ليون : “ولن ترضى عنك قسورة ولا الكرامة حتى تتبع ملتهم”
سفر المواطن
الأمم المتحدة 1949
انهزمت إيطاليا في الحرب العالمية الثانية أمام قوات الحلفاء وخسرت بذلك مستعمراتها السابقة، الا انها ظلت من الناحية القانونية تتمتع بالسيادة على جميع تلك المستعمرات ومنها ليبيا، ولم توقع معاهدة الصلح بين إيطاليا المنهزمة ودول الحلفاء المنتصرة الا في سبتمبر 1947. بموجب هذا الاتفاق تولت الدول الاربع الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا) المنتصرة في الحرب التصرف في المستعمرات الأيطالية، وانتدبت بريطانيا للوصاية على اقليم برقة وطرابلس، وانتدبت فرنسا للوصاية على اقليم فزان.
من نتائج الحرب العالمية الثانية ظهور قوى جديدة على الساحة العالمية تمثلت في الدول الخمس المنتصرة في الحرب وهي أمريكيا والاتحاد السوفيتي والصين وبريطانيا وفرنسا، الا ان الفضائع التي سببتها هذه الحروب التي شارك فيها أكثر من 100 مليون جندي، وتسببت بمقتل ما يزيد عن 2.5% من سكان العالم في تلك الفترة، جعل العالم يفكر في آلية جديدة لانهاء الصراعات فانبتقت فكرة هيئة الامم المتحدة وتأسست ما عرف حينها بعصبة الامم لتعزيز التعاون الدولي ومنع الصراعات في المستقبل. الا ان التنافس لم ينتهي بين دول العالم بإنشاء هذا الجسم بل استمر لكنه اتخد منحى مغاير يعتمد على مبداء الحوار والضغط عوضا عن الحرب. هذا التنافس بين الدول المنتصرة في الحرب لم يسهل حل المسألة الليبية ولم يحسم مسألة الوصاية على ليبيا، لذلك احال الاربعة الكبار المسألة الليبية على هيئة الامم المتحدة في سبتمبر 1948 وبدأت مناقشتها في أبريل 1949. لم ينتهي التنافس باحالة الموضوع على الامم المتحدة، بل اشتغلت بعض الدول الكبرى على الملف الليبي في إتفاقات سرية بغية تمريرها على الامم المتحدة، فقد عملت كل من ايطاليا وبريطانيا على انجاز اتفاق سري بينهما في صورة مشروع يفضي إلى تأجيل استقلال ليبيا لمدة عشر سنوات تتولى خلالها بريطانيا الوصاية على اقليم برقة وايطاليا على اقليم طرابلس وفرنسا على اقليم فزان، وقدم هذا المشروع الذي عرف بمشروع بيفن – سفورزا للامم المتحدة للتصويت عليه وتمريره في شهر مايو 1949. تمرير المشروع كان يتطلب موافقة ثلث الاعضاء الحاضرين، وقد نجح الوفد الليبي في اقناع ممثل دولة هايتي وكسب تأيده لاسقاط هذا المشروع، وفعلا قلب وفد هايتي الكفة لصالح استقلال ليبيا وفشل مشروع بيفن – سفورزا، وقد كرم الليبين دولة هايتي باطلاق اسمها على احد شوارع مدينة طرابلس كما نعلم جميعا.
صوتت الجمعية العامة للامم المتحدة على مقترح قدمته دولة العراق والهند وباكستان وامريكا ينص على منح ليبيا استقلالها قبل يناير 1954، ونص القرار الذي اتخدته هيئة الامم المتحدة على وضع دستور للدولة “الجديدة” تقرره جمعية وطنية تضم ممثلين عن الأقاليم الثلاثة ، كما نص القرار على تعيين مفوض خاص من الأمم المتحدة للمساعدة في صياغة الدستور وإنشاء حكومة مستقلة، وقد قام المفوض السامي السيد ادريان بلث وهو دبلوماسي هولندي بتكليف لجنة لصياغة الدستور يترأس هذه اللجنة السيد عمر شنيب ويقوم بأمانتها السيد سليمان الجربي وتعتمد على الأستشارات القانونية لكل من السيد عمر لطيف مندوب مصر في الأمم المتحدة وعوني الدجاني مندوب السعودية. ثم قدم الدستور إلى اللجنة الوطنية برئاسة الشيخ أبو الاسعاد العالم التي وافقت عليه بأجماع أعضاءها الستون. بعدها قام السيد أدريان بيلت بتقديم تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرت الدستور بناء على تقرير بيلت تمهيدا لأعلان إستقلال ليبيا في 24 ديسمبر 1951م. وقد كرم ادريان بلت باطلاق اسمه على احد شوارع مدينة طرابلس كما كرمت هايتي.
الأمم المتحدة 2011
اندلعت في بنغازي مظاهرة شعبية بسبب الرسوم المسيئة للنبي محمد صل الله عليه وسلم، وكان ذلك بتاريخ 17 فبراير 2006، اتجه المتظاهرون صوب القنصلية الإيطالية وحاولَوا اقتحامها، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ علم القنصلية فأطلقت الشرطة عليه النار مما سبب في بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة، وتطور الاشتباك إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحا. بعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت 18 وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية.
في يناير عام 2011، وربما بإحاء من احداث تونس ومصر، أنشأ ناشط يدعى حسن الجهمي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي دعى فيها إلى انطلاق ثورة في كافة أنحاء ليبيا يوم 17 فبراير الذكرى الخامسة لاحداث بنغازي، وضمن مطالب الصفحة التخلص من الفقر والتعبير عن حقوق الشعب الطبيعية. لقت هذه الصفحة انتشارا سريعا وواسعا في اوساط الشباب وتشكلت شبكة اتصالات عريضة معَ ناشطين آخرين في باقي المدن الليبية الرئيسية تدعوا إلى انتفاضة مُشابهة في البلاد.
يوم 14 فبراير اعتقل السيد فتحي تربل محامي ضحايا مجزرة ابوسليم، ولم يمضي هذا اليوم كغيره اذ خرج أهالي ضحايا ابو سليم ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله، وارتفعت الأصوات مطالبة بإسقاط النظام وإسقاط العقيد القذافي شخصيا مما دعا الشرطة إلى استخدام العنف ضد المتظاهرين واستمرت المظاهرات حتى صباح اليوم التالي. وفي اليوم التالي انتفضت زوارة و الزاوية في غرب البلاد، وشهدت البيضاء سقوط أول شهداء الثورة يوم 16 من فبراير تلتها مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام فاطلق رجال الامن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدن جبل نفوسه الزنتان ويفرن ونالوت والرجبان. وجاء يوم الخميس 17 فبراير2011 م على شكل انتفاضة شعبية شملت معظم المدن الليبية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الامن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام.
تدخل النظام الدولي عن طريق هيئة الامم المتحدة بقراره رقم 1970 الذي ادان فيه العنف واستخدام القوة ضد المدنيين وطالب بوقفه، وطالب الحكومة القيام بالعديد من الاجرآت، وأحال الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، وحضر بيع السلاح لليبيا، وحضر السفر وتجميد اموال العديد من الشخصيات الليبية على رأسهم القذافي وابنائه. تبع هذا القرار القرار 1973 الذي صدر في 17 مارس 2011 الذي بموجبه فرض حظر جوي على ليبيا وتعهد بحماية المدنين، وكان باب تدخل الناتو في مساعدة الثوار في القضاء على النظام، وبذلك انتهت حقبة حكم القذافي في ليبيا بتحرير طرابلس في 20 أغسطس 2011.
لم ينتهي دور هيئة الامم المتحدة عند هذا الحد بل أنشأت بموجب القرار رقم 2009 سبتمبر2011 بعثة للأمم المتحدة للدعم في ليبيا تحت قيادة الممثل الخاص للأمين العام.
بعيد عن التفاصيل، قاد مبعوث الامين العام الاخير السيد برناردينو ليون جلسات الحوار في العديد من المدن في الداخل والخارج، واسفرت جلسات الحوار على صياغة مسودة الاتفاق الرابعة التي لم يتم التوقيع عليها بعد رغم بروز مؤشرات لقبولها.
الاصوات التي تعالت في اتهامات المبعوث الاممي برناردينو ليون جاءت من الطرفين، ووصل الامر الى تصويره شيخ بلحية وشارب خفيف في اشارة واضحة الى اتهام الاسلامين في إستمالته. ومن ناحية اخرى اتهمه الاسلامين بانه صليبي صهيوني متعصب ضد الاسلام ويعمل على هدمه. وكتب الكثير في قضية اهتمامه الشخصي بملف التوافق الليبي، اعتقادا ممن كتب في هذا الامر ان نجاحه في الملف الليبي سيعزز فرصة فوزه في الانتخابات الاسبانية، ووصل البعض الى اتهام اطراف ليبية بالتواطوء معه عن طريق منح اسبانيا امتيازات خاصة في ليبيا من اجل تحقيق مكاسب شخصية لهم.
الصخيرات: تفاوض ام حوار
ما ذكرته آنفا هو جزء من “اهتمام” الامم المتحدة بالملف الليبي، ومحطتان رئيسيتان من محطات هذا الاهتمام. لقد حاولت ان اوضح دور هيئة الامم المتحدة المتواصل في الشأن الليبي، وعلينا ان نعترف بان الدولة الليبية في شكلها الحالي هي كيان اوجدته الامم المتحدة، فإن كنا سعداء بهذا الكيان فعلينا ان نشكر هيئة الامم المتحدة التي اوجدته، وعلينا ان نستفيد من تدخلاتها لصالح بناء الدولة.
الحوار لغة يعني المراجعة بين طرفين او العودة كما اشار الي ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:”إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ” أي لن يرجع. بناء على هذا المعنى اللغوي نستطيع ان نقول أن الحوار هو أسـلوب التواصل “المنظم” بين الناس، يتم من خلاله عرض قضية مهمة بين أطراف عدة بغية الوصول إلى نوع من التوافق حولها. هدف الحوار إذا هو توضيح مشكلة ما، والمساعدة على وضع أسس حلّها بشكل مشترك. وهذا يعني الإقناع والاتفاق، أي أن هدف الحوار هو الوصول إلى إتفاق ثم وضع خطوات عمل مشتركة لتنفيد هذا الاتفاق.
والتفاوض هو موقف دينامكي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله تبادل ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.
إذا هناك فرق واضح بين الحوار والتفاوض، ورغم ان التفاوض يستخدم اساليب الحوار الا ان غاية التفاوض تختلف عن غاية الحوار رغم ان كليهما يسعى الى الوصول الى توافق بين الاطراف. ففي الحوار يسعى كل الاطراف الى تحقيق مصلحة مشتركة، بينما في العملية التفاوضية يسعى كل طرف الى تحقيق مكاسب خاصة، انها عملية تجارية تعتمد على كسب صفقة سياسية لصالح احد الاطراف.
والحوار في الحقيقة لا يحتاج الى وسطاء، أولا: لانه لا يجري بين الخصوم، وثانيا: لانه ينبع من شعور مشترك بين اطرافه بوجود ازمة او مشكلة تحتاج الى التكاثف من اجل حلها، وليس فيها منتصر او خاسر، لان الانتصار في الحوار هو تحقيق التوافق والتفكير في الحلول، وهو مكسب لاطراف الحوار جميعا. بينما يحتاج التفاوض الى وسطاء ليس لتقريب وجهات النظر وانما لموائمة المصالح النسبية للاطراف المتنازعة.
في ليبيا هناك نزاع بين فيئتين كل يدعى صوابه ويحكم لنفسه بهذا الصواب، لذلك لن تحقق عملية التفاوض التوافق المطلوب، بقدر ما تكشف نوايا المتفاوضين، وفي قراءة سريعة لردود البرلمان والمؤتمر على مسودة السيد ليون الرابعة ندرك هذه النوايا.
فقد اشترط المؤتمر في البيان وضع حكم المحكمة العليا القاضي بحلّ مجلس النواب موضع الاعتبار في المسودة كشرط لصلاحيتها للاتفاق السياسي. في حين اشترط البرلمان حقه في اختيار نصف اعضاء مجلس الدولة، وان يصادق على النصف الاخر، وان يختص باقرار كافة اللوئح التنضيمية الخاصة به.
هذه الردود لا تحمل الا إقصاء جسم لجسم آخر، والسؤال: لماذا اجتمع الفرقاء على نفس الطاولة ان لم يعترف احدهما بالاخر؟
مذكرة ليون في تقديري مخرج جيد للازمة الليبية، وكنت اتمنى ان يدمج البرلمان (أو بعض أعضاءه) ومجلس الدولة في جسم واحد يتولى عمل السلطة التشريعية، وحكومة وفاق من التكنوقراط واسعة الصلاحيات تسير امور الدولة وحاجيات الناس لفترة زمنية قادرة على تحقيق استتباب الامن واعادة الحياة للوطن وبناء مؤسساته من جديد.
والله من وراء القصد
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
“كنت اتمنى ان يدمج البرلمان (أو بعض أعضاءه) ومجلس الدولة في جسم واحد يتولى عمل السلطة التشريعية”
ليتك جعلت هذه الجملة في بداية المقالة لكنت وفرت علي قراءة مثل هذه الترهات التي لا تعبر إلا عن فئة محدودة من الليبيين غصبا عن غالبيتهم