عقد ونيّف مرّ على انتفاضة 17 فبراير في ليبيا، وللأسف لا يزال الوضع السياسي مأزوما، ولا تزال ليبيا تترنح على كل الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية، ناهيك عن السياسية، و بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة إذا ما نظرنا الى الوضع الليبي بعين الفاحص المتأمل الذي عاش ويعيش كل تفاصيل المشهد الليبي، يدرك بمسؤولية أهمية الشمولية والإلمام بما يتداخل في هذا المشهد المعقد من اعتبارات داخلية وخارجية، فيكون لزاما الأخذ في الاعتبار معطيات وظروف الواقع بكل سلبياته وإيجابياته.
وبالمناسبة يكون مهما اليوم التذكير بأن 17 فبراير 2011م كانت انتفاضة شعبية عارمة، قام بها شباب متذمر من استمرار سوء الوضع المعيشي من حيث عدم توفر فرص العمل والأزمة السكنية الخانقة، والشعور بالخوف على مستقبل وحياة الأجيال، ولابد من الإشارة أيضا إلى أن المطالب كانت في اتجاه تغيير ذلك الوضع السيء بأحسن منه، خاصة مع توفر الإمكانيات النفطية للدولة الليبية، وهي مطالب شرعية ومبررة، حتى انها لم ترتق في البدء الى المطالبة بتغيير أو إسقاط النظام، ودون الخوض في تفاصيل كيف تحولت تلك الانتفاضة الى مسلحة وكيف تمت الاستعانة بالأجنبي، جدير الإشارة الى الآثار السلبية التي ترتبت عن ذلك وعلى رأسها رهن البلد للتدخلات الأجنبية السافرة مما افقدها السيادة حتى الان.
بعد هذه السنوات المريرة، ورغم ما صاحبها من أخطاء وممارسات في حق بعضنا البعض، وصلت حد التقاتل الأهلي الذي فقدنا فيه الألاف من أبنائنا بين قتيل ومصاب، وحالات التهجير القسري والنزوح التي تعرض لها الكثير من أبناء شعبنا داخليا وخارجيا، وحجم المعاناة التي لازمت الليبيين في معيشتهم ، الا أن كل ذلك لا يبرر أن ننكر على انتفاضة فبراير حقها في كينونتها التي استوجبت تفجرها، وضرورة استمرار زخمها الأصيل الذي ينادي ويسعى الى التغيير للأحسن، وأنه ليس منصفا أن نلقي بتبعات ما حدث سلبيا خلال وبعد فبراير على روح الانتفاضة وأهدافها المشروعة في التغيير والتطوير الى الأفضل.
ومن هذه الزاوية يكون جديرا احترام انتفاضة فبراير فهي حدث تاريخي وطني يسعى إلى الانتقال بليبيا من حالة الجمود الذي كان مسيطرا لعقود، الى حالة جديدة من النهوض والتطوير والتحسين في كل مناحي حياة الليبيين، وهو ما يدفع الى التأكيد الآن على ضرورة تحقيق تلك الأهداف السامية التي قدم الليبيون من اجلها التضحيات، لقد ان الأوان لإيقاف مسيرة الانحراف والتفريط في فبراير الانتفاضة الشعبية السلمية وإعادة روحها النقية الصافية النابعة من الشعب الليبي قبل ان انحرف بها واستغلها المتربصون ومن ثم تدخل النيتو وغيره.
إن الإفراط المتعمد الذي قامت به بعض الزمر سواء من بعض من كانوا يسمون معارضة ليبية في الخارج، او ممن نقموا على النظام في الداخل، والذين تربصوا لانتفاضة فبراير فاستغلوها بكل روح انتقامية حاقدة، وتمكنوا من استغفال الكثير من الشباب والليبيين المستائين من الوضع السابق، فخلقوا بؤرا للانتقام والحقد الدفين بغية الوصول إلى أهدافهم الخبيثة في الحكم والاستحواذ على الثروة، لينحرفوا بفبراير بعد أن استعملوها ستارا لتحقيق مآربهم الشخصية، فأفرطوا في استغلال المشهد وشيطنوا كل من يخالفهم الرأي في عملية اقصاء متعمد لأغلب الليبيين، كونهم قلة متطرفة دينيا وسياسيا وعنصريا، ان هذا الإفراط وجب إيقافه الآن والتصدي له بكل قوة بل ومحاسبة تلك الزمر ومعاقبتها على كل ما سببته لليبيين من معاناة طيلة كل السنوات.
علينا الآن أن نستشعر بعمق مدى الانهيار الذي تعيشه البلد على مختلف الصعد، وأن نسعى جميعا لتصحيح الوضع لقطع الطريق على زمرة المتربصين الذين يتحكمون الآن في مصير البلد ويعيثون فيه فسادا وإفسادا، ولن يكون ذلك إلا بان نلتف جميعا الآن حول اهداف فبراير الحقيقية، والتي أساسها تحقيق حياة افضل لكل الليبيين عبر نظام حكم رشيد يتم فيه التبادل السلمي على السلطة في ليبيا من خلال الانتخابات الحرة النزيهة، وتفعيل دولة القانون والمؤسسات الضامنة لتحقيق حياة كريمة عادلة لكل الليبيين، واستمتاعهم جميعا بعدالة بثرواتهم التي حباهم الله بها، لقد آن وقت العمل وليس مقبولا الآن بعد كل هذه السنوات ان يستمر التفريط في اهداف ومكتسبات فبراير التي حالت دونها طبقة من المتربصين الانتهازيين وإن تستروا بجلباب فبراير وهي منهم براء.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً