باريس – قاتلت على الجبهة في ليبيا ومالي، واتخذت موقفا متشددا بالنسبة لسوريا وغير مساوم بالنسبة لايران، انها فرنسا التي دأبت على انتقاد الولايات المتحدة ووصفها بانها شرطي العالم، ولكنها أصبحت الان اكثر الدول الغربية تدخلا في شؤون الدول الاخرى.
وبدأت فرنسا في اتخاذ مواقف متشددة غير معتادة على الساحة الدولية في الوقت الذي يضعف فيه نفوذها على ما يبدو، ويعاني جيشها من خفض ميزانيته، وتتضاءل قوتها الاقتصادية ويظهر لاعبون جدد على الساحة من بينهم قطر والهند والبرازيل.
واظهرت فرنسا انه “في ظل حكومات مختلفة في السنوات الاخيرة، فقد أصبحت اكثر الدول الغربية تشددا في الامور المتعلقة بالشرق الاوسط والمناطق المجاورة لها”، بحسب ما يرى حسين ايبيش المحلل في “قوة المهام الاميركية بشان فلسطين” في واشنطن والذي يعمل على المساعدة في حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.
واشار الى ان فرنسا “دفعت من اجل التدخل في ليبيا، وغزت مالي وانقذتها، وكانت الاكثر حماسا لشن ضربات عسكرية ضد اسلحة سوريا الكيميائية”.
واضاف انه “في الشان الايراني، رفضت فرنسا التوصل الى اتفاق وصفته بـ’الاخرق'”، في اشارة الى المفاوضات التي جرت الاسبوع الماضي في جنيف للتوصل الى اتفاق بشان برنامج ايران النووي حيث تمكنت فرنسا من اقناع الدول الغربية والولايات المتحدة بضرورة الحصول على مزيد من التنازلات من طهران قبل التوقيع على اي اتفاق.
وقال الكاتب برنارد غويتا في صحيفة “ليبراسيون” هذا الاسبوع “سواء رحبنا بذلك ام اسفنا له، فان فرنسا لم تعد تلعب نفس الدور الذي كانت تلعبه في الماضي على الساحة الدولية”.
وابان رئاسة اليميني نيكولا ساركوزي والاشتراكي فرنسوا هولاند، اصبحت فرنسا “اكثر دول الحلف الاطلسي دفاعا عن امن ومبادئ ومصالح العالم الغربي”.
وعلى مدى نحو 50 عاماً، اتبعت السياسة الخارجية الفرنسية خطوطا عريضة وضعها الرئيس الراحل شارل ديغول بعد الحرب العالمية الثانية، واكد فيها على ان فرنسا يجب ان لا تعتمد على الاخرين في الساحة الدولية التي تهيمن عليها الحرب الباردة.
وابعد ديغول فرنسا عن العملاقين السوفياتي والاميركي وكذلك عن اسرائيل. واستمرت هذه السياسة في ظل رئاسة الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسو ميتران في الثمانينات والتسعينات، وبلغت ذروتها في 2003 عندما رفض الرئيس جاك شيراك المشاركة في غزو العراق.
وفي ذلك الوقت دعا الجمهوريون الاميركيون الشعب الاميركي الى مقاطعة فرنسا ومنتجاتها، فيما اطلقت فرنسا على واشنطن لقب “شرطي العالم”.
ولكن وبعد عشر سنوات، رحب السناتور الجمهوري المتنفذ جون ماكين بموقف فرنسا في محادثات جنيف وبعث بتغريدة على تويتر قال فيها “تعيش فرنسا”.
واشار الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” روجر كوهن الى ان الفرنسيين اصبحوا اكثر تشددا بينما اصبح الاميركيون اكثر ليونة.
وتتجلى مظاهر التغيير في رئيسيين هما ساركوزي وهولاند اللذان يتبنيان سياسة خارجية اكثر تشددا من سابقيهم، ودخول جيل جديد الى وزارة الخارجية والجيش والاستخبارات.
وهذا الجيل بدأ حياته المهنية الفعلية في الوقت الذي شهد فيه العالم هجمات 11 ايلول/سبتمبر على الولايات المتحدة، والهجمات الارهابية والقتال ضد الارهاب في افغانستان وفي مناطق جنوب الصحراء الكبرى.
كما ان فرنسا تريد التعويض عن الفراغ النسبي الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. فبعد عقد من الحروب التي شنها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش في افغانستان والعراق، تبنى خلفه باراك اوباما سياسة مختلفة تقوم على سحب القوات الاميركية، وتحويل الاهتمام الى اسيا.
وراى علي رضا نادر المحلل السياسي في مؤسسة “راند” الفكرية ان “دولا كفرنسا تدرك تماما توازن القوى في الشرق الاوسط وترغب في حماية مصالحها”.
واضاف ان الامر لا يتعلق فقط ب”برنامج ايران النووي، ولكن كذلك بحساب القوة في الشرق الاوسط”، مشيرا الى حماية فرنسا لاسرائيل وعلاقاتها الوثيقة مع السعودية ودول الخليج.
ولكن وفي اب/اغسطس، اعاد النزاع الدامي في سوريا فرنسا الى دنيا الواقع بقوة.
فبعد الهجوم باسلحة كيميائية على ضواحي دمشق الذي هز العالم، سعت باريس وبقوة الى شن ضربات عسكرية على المنشات العسكرية السورية، وظنت انها اقنعت واشنطن بذلك.
ولكن وفي اللحظات الاخيرة تراجع اوباما ليترك هولاند لوحده على الجبهة، ما اضطره هو كذلك الى التراجع.
واوضح مصطفى العاني المحلل في مركز الخليج للابحاث ان فرنسا تفتقر الى الموارد التي تماشي تطلعاتها السياسية، وسياستها “تظل معتمدة على السياسة الاميركية”.
الا ان رامي خوري رئيس معهد عصام فارس للسياسات العامة اكثر ايجابية ويقول انه رغم ان فرنسا لا يمكنها ان تكون لاعبا بحجم الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، “الا انها تستطيع ان تلعب دورا اكثر ديناميكية وفعالية وايجابية”.
اترك تعليقاً