ماذا استفادت ليبيا من “البحر الميت”؟

ماذا استفادت ليبيا من “البحر الميت”؟

علاء فاروق

باحث سياسي مصري متخصص في العلاقات الدولية وشؤون المغرب العربي

تكاد تكون الدولة الليبية هي الوحيدة التي استفادت ولو قليلا من قمة البحر الميت التي عقدت في دولة الأردن، وكررت كعادتها “بيانات شجب وإدانة على شوية طموحات وخناقات ونوم ووقوع زعماء”.

وتمثلت استفادة ليبيا من “البحر الميت” بوضع النقاط على الحروف حول إشكالية الشرعية ولمن تكون؟ بدعوتها لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج ليكون ممثلا

للدولة الليبية متجاهلة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، والذي أصابته الدهشة و “الخضة” في آن واحد كونه لا زال يعيش في ثوب قائد البلاد الأعلى معتبرا حكومة السراج غير “دستورية” كونها لم تحصل على ثقة البرلمان حتى الآن (لاتزال توجد إشكالية حول شرعية حكومة الوفاق وحول حصولها على ثقة البرلمان من عدمها، لكنها تعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد باعتراف المجتمع الدولي).

وتمثلت المكتسبات الليبية من قمة الحكام العرب، في: الاعتراف بحكومة الوفاق ممثلا وحيدا للبلاد، والامتناع عن الدعم والتواصل مع مؤسسات موازية، ودعم الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية نهاية 2015، والرفض القاطع للحل العسكري للأزمة وتفضيل الحل السياسي عبر الحوار الشامل والمصالحة الوطنية للأزمة في ليبيا، باعتباره السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، والدعوة إلى إلغاء التجميد على الأموال الليبية في البنوك الأجنبية وكافة الموجودات الليبية المجمدة لتخصيص هذه الموارد وتسخيرها لخدمة المواطن الليبي.

رابحون وخاسرون

شكل معسكر السراج ومن يؤيده ويدعمه كبار الرابحين من قرارات القمة وبياناتها حتى لو كانت حبر على ورق، وجاء اعتراف الجامعة العربية وأعضائها بشرعية حكومة الوفاق ومجلسها ليعيد الهيبة إلى المجلس والتي فقدتها بقراراته المترددة وضعفه في تناول عدة ملفات وسيطرة بعض الفصائل على القرار فيه، وجاء اعتراف الأردن بالاتفاق السياسي وحكومة الوفاق لأول مرة ليشكل إضافة جديدة وزخم حول السراج ورجاله.

ومن الرابحين أيضا في الداخل الليبي من قرارات “البحر الميت”، مؤيدي الاتفاق السياسي حتى لو اعترضوا على ممارسات حكومة الوفاق، ومعهم مجموعة المصالحة الوطنية ودعاة الحوار والحل السياسي، ورغم أن قرارات القمة لم تضف جديدا لهؤلاء، إلا أن اعترافها بالاتفاق والمصالحة والحل عبر الحوار كانت حافزا ودافعا لهذه المجموعات في استكمال طرقها الشائك.

أما الخاسرون فعلى رأسهم دعاة الحسم العسكري بقيادة الجنرال خليفة حفتر، والتي جاءت قرارات القمة كضربة قاصمة ومؤلمة لهم، خاصة أن البيان تم تلاوته في دولة الأردن الداعمة وبقوة لقوات حفتر وتحركاته، وبحضور الحاضن الأقوى لحفتر والفاعل الأبرز في الأزمة وهي مصر، ومعها شريك الدعم الإمارات العربية، وهو ما وضع حفتر في حالة حصار وقتي وغضب حيث أجمع الحاضرون على رفض الحل العسكري أو حتى الإشارة إليه، وتاكيدات كلمة السراج في وجود الحكام العرب أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون تحت قيادة سياسية مدنية.

ويأتي رئيس مجلس النواب ليشكل رقما جديدا في الخاسرين من القمة وقراراتها، بداية من تجاهله واعتبار الحكومة التي يرفضها ويتشدق دائما بعدم دستوريتها هي الممثل الوحيد، وهو ما دفعه للضغط على سفارة ليبيا في عمان والتي تتبع البرلمان وحكومته لمقاطعة أعمال القمة وتقديم أي دعم لوجستي لفريق الرئاسي المشارك فيها، وهو ما قوبل بإمتعاض من قبل المشاركين والدولة المضيفة.

ويدور في فلك حفتر وعقيلة، مجموعات المحرضين ضد الحوار والاتفاق والحل السياسي، ومتظاهري طبرق من دعاة مجلس عسكري، ومعهم بعض مغالة الفيدرالية، ومجموعة من نواب البرلمان الذين يصرون على عدم شرعية الوفاق والاتفاق.

دول الجوار أيضا والفاعلين الاقليمين كان لهم نصيب من المكسب والخسارة، وجاءت تونس صاحبة المبادرة الثلاثية لتكون من أكبر الرابحين حيث تمكنت من عرض مبادرتها ولاقت استحسانا ودعما، ومعها الجزائر، لكن مصر ورغم تأييدها للحوار والاتفاق السياسي إلا أنها قد تكون خسرت أيضا بفقدان حليفها القوي في الداخل الليبي خليفة حفتر، وأصبحت حكومة السراج أمر واقع أمام النظام المصري، وكذلك الاشكالية التي تسببت بين وزيري الخارجية الليبي والمصري حول قضية مؤسسة النفط ونسبها إلى العاصمة طرابلس وهو ما تسبب في خلاف بينها حيث أصرت القاهرة على عدم ذكر كلمة “طرابلس” بجانب المؤسسة الوطنية للنفط، وهو ما أثار استغراب وزير خارجية الوفاق وكشف ذلك خلال لقاء تلفزيوني (لقاء وزير الخارجية الليبي محمد سيالة على قناة الجزيرة الفضائية).

..أيا ما تكون قرارات القمة أو قوتها يظل الرهان على الليبيين أنفسهم وجلوسهم معا لحل الأزمة المتشابكة، دون تسول حلا من هنا أو هناك، ولا يعني ذلك رفض المبادرات الخارجية، لكن يبقى الحل الحاسم في أطراف الأزمة وتقديم التنازلات وحتى التراجع خطوة للوراء من أجل ان تمضي ليبيا خطوات للأمام.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

علاء فاروق

باحث سياسي مصري متخصص في العلاقات الدولية وشؤون المغرب العربي

اترك تعليقاً