقي الدعم المالي والإعلامي…! ربما، لأن الحاجة إلى المال هي أم الرذائل، كما يقال…!
هكذا تقاسمت دول الخليج الأحزاب والفصائل والمليشيات المتناحرة في ليبيا وكل مليشيا أو فصيل سياسي مُطمئِن لشبكة القنوات التي تسانده، وذلك النهر المتدفق من الأموال، وبسم حرية التعبير وحرية الصحافة شهدت البلاد انفلاتاً اعلامياً غير مسبوق في المنطقة بأسرها، ولكن، “حرية التعبير” تلك تظل مكفولة ضمن ما يمرره “حرّاس البوابة الإعلامية” الحقيقيين سواء كانت الدول الخليجية المُمَوِلة أو الدول المُضيفة لتلك الفضائيات والوسائل الإعلامية الأخرى. فلن يمر عبر بواباتهم ما قد يسيء لهم أو يجرؤ على مجرد انتقاد سياساتهم العدائية تجاه ليبيا ودعمهم للفصائل المتناحرة وتأجيج الانقسام والفتن القبلية والمذهبية.
ختاماً .. إذا لم تتحرر ليبيا من سيطرة الاعلام الأجنبي بمختلف توجهاته وانتماءاته، سواء الخليجي أو غيره، فإنها لن تذوق طعم الأمان والاستقرار… فإمبراطوريات الاعلام لم تكن يوماً جمعيات خيرية، وهم في الحقيقة لا يهمهم انتصار طرف على آخر بقدر ما يهمهم استمرار توازن الرعب واستمرار فوضى الاقتتال والحروب الأهلية، فلا قـطـر يعنيها أمر الإسلاميين واخوانهم الواهمين، ولا الامارات أو السعودية يعنيها أن يحكم ليبيا الليبراليين أو أنصار القذافي أو حتى فرسان القديس يوحنا…! فما يهمهم الآن هو أن تبقى ليبيا وغيرها من الدول المنكوبة بالحروب والخراب عبرة لشعوبهم.. وأن يتفاخروا أمام شعوبهم بما حققوه من «أمان واستقرار» في بلدانهم…!
[su_highlight]هذا المقال لايعبر سوى عن رأي كاتبه كما أنه لا يعبر بالضرورة عن عين ليبيا[/su_highlight]
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً