ويستمر الشعب الليبي ضحية فكر زريبة الجماهيرية الأحادي القمعي، والمجهل للعقل الجمعي .. ففرحته بنصر الاتحاد، مع مشاركة جمهور الأهلي بروح رياضية، منتقدة ومرفوضة من قبل البعض لأنهم يرون بتخاذل العقل الجمعي عن دوره الايجابي فلم يُحركه ظلم وعبث الأجسام السياسية المأجورة، البالية بالتمديد لنفسها، بمستقبل الشعب الليبي بل “تجاوز الظالمون المدى” وأمعنوا في تغيب عقول الناس وتظليلها تارةً بقطع الكهرباء، وتارةً بغياب السيولة، وأخرى بنقص الوقود الذي تدافعت عليه الناس بعد انحراف ناقلة الوقود وسقوط صهريج الوقود .. الكارثة والمصاب الجلل لموت شريحة من الشعب بعد ترويض العقل الجمعي للاندفاع والتهافت نحو صهريج الوقود “البنزين” الذي بات مغيباً، كعقولهم المخدرة نتيجة شح الوقود وتهافتهم عليه بعد انقلاب ناقلة الوقود التي تحمله فتسابقت عليه الساسة وسبقت الدعاية السياسية، وتصريحات السيد باشاغا شاهد، والتوظيف اللاإنساني برفض المساهمة في الإنقاذ .. وإلا فكيف نفسر التصريحات المستعجلة من السيد باشاغا بمد يد العون ورفض هبوط طائرة تحمل مساعدات قادمة من طرابلس!
ما ذنب ضحايا الانفجار؟
اللهم أغفر وأرحم شهداء انفجار صهريج الوقود بمدينتنا العزيزة بنت بيه بجنوبنا العزيز، وربي يشفي ضحايا هذا الانفجار، ويعجل بشفائهم. ونسأله سبحانه أن يعين كل من له القدرة والإمكانيات على مساعدتهم وتطبيبهم. ولو بحثنا في أسباب هذه الكارثة، ونقول على مراد الله، سنجد أن وراء هذه الحادثة المروعة أسباب قد تكون لنا مؤشرات مساعدة لتجنبها في المستقبل ويمكن حصرها في الآتي:
مضادات بنية العقل الجمعي:
قد يكون من أسباب نجاح انتفاضة فبراير 2011 هو أنه وبذات السلاح الذي حكم به الدكتاتور معمر، كان الهيجان الشعبي ضده بعد انفلات زمام الأمر وتحطيم بوابة زريبة الجماهيرية، فكان خروج الطوفان الذي اقتلع المنظومة الأمنية، مؤقتاً، من جذورها وتولى توجيه العقل الجمعي إعلام موجه وإعلام مخابراتي متدرب لتصفية صنم الجماهيرية. استمرت بنية العقل الجمعي تحركها الغريزة، وتظل العقول التي تقوده مختفية. للأسف ما زالت بنية العقل الجمعي الليبي لم تتغير ولم تواجه بمضادات بنيوية إيجابية تخدم توجهات الدولة المدنية، والارتقاء بالوعي الجمعي، والمشاركة الإيجابية للعقل الجمعي، كمؤسسات مجتمع مدني، في بناء الدولة ومراقبتها وتوجيهها التوجيه الإيجابي لخدمة الجميع وبالجميع.
ثقافة الغنيمة:
تظل من مخلفات فكر زريبة الجماهيرية بعد تحويل الشعب الليبي إلى موظفين/ات بالدولة الليبية وتحريم التجارة والعمل الخاص، بطالة مقنعة، عمل على صياغة العقل الجمعي بامتهان التسول من الدولة والانقضاض على كل ما هو ضمن أملاك الدولة. فالدولة تملك المأكل، والمسكن، والملبس، والمركوب “السيارة” وكل ما في خزينة الدولة “الكدس” هو مغنم لمن يصل إلية ولو بالتهديد والطرق الملتوية.
بعد 2011 تمادت ثقافة التكالب على الغنيمة ووظف السلاح للسلب والنهب. فلو تم توعية العقل الجمعي بأن ما يحمله صهريج مؤسسة النفط يتبع الدولة وهو ليس غنيمة ويجب أن يوزع عبر قنوات التوزيع المعتمدة من الدولة لما كان تدافع الناس على وقود الصهريج المنقلب، ولكن هناك أسباب دفعت إلى حصول هذه الفاجعة قد تتلخص فيما يلي:
- التقصير غير المفهوم في شح مادة الوقود بالجنوب، مع أن النقص يتفاوت في الغرب والشرق من مدينة إلى أخرى، والتي قد تكون نتيجة توظيف سياسي أو تدخل وترويض دولي، لاستمرار الأزمة، وتظليل اتجاه العقل الجمعي لينحصر في حاجاته المادية الدونية، ويتنازل على حقوقه العليا السياسية منها وخاصة الانتخابات والمعنوية من حقوق انسان في التعبير والتنمية البشرية والمكانية.
- غياب مؤسسات المجتمع المدني عن دور التوعية المجتمعية بمثالب السياسة القمعية للعقل الجمعي وتظليل توجهاته، واختزاله في أدنى الحاجات المادية الدونية.
- تردي مفهوم الإدارة المحلية العادلة والحريصة على توفير الخدمات للجميع، ونبذ ثقافة أن المنصب هو أيضاً غنيمة لاستغلال الجميع عوضاً عن خدمتهم، كما نرى في توزيع الغاز والوقود، والسيولة وحتى الكهرباء. فالإدارة المحلية لا ترسخ قيم العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية للجميع والتنمية المكانية وبما يخدم الجميع.
تخدير العقل الجمعي:
مع تطور العلوم الاجتماعية والنفسية وما تنشره، وتحتفظ به، من بحوث ودراسات مكنة من تفنن الساسة وأصحاب المشاريع الاستثمارية في توظيف العقل الجمعي لصالحهم بعد برمجة اللاوعي بما يخدم مصالحهم. وبات من المسلمات توظيف تقنيات إعلامية وغيرها لخدمة مصالح شخصية وسياسية وبعد انقياد الشعب الليبي لدكتاتورية قائد الجماهيرية تمت الاستمرارية في استخدام أسلوب منحط “جوع كلبك يتبعك” واليوم هذا ما يحصل للشعب الليبي بنية أو عفوية لا يستطيع الكاتب أن يجزم. لكن ما هو بات للعيان وواضح للجميع بأن هناك ما يسمى بالدولة العميق التي تعيش وتقتات على عذاب الشعب الليبي وآهاته. ولم يعد سراً أن الصراع الدولي يوظف ويستخدم مثالب الدولة العميقة، إضافة إلى المجموعات المسلحة وما يسمى الجيش العربي الليبي، في تظليل وتغيير انتباه الشارع الليبي والعقل الجمعي عن مصالحه ودفعه للركض والسقوط في فخاخ الموت والمرض والجهل والفقر.
الخاتمة.. اللهم أرحم شهداء بنت بيه:
نعم من سقطوا بمدينتنا بنت بيه هم ضحايا ربنا يغمدهم بواسع رحمته ويصبر أهاليهم ويشفى الناجين منهم.. فالكارثة نتيجة برمجة نقص الوقود وتهريبه، وكذلك جهل الناس بالدسائس المحاكة ضده والوعي بها، إضافة إلى تقصير الإدارة المحلية في ضمان وفرة الوقود وتوزيعه عبر القنوات المحلية المعتمدة. وقد يقول قائل الإدارة المحلية مغلوبة على أمرها نرد لا عذر لها عليها أن تصرح بعجزها وتترك المهمة لغيرها .. وربي يقدر الخير لليبيا ويرحم ضحاياها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً