كل مهتم بالشأن العربي لابد انه تابع معركة الدستور في مصر الكنانة ’ لأن مصر هي الأخ الأكبر حضاريا وسياسيا واجتماعيا وعسكريا وإعلاميا وثقافيا وحتى اقتصاديا رغم كبوتها المؤقتة , وتأثيرها ممتد من قبل زمن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام إلى اليوم. لا ينكر هذا إلا جاهل أو كاره أو حاقد.
نعلم أهمية الاستقرار السياسي والتشريعي في إعادة بناء أي دولة. وهدم هذا الاستقرار هو الهدف الأول لكل كاره أو خائن.
قرأت الدستور المصري الجديد, و أقول انه دستورا ممتازا, ويشكل خطوة اكثر من ممتازة في نقل مصر من دولة ديكتاتورية إلى دولة ديمقراطية ترعى كرامة الإنسان وحريته, وتوزع السلطات التنفيذية بطريقة تجعل من المستحيل تركز السلطات في يد شخص أو مجموعة أشخاص, فهناك سلطات موزعة بين الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس نواب ومجلس شورى وهيئات رقابية مستقلة وصحافة حرة. فلماذا جوبه هذا الدستور الجيد بهجمة إعلامية مدعومة قوية مدفوعة القيمة؟
الصحف اليومية خصصت معظم صفحاتها للهجوم على الدستور, إعلانات مدفوعة في أهم الصفحات ومنها نصف الصفحة الأولى وكامل الصفحة الأخيرة وإعلانات تلفزيونية مدفوعة ذات إخراج مشوق تحث المشاهدين على التصويت بـ “لا” للدستور الجديد.
ناهيك عن برامج الحوارية “التوك ش” تحاول أثارة الغبار على الدستور الجديد, وظهور الكثير من النخب الإعلامية لكي تحارب هذا الدستور, ونشرات كثيرة توزع على المنازل والسيارات والمحلات تطالب المواطن بقول “لا” للدستور, ولوحات في الشارع كبيرة وصغيرة وملصقات. كلها تطالب بلا. نسخ مزورة عن الدستور ملأت الشوارع والبيوت والانترنت, تحوي مواد لا يحويها الدستور الصحيح.
كنت أتمنى سماع نقدا موضوعيا للدستور فلم أسمع ولم أقرأ, ولكن ما سمعته كان كلاما مرسلا أو اتهاما لا دليل عليه وكثر مما سمعت كان كذبا وزورا.
الشارع المصري والفضاء المصري ملئ بسموم الكذب والهجمات الغير مبرر على الدستور, وحملات عنف وهجمات على مقرات الأحزاب والمساجد حرقا وتدميرا ورغم ذلك نجح الدستور. ورغم ذلك اختار الشعب المصري بدء عملية بناء الدولة, وفشل الإعلام, وسقطت الكثير من القامات الإعلامية التي كنا نتابعها ونحترم أرائها. سقطت من أعين الكثير من العرب, وسقطت من أعين الشعب المصري.
أما سبب سقوطها, فلأنها لم تلتزم الحياد المطلوب من الإعلامي, وحتى عندما نقدت الدستور فلم تنتقده نقد بناء, النقد الذي يبني وينير الطريق. بل نقد اقل ما يقال عنه انه كان نقد بعيد عن الموضوعية.
الأعلام أحتقر رجل الشارع واستهان بقدرته وذكاءه, احتقر العامل والفلاح وظن الإعلاميون أنهم يستطيعون توجيه الرأي العام ولكنهم فشلوا. لأن نقدهم لم يكن موضوعيا , بل كانت محاولة توجيه من الأعلى, محاولات فوقية.
وهنا يقع الإعلام في نفس الخطأ الذي وقع ويقع به الحكام , فكان سبب سقوط من سقط منهم, وسيكون سبب سقوط من لم يسقط, يجب على الإعلام أن ينزل إلى رجل الشارع, يحترم عقله والمخزون الحضاري والثقافي لديه, يخاطبه بالحقائق ويبين له بالوقائع والحقائق, وإلا فل يحقق الإعلام رسالته.
الشعب المصري أعطى كرتا اصفر للإعلام, ينبهه انه واعي, رغم الأمية ومحاولات التجهيل عبر عشرات العقود. فالشعوب تملك مخزون حضاري ووعي أخلاقي وقدرة على التحليل ومعرفة الغث من السمين.
إذا لم ينتبه الإعلام إلى هذه الحقيقة فلسوف يحصل على الكرت الأحمر, ويخرج من المشهد الحضاري ويخرج حتى من المشهد الإعلامي, ويتحول إلى فكاهة يتندر بها المواطن.
انتبهوا أيها الإعلاميون, معركة الدستور المصري أعطتكم كرت اصفر, فلا تقعوا بنفس الخطأ حتى لا يخرج لكم الشعب الكرت الأحمر.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً