حتي آخر جولات حوار الصخيرات تمسك البرلمان بموقفه ورفض وفده للحوار التفاوض مباشرة مع وفد المؤتمر الوطني، كان البرلمان يعتبر المؤتمر منتهي الصلاحية، وبالمقابل كان المؤتمر يعتبر البرلمان منحل بحكم المحكمة، وتمسك كل طرف بشرعيته.
ولما اقترب الفرقاء من التوصل لصيغة توافقية مقبولة، بفعل الضغوط الدولية، بدأ الحديث عن قرب انطلاق حوار ليبي خالص لا يتدخل فيه طرف ثالث، والتقي رئيس المؤتمر مع رئيس البرلمان في مالطا، وتقابل أعضاء من البرلمان والمؤتمر في تونس وأعلنا التوقيع علي وثيقة مبادئ مشتركة.
وهكذا جنح “الأعداء” فجأة إلي الحوار وجلسا مع بعضهما بعد قطيعة طويلة وقصف متبادل بكل أنواع الأسلحة!.
بالطبع لا أحد تقريبا يعول علي أي نتيجة من هذا الحوار، ولم يعد المجتمع الدولي يثق في مؤسستين غير قادرتين حتي الاجتماع بنصاب يؤهلهما اتخاذ قرارات أو سن قوانين، ولكن ليس هذا ما يعنينا في هذا المقال رغم أهمية الوقوف عليه ودراسته بعناية.
ما يعنينا هو مواقف من أيدوا المؤتمر أو البرلمان في مواقفهما الأولي المتصلبة ظنا منهم أنها مواقف نهائية لن تتغير، وأصروا علي اعتبار المؤتمر فاقد الصلاحية أو البرلمان منحل. هل استمروا علي مواقفهم الأولي؟ أم تغيرت المواقف بتغير مواقف البرلمان والمؤتمر علي اعتبار أن الفرع لابد أن يتبع الأصل؟ في كل الأحوال من المؤكد أن هذا التغير وضعهم في موقف حرج وربما أصابهم بالذهول، ودفعهم إلي البحث عن مبررات تنقذهم من مأزق لا يتوقعه قليل الخبرة بالسياسة.
ليس التبدل في مواقف البرلمان والمؤتمر من بعضهما هو الحالة الوحيدة التي نري فيها تغيرا جذريا في مواقف الفرقاء، ثمة حالات أخري عديدة لكنها تضيع وسط المشهد المعقد والمرتبك، فكثيرون رفضوا الحوار في البداية ووصفوا المنخرطين فيه بالعمالة والخيانة، ثم عادوا إلي صوابهم مقتنعين أنه لا بديل لحالة الإحتراب إلا الحوار.
ولكن لماذا تتغير مواقف الساسة والإعلاميين مائة وثمانون درجة في بضع شهور وأحيانا أسابيع؟ هذا سؤال بالغ الأهمية لأن إجابته سوف تجنبنا اتخاذ المواقف الحدية والتمسك بها والاصرار عليها من دون التفكير في احتمال بطلانها بعد حين.
تتميز المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات بالتغير في المواقف والتحالفات باستمرار، ولا يظهر فيها الأبيض بوضوح حتي نركن إليه، ولا نري الأسود كي نتجنبه، إنها مرحلة رمادية يختلط فيها اللونان حتي يتعذر فرزهما ومن ثم يصعب فيها التعرف علي الموقف السليم الذي يتبناه المرء فينهي حيرته ويبعث في نفسه الطمأنينة، وبما أننا في خضم مرحلة تحول كبري لا تشمل الوطن فقط بل المنطقة بأسرها فالخيار السليم هو عدم الإنجرار خلف مواقف الساسة المتقلبة، والتروي قبل الوقوع في فخ اللحظة واتخاذ مواقف أو بناء احكام قد نضطر إلي التراجع عنها بعد برهة، فمن طبيعة الثورات والمراحل الانتقالية الحراك العنيف والإيقاع السريع، الأمر يشبه سقوط صخرة عظيمة من علو شاهق، سوف تستغرق وقتا طويلا حتي تستقر في مآلها الأخير، وفي هبوطها السريع بفعل ثقلها الخاص سوف ترتطم آلاف المرات بأحجام متنوعة من الصخور، ومهما بلغت ضآلة الحجارة التي ستصدم بها سيكون لها تأثيرها وستغير ولو قليلا من خط سيرها، وهكذا المراحل الانتقالية، حدث صغير أحيانا هنا أو هناك يكون له تأثيره علي المرحلة برمتها.
ولنتذكر دائما أن كل الثورات شهدت الانقسامات والصراعات والحروب والتدخل الخارجي، إنها حالة موت وولادة تجري في نفس الزمن، من برسم الفناء يصارع نزعات الموت متشبثا بالبقاء، ومن سيولد يجاهد للخروج إلي الضياء، وهل ثمة موت أو ميلاد من دون ألم وصراخ ودموع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
كذب ورب الكعبة… البرلمان شرعي ويمثل اارادة شعب عبر انتخابات حرة ونزيهة. وديننا يفرض علينا شرعا ان لا ننحني للغزاة.