في تقريرها الشهري، لشهر سبتمبر 2011، وتحت فقرة عنونها “التحديات الرئيسية والتطورات الجديدة” ، كتبت اللجنة التنفيدية للمفوضية العليا للاجيئن ما يلي[1]:
“منذ الانتفاضة العنيفة التي بدأت في ليبيا في شهر فبراير 2011، ارتفع عدد اللاجئين والمهاجرين الذين تركوا ليبيا وغادروها الى مصر وتونس وزاد عن المليون نازح، وبعضهم غادر الى الجزائر وتشاد وايطاليا ومالطا والنيجر والسودان. بالاضافة الى حوالي 200.000 نازح الى مناطق داخلية اخرى“. الى هنا، وحتى شهر سبتمبر 2011، يكون عدد اللاجئين في حده الاقصى حسب المفوضية العليا للاجين لم يتجاوز المليون وربع، ربع هذا العدد داخل الوطن.
في نفس الفقرة السابقة يقول التقرير ان عدد اللاجئين من مواطني الدول الاخرى (Third Country Nationals) الذين ثم اعادتهم الى بلدانهم الاصلية وصل الى 145.000 لاجي. بعملية حسابية بسيطة، فإن من تبقى من اللاجئين بعد طرح هذا الرقم يصبح اقل من مليون لاجي خارج حدود الوطن. وكما يبين الرقم السابق، فاللاجئين ليسوا جميعهم من الليبين، بل من جنسيات مختلفة عملت المفوضية العليا للاجئين على تسهيل اعادتهم الى بلدانهم الاصلية. اريد فقط ان انوه بان العدد هنا يقل عن المليون وليسوا جميعهم من الليبين.
في الفقرة اللاحقة تحت نفس العنوان، يقول التقرير: مع بداية سبتمبر 2011 قدر عدد الاشخاص الذين عبرو الحدود التونسية الليبية بحوالي 990.000 من الليبين والتونسيين ومواطني دول اخرى. ونسبة الليبيين الذين عبرو الحدود ثم عادوا شكل ما نسبته 77%.
فقرة اخرى من التقرير نقراء فيها ان 468.000 شخص عبروا بوابة السلوم في الفترة ما بين شهر فبراير – اغسطس 2011. هذا العدد ايضا خليط من الليبين والمصريين ومواطني دول اخرى. وحتى تاريخ كتابة ذلك التقرير، في شهر سبتمر 2011، عاد الى ليبيا 237.500 مواطن ليبي، بينما قدر عدد الليبين الذين بقوا بعد ذلك التاريخ في مصر (سبتمبر2011) بحوالي 15.000 ليبي. التقرير لم يذكر نسبة الليبين في العدد الاجمالي الذي عبر الحدود، لكن بامكاننا ان نستدل من العدد الذي عاد والذي بقى في مصر بان نسبة الليبين الذين عبرو الحدود المصرية في تلك الفترة لا تتجاوز 50% من عدد العابرين، وان نسبة من بقى منهم بمصر لا تتجاوز 0.6% من عدد الليبين الذين عبروا الحدود (6 اشخاص من كل 1000 عابر).
في تقرير اخر للمفوضية العليا للاجئين بخصوص مراجعاتها لميزانيتها الاضافية في الوضع الليبي، فان نسبة عدد الليبين في المجموع الكلي للاجئين في دروة الازمة خلال شهر مارس لا يتجاوز 18%، وان نسبتهم في شهر ابريل تقل عن 30% (انظر الجداول المرفقة لتعداد الللاجئين خلال الشهريين المعنين، لاحظ ان الاعداد في الصف الاول تشير الى مواطني دولة اللجوء) .
ربما يحق للقاريء الان ان يتسأل الى الدافع في اراد هذه الارقام هنا، لذلك احيل القاري اولا الى مقالي السابق بهذا الموقع[2]، وردي على تعليق السيد الدكتور عبد الحميد الزنتاتي في خانة التعليقات، والى تصريحات احمد قذاف الدم الذي يدعي ان عدد اللاجيئن الليبين في الخارج يقدر بمليون وماتي الف لاجي (1.200.0000). طبعا لو عدنا الى “طبخة الاستخبارات المصرية” عراب اللقائات المشبوهة بين مبعوثي المجلس الانتقالي (ان صدق ادعاء المبعوث) وفلول النظام السابق، فان اللقاء الذي ثم بينهم حمل موفد المجلس الانتقالي الرسالة التالية[3]:
- تسليم رفات القذافي وابنه ووزير حربه واعادة دفنهم مع اقامة جنازة رسمية لهم!!!…….
- كل مصادر القوانين قبل تشكيل المجلس الوطني غير شرعية وغير ملزمة مع عدم الاعتراف بأي محكمة إلا بعد بناء الدولة الليبية.
- التعامل بالمثل مع (الطرفين المتنازعين) أثناء الثورة على القذافي.
- عودة مليون ونصف المليون مواطن ليبي من المهجرين منهم 700 ألف يعيشون في مصر و400 ألف في تونس ونحو 50 ألفا في الجزائر و50 ألفا في النيجر.
- الإفراج عن 17 ألف أسير من بينهم الآلاف من النساء والموزعين على سجون غير قانونية ويمارس ضدهم التعذيب بشهادة منظمات حقوقية وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
دعنا الان نتناول هذه الرسائل واحدة واحدة، ونحاول اعادة قرأتها على ضو دعوة قذاف الدم للمصالحة[4] وعلى الحوار الذي اجرته صحيفة الشروق الجزائرية[5].
بالنسبة للنقطة الاولى ارى فيها استهانة بالشعب الليبي وبتضحيات ابنائه، وهي من الامور التي لا يجوز ادراجها ان كانت النوايا سليمة وتسعى فعلا الى اصلاح ما فسد. وان كان ليس من بد من ابرازاها، اكراما لاهل الميت، وهذا حق طبيعي لا ينكره الا جاهل او متجني، الا ان الدعوة الى اقامة جنازة رسمية هي تجني على ارواح الشهداء الذين ماتو في حرب افتعلها النظام المستبد من اجل اطالة امده في الحكم.
ناتي الى النقطة الثانية الخاصة بمصادرة القوانين التي صدرت حتى الان. لا يحضرني هنا كل تلك القوانين التي صدرت عن المجلس الانتقالي او عن الحكومة المؤقته، والبحث عنها في عجالة لن يوفي حق التعرف عليها والاستدلال بقيمتها من عدمه، الا ان المطالبة بتعطيلها يدكرنا بالخلل الجليل الذي نتج عن تعطيل كافة القوانين المعمول بها بالدولة الليبية بقرار من المستبد معمر القذافي في اعلانه الذي عرف بالنقاط الخمس، فهل علينا قبول هذا الطلب لنعيد عقارب الزمن الى العام الذي تعطل فيه القانون بوطننا!.
النقطة الثالثة، هي محاولة للزج بادعاء كاذب روج له النظام المنتهي، حيث حاول ان يؤهم الليبين والعالم بان ليبيا تتعرض لحرب اهليه طرفيها “ثوار النيتو” و”الوطنين المخلصين للنظام”. بينما حقيقة الصراع هي هبة كل الشعب الليبي بجميع اطيافه للمطالبة بانهاء النظام المستبد واسترجاع حريته، اسوة بما حدث في تونس ومصر، الا ان عقلية النظام لم تستطيع ان تستوعب حق الشعب في الانتفاض فعملت على محاولة سحقه، فسقط النظام في سوء تقديره وقرأءته وانتهى بتحرير طرابلس ونهاية الاستبداد بموت رأسه.
النقطة الرابعة، هي محاولة اخرى زائفة وفاشلة في الايحاء بان تعدد اللاجيئن كبير يفوق المليون نسمة ومطلوب اعادتهم، وقد يتسأل البعض لماذا يسعى السيد احمد قذاف الدم الى الترويج لهذا العدد الرهيب، والجواب واضح: هو يريد ان يقول ان هذا العدد يمثل القوة التي تؤيد نظام الاستبداد المنهار، وهي ستسعى لاعادة انتاجه مرة اخرى، ووجود هذه القوة يمنحه القوة في المطالبة بالنقاط المستهجنة التي وضعها على طاولة المفواضات مع السيد الدكتور الصلابي.
الحقيقة كلنا مع الصفح، وكلنا مع اقامة العدل، لان الصفح والعدل هما مفتاح كسب العقول وارضاء النفوس، وارى ان من مسببات الثورة هي غياب العدالة وانتهاك الحريات واسقاط كرامة المواطن. ونجاح الثورة يعني استرجاع كرامة الانسان وترسيخ العدالة واطلاق الحريات للجميع بدون استثناء، فكلنا مواطينين وكلنا اهل لهذه المكتسبات، وكلنا شركاء في هذا الوطن، لا يتمايز احدنا بولائه للنظام، لاننا قد نختلف – ولنا كل الحق في ذلك – في الولاء للنظام، لكن ليس لنا الحق ان نختلف في الولاء للوطن، ونحن لسنا خونة ان لم نكن موالين لنظام كما كن ننعت، لكن عدم الولاء للوطن خيانه تعاقب عنها الدساتير والديانات السماوية.
الذي حاولت ان اوضحه هنا هو عدم صدق احمد قذاف الدم في المصالحة، وان املائته ليس لها معنى لانها تستند الى الكذب والتزيف، وقد سعيت في بداية مقالتي هذه الى تفنيد كذبته بادعائه ان عدد اللاجيني الموجودين في الخارج يتجاوز المليون، فالاعداد التي اوردتها المفوضية العليا للاجيئن تكذب ادعائه هذا.
واود ان اضيف نقطة اخرى هنا، فالمفوضية العليا للانتخابات منحت حتى الان اكثر من مليونين ونصف مليون بطاقة انتخابية، ولنعيد انعاش قدراتنا في الحساب، وندعو السيد احمد قذاف الدم ان ينعش قدرته ايضا حتى يعيد حساباته، تعداد سكان ليبيا حسب احصائيات عام 2010 وصل الى حوالي ستة ملايين ونصف، نسبة الذين يحق لهم التصويت لا تتجاوز نصف هذا العدد، بمعنى لا تزيد عن ثلاث مليون نسمة. هذا العدد يعادل تقريبا كل العدد الذي تحصل على بطاقات ناخب، إذا: اين يقع تعداد المليون ونصف من اللاجئين في هذا الرقم؟؟؟. أعتقد ان السيد احمد قذاف الدم درس حساب اخرى مكنه من تقدير هذا العدد، الا ان حسابه الذي تعلمه لن يمكنه من العودة الى ليبيا عودة الغانم، بل عودة مجرم خارج عن القانون ينتظر كلمة العدل.
اريد ان اذكر الليبين ان احتفالات الذكرى الاول لثورة 17 فبراير كانت احتفالات غير مسبوقة في تاريخ ليبيا، لقد احتفل كل مواطن بها دون اعاز او فرض من احد، ولم تجر المدارس والمؤسسات والجامعات للاحتفال بالميادن العامة كم عهد الشعب الليبي في احتفالات النظام السابق، بل تسابقت العائلات الى التعبير عن تنفسها الحرية في كل احياء وشوارع ليبيا، فلم تقتصر الاحتفالات على الميادين الرئيسية فقط، ولم توسمها المراسم الرسمية التي توسم احتفالات الانظمة المستبدة، بل خرجت الجماهير بكل تلقائية لاحساسها الحقيقي بقيمة الذكرى، واحساسها ان هذه الذكرى هي من صنعها.
على الشعب الليبي البطل ان يدرك بان الحرب لم تنتهي، وان كانت قد قاربت على الانتهاء عسكريا، فللحرب وسائل عدة، واخطر وسائلها الكلمة الزائفة التي تسوق على انها حقيقة، كالكذبة التي ساقها احمد قذاف الدم فوجدت من يصدقها، وقد يقوم بعضنا عن حسن قصد بنشرها. واذ نتق في حسن النوايا وندعو اليها، الا ان حسن النوايا لا يجب ان يضعنا في خانة المغفلين فلا نميز بين مقاصد السوء من مقاصد الخير.
والله من وراء القصد
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
تحامل واضح على احمد قذاف الدم وعلى عدد النازحين خارج الوطن ونتيجة لهذا سيظل الوطن الليبي وطنا مأزوما ولن تكون هناك مصالحة ولن يبنى الوطن باى حال !.