لقد أكدت الحرب الأوكرانية، بأن الغرب الجيوسياسي غربين اثنين، لا غرب واحد، كما كان يحاول دائما إعلام جنوب وشرق المتوسط الترويج له وترسيخ هذا المفهوم لدى متابعيه على اتساع هذا الفضاء الجغرافي.
أحد الغربيين، نستطيع تسميته بالغرب الأوروبي، الذي وجد نفسه في داخل أتون حرب لم تكن من خياراته، فقد كان قبل اندلاعها يؤسس لعلاقة اقتصادية متينة مع الجانب الشرقي لأوروبا من خلال مشروع اقتصادي ضخم تحت مسمى مشروع (غاراستريم 1-2) ليعتمده مُغذى طاقوي رئيسي لمصانعه وإنارة مدنه وكل ما يحتاجه القطاع الخدمي لبلدانه.
في حين كان الغرب الآخر – أعني الغرب الأطلسي – بصيغتيّه البريطانية والأخرى الأمريكية، يشتغل – في تقديري – ومنذ اللحظة التي امتنع فيها صنوه الغرب الأوروبي عن اللحاق به ومشاركته في إعلان الحرب على العراق، واشترط للالتحاق به الحصول على تفويض وموافقة مسّبقة من طرف الهيئة الأممية، ومنذ تلك اللحظة، اشتغل الغرب الأطلسي واجتهد على بعث ما اسماه (أوروبا الجديدة)، جاء بلبنات قوامها من تشظيات جمهوريات المنظومة السوفيتية بعد تفككها، كل هذا أتى بعدما صكّ الغرب الأطلسي مسبقا، مصطلح يقابل به مسمى (أوروبا الجديدة) فوقع اختياره على ما صار متداول إعلاميا (بالقارة العجوز).
وبقول آخر، الغرب الجيوسياسي غربيين اثنين، غرب أوروبي كان يشتغل في زمن ما قبل الحرب، على بناء علاقة اقتصادية متينة مع الطرف الشرقي لأوروبا، تستند على المنفعة المتبادلة ما بين الطرفين، وقد تنعكس ارتداداتها الاقتصادية إيجابيا، ليس على طرفيّها وفقط، بل قد تتخطاهما إلى الفضاء العالمي، وغرب آخر في غرب الأطلسي، كان يشتغل على بعث أوروبا جديدة تنهض على رمّت القارة العجوز، بعدما خطط ليلقى بهذه إلى دار العجزة، ويسحب الباب من ورائه.
ليس هذا وحسب، بل استطيع القول بأن الغرب الأطلسي هو أطلسيين وليس أطلسي واحد، غرب أطلسي بوجه بريطاني وهذا شاهدناه وتابعناه منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، في حالة حماس لا متناهي لاستمرار الحرب وتغذيتها بما يحافظ على ديمومتها، وكان كمن يدلق بالزيت على النار، وظهر فيها وكأنه منحاز إلى الحرب وليس لغير الحرب، رغم ما ظهر من أثار سلبية قاسية في ارتداداتها، ليس على طرفيّها فحسب، بل تخطتهما إلى المكوّن العالمي، وكانت ارتدادات الحرب على المُتخلف العاجز من دوله أكثر وأشد وقعا وأثرا.
أما الغرب الأطلسي الآخر فهو بوجه أمريكي، ولكن وللإنصاف لا استطيع القول عنه بأن حماسه واندفاعه إلى الحرب يُضاهي ويساوي الحماس البريطاني، فعند مقارنته بهذا، نجده أكثر تعقلا ونضجا، بل أكاد أقول ومن خلال متابعة أحداث الحرب، بأن الأمريكي يجد نفسه متورط ومضطر إلى مُجاراة صنوه الإنجليزي.
كنت أحاول الوصول بالقول من خلال كل ما تقدم، بأن هذا الإنجليزي الذي نشاهده ببصرنا وبصيرتنا، بحماسه المرعب إلى استمرار الحرب وليس إلى غير الحرب، رغم ما ظهر في ارتداداتها السلبية من أوجاع تربك حياة العالم، من ندرة في توفر الأساسي لحياة الناس، وما قد يترتب على هذا وينعكس سلبا على الأمن الاجتماعي في البلدان الأقل تقدما، وما قد يطال المتقدم منها من ارتباك في آلتها الصناعية، التي قد تنعكس ارتفاعا على أسعار المُنتج إلى غيرها من الارتدادات المقلقة للحياة.
فهذا المتحمس والمندفع في اتجاه الحرب واستمرارها، هو بعينه من بيده الملف الليبي بقاعة مجلس الأمن في هذا الوقت العصيب، وهو بعينه من يُوعز لسفارته بليبيا. بأن تضع العوائق والعقبات في وجه أي طريق يفتح من طرف الليبيون، قد يفضي بهم إلى التأسيس لمرتكز يتخطون من عليه التأزم، الذي يعبث بحياة الناس ببلادهم ويحيلها إلى بؤس مطلق.
فمن يمتلك هذه الذهنية والعقلية المُركّبه يكون ليس من الصواب ومن طرف الهيئة الأممية ومجلس الأمن، تسّليمه ملف كالملف الليبي أو ما في حكمه، لأنه سيؤس لنفسه، ولمرجعية الهيئة الأممية في بُعدها الإنساني، وسيعبث بالملف ومحتوياته، وسيتكئ على حثالة البلاد من اتباعه لإدارة ملفه، وهذا سيلحق ضرر كبير، سيظهر اجتماعيا وأمنيا على واقع الحال بليبيا وبمحيطها الإقليمي القريب والدولي البعيد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً