علق سفير ليبيا السابق لدى السويد والدنمارك إبراهيم قرادة، على قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بتشكيل لجنة وزارية لوضع مقترح رفع الدعم عن المحروقات واستبدال بالدعم النقدي المباشر.
وفي منشور عبر حسابه على فيسبوك طالعته “عين ليبيا”، وجه قرادة رسالة إلى رئيس الحكومة، مطالباً إياه بالتمهل في اتخاذ هذا القرار.
وقال قرادة: “مهلًا سيد الدبيبة، ليس بهذا الاستعجال الفردي حول دعم المحروقات… 1.3 مليون ليبي، خمس الشعب محتاج بين صاحب مرتب ضماني ومتقاعد، غير اصحاب الدخول المتدينة والمتقطعة والديون المتعسرة”.
وأشار السفير الليبي السايف إلى أن الدولة ليست شركة محدودة تقاس بالأرقام المجردة، ولا تدار بجيب فرملة التاجر، ولا تقييم بجدول دفتر المحاسب، ولا بنك تهمه عمليات كبار الزبائن، ولا صحافة اقتصادية تعامل الاقتصاد كأخبار عواجل الحوادث الساخنة، ولا غرفة تجارية تنساق لمصلحة طبقة دون كافة شرائح المجتمع، وليس من يصدح في الميكرفون هو الرأي العام، حسب وصف.
وأضاف قرادة: “ومن التدليل الشارح، فأبسط المعلومات ان من مسميات علم الاقتصاد ونظرياته ومناهجه ومدارسه هو علم الاقتصاد السياسي لارتباطه بالمجتمع، وأساس أفرعه وأهمها هو الاقتصاد الكلي، وأنه مصنف ضمن العلوم الاجتماعية، لحكمة توصل إليها علماء البشر بعد مسار ومسيرة مضنية من التجربة المعرفية والمعرفة التجربية.
وتابع: “أطلعت كغيري على قرار لك -إذا صح- صدر من أسبوع بشأن تشكيل لجنة لوضع مقترح لرفع الدعم عن المحروقات واستبداله بالدعم النقدي؛ هناك نقاط تستلزم الوقوف عليها”.
وتتمثل النقاط الإجرائية بحسب قرادة، فيما يلي:
- هذا القرار يستوجب أن يسبقه قرار برلماني تشريعي، أو قرار أساسي أعلى
- القرار أشار إلى تقديم مقترح (واحد) وليس عدة مقترحات، حتى (افتراضا ووجوبا) تدرس وتناقش في الحكومة وبين الخبراء ومن الرأي العام
- القرار صدر قبل اسبوع في بداية استلام الحكومة ولا زالت إجراءات مباشرتها لم تتم، وهي فترة قصيرة لاتخاذ مثلما قرار ارهق حكومات متعاقبة لمدة 30 سنة
- القرار صدر عن رئيس مجلس الوزراء وليس عن مجلس الوزراء، ففي مثلما قرار فالمنتظر ان يكون مجلس الوزراء قد تداوله وتناول تداعياته على كل القطاعات لتشابكه وتأثيره
- لم تتم استشارة مجلس النواب بالخصوص، وهو ممثل الشعب، وله لجنة اقتصادية، فدور مجلس النواب ليس فقط اعتماد الحكومة واعتماد الميزانية، من ثمة شكر الله سعيكم
- قرار رفع دعم المحروقات ليس قرار تجاري محاسبي، بل قرار اقتصادي اجتماعي يمس كل الليبيين، وبالاخص الفئات الضعيفة، ولا يترك ويقيد في وزراء الاقتصاد والمالية فقط، فأين وزراء: التخطيط، الشئون الاجتماعية، العمل، الحكم المحلي، النفط
- يصعب فهم وضع كلمة “مقترح” من لجنة وزارية في حكومة تنفيذية، فالمقترح/ات تضعها لجنة استشارية
- توقيت القرار قبل شهر رمضان الكريم واقتراب عذاب الكهرباء واثناء جائحة الكورونا (الدول العالم الان خلال جائحة الكورونا تدفع وتصب المليارات لدعم شعوبها) وخلال تداعيات زلزال تغيير صرف الدينار والتي لم تستقر ارتداداته بعد، فبجانب حالة عدم الاستقرار، سينتج عنه رسائل وتداعيات متضاربة في السوق ومجمل الاقتصاد الوطني، يعب احتوائها حين انطلاقها
- كيف تشكل اللجنة بعد تقديم مقترح الميزانية، أى (منطقيًا) ان قرار رفع الدعم سيطبق في الميزانية القادمة، إلا اذا كانت الميزانية شيء مختلف لما معروف. وهذا يبرز تساؤل عن عمر الحكومة المؤقتة، وعن لماذا تقرر حكومة حالية عن حكومة منتخبة قادمة
- على الهامش، عجيب صمت البرلمانين بنوعيهما والاحزاب والساسة عن المسألة كأنهم في غيبوبة او كأن المسألة في مدينة الملاهي.
أما النقاط الموضوعية فأشار قرادة إلى أنها تتمثل في:
- الوقود هو بمثابة اكسجين ودم (الجهاز الدوري المحتوي على القلب والدورة الدموية، والجهاز التنفسي من رئة وممرات هوائية) وليس مجرد سلعة لها بدائل إلا بياض الكانون (فحم الموقد/ المرجل)
- المحروقات ليست فقط وقود السيارات الخاصة بل ايضًا الكهرباء وسيارات الشحن والنقل والباصات، والمخابز والمصانع والتبريد والتدفئة
- فالمسألة ليست كما تبدو ببساطة عمليات نقل الارقام حسابيًا، من خانة المدين إلى خانة الدائن او من فقرة الخصوم إلى الاصول أو من جدول الانفاق إلى الإيرادات
- ظهريًا، وبالاخص عند عقليات الجداول، سيتم ايقاف النزف جراء تسوية مشكلة الاختلال في سعر المحروقات.
- وكمثال، لو تم تقسيم قيمة دعم المحروقات وتوجيهها للمواطن سيتحصل المواطن واسرته على مبلغ يعوض ويوازي ارتفاع سعر الوقود الذي يدفعه لتشغيل سيارات الرباعية الضخمة الشره لوقود “سوبر”
- سعر الخبز سيزيد لان “الكوشة” تشتغل بالوقود، سعر تذكرة باص المايكرو وسيلة مواصلات الغلابة والطلبة ستزيد، سعر نقل البضائع ومواد البناء سيزيد على المستهلك والنازح الذي يرمرم بيته المدمر في بلد شاسع مسافات النقل فيه بمئات الكيلومترات والموانئ بعيدة عن الاسواق، سعر المواد المصنعة محليًا من “شيشة المية” سيزيد لان المصنع يشتغل بالوقود والكهرباء ، سعر الكهرباء المنزلية سيزيد، سعر تذاكر الطيران سيزيد، الانفاق العام التسييري سيزيد
- أسعار العلاج والعمليات الطبية ستزداد في المصحات
- الإنفاق العام سيزيد ويضرب الميزانية المقدرة
- تغيير سعر المحروقات برفعها سيطلق دومينو تضخم وغلاء اسعار لن لن يحجمه ولا يخفف منه تحويل مبلغ الدعم للمواطنيين
- تغيير سعر الوقود اخطر من تغيير سعر الصرف، والذي تم باستعجال نتيجة حملة ضغط بروباغندية من قلة تملك الميكرفون الصادح
- فتغيير سعر الوقود آثاره مركبة تراكمية اقتصادية اجتماعية فسياسية، وليست معادلة خطية بسيطة يمكن تصويبها وتصحيحها باجراءات وادوات سياسات المالية العامة والنقدية والتجارية
- هذا لا يعني أن سعر المحروقات والوقود متوازن وسليم ولكن علاج الخلل لا يتم هكذا
- اقتصاديًا، ليبيا ليست رأسمالية ولا اشتراكية بل سلطوية ريعية تتحكم فيها السلطة بتوزيع الريع النفطي عبر عدد مرتبات ضخم، وعبر امتيازات تعاقدية واعتمادية تمنح للمتميزين يطلق عليهم تجاوزًا رجال أعمال، لأن رجال الأعمال الحقيقين هم المكابدون فعلًا للبقاء في السوق المحابي الجائر
- وحيث أن ليبيا دولة ريعية ومداخيلها الفعلية ليست من ضرائب اعمال وارباح القطاع الخاص، فالاسبقية هي الاستماع لانين الناس اصحاب الريع النفطي، لا رغبات المستفيدين من امتيازات أحتكار الريع النفطي، لانهم لا يدفعون ضرائب عادلة، ولانهم كالعادة سينقلون ويخصمون ارتفاع الاسعار من جيوب الكادحين الفارغة
- لا جدال أن وضع الاختلال في سعر الوقود وما يرافقه من هدر وتهريب يستوجب العلاج، ولكن هو سؤال الكيف
- من ضمن سؤال الكيف الاستعانة بأهل الصنعة الاقتصادية والاجتماعية الليبيين، والجامعات الليبية ليست بعيدة في الباهاما
- وكذلك تجارب دول متقدمة ونامية عديدة.
ونوه قرادة إلى أنه مثلما هذا قرار يحتاج رجال دولة وليس رجال أعمال، ويتطلب اقتصاديين اجتماعيين وليس ما يطلبه المستفيدين، قوله.
ولفت إلى أن الدولة كيان اجتماعي وليست سجل تجاري، ومسؤولية اجتماعية أولا، والوحدة الوطنية ليست حصة جغرافية فقط بل وحدة الشعب بدون تفرقة.
واختتم قرداة حديثه بالقول: “وجوب الحذر والتريث مع نصائح ووصفات الخارج، ومنه صندوق النقد الدولي، لأنه واقع تحت تأثير مدرسة شيكاغو الاقتصادية المهتمة بنمو الأرقام المطلقة في المدى القصير، لا التنمية الإنسانية المستدامة (الاقتصادية الاجتماعية البيئية) وتجارب الشعوب معها فاشلة ومريرة جراء لقاحات تلك الوصفات”.
اترك تعليقاً