تخطّى عدد حالات الانتحار أو محاولة الانتحار بين السعوديين عدد الآسيويين الذين قضوا أو فشلوا في إنهاء حياتهم في الآونة الاخيرة كما يتبيّن من الأخبار الغزيرة لمسلسل الانتحار والتي لا تكاد تخلو منها الصحف اليومية.
وتحدّثت الصحف السعودية منذ بداية العام عن حوالي 34 حالة انتحار أو محاولة انتحار بين السعوديين، خاصة بين فئة عمرية شبابية عاطلة أصابها اليأس من الحصول على فرص العمل، مقابل حوالي 28 محاولةـ أغلبها ناجحةـ من أبناء الجاليات الآسيوية، خصوصاً الهندية منها، بحسب إحصاء لـ”ميدل ايست أونلاين”.
كما تحدثت الصحف الأربعاء عن ثلاث حالات انتحار شهدتها منطقة المدينة المنورة في يوم واحد، إحداها لفتاة في ربيعها الرابع عشر ألقت بنفسها من الطابق السادس.
وبينما يفضل الآسيويون الشنق بمروحة السقف، يلجأ العديد من السعوديين إلى الخنق بالشماغ. وابتكر بعضهم مؤخّرا طريقة أكثر علنية وتعبيراً عن الاحتجاج وذلك بالقفز من على جسر للمرور. وفي مارس/آذار وحده، شهد الجسر المعلق في الرياض حالتي قفز مفضٍ إلى الموت.
ويبدو أن الانتحار أصبح لعبة يتسلى بها المراهقون.
فقد استنفرت مؤخراً الجهات الأمنية في البريدة اثر بلاغ عن حالة انتحار لشاب منفوق جسرطريق الملك فهد. واتضح فبما بعد ان “المنتحرة” دمية وضعها مراهقون على هيئة انسان يتدلى من أعلى الجسر.
بعدها بأيام قليلة، وضع شاب في الثلاثين من عمره حداً لحياته بربط عنقه في إحدى مراجيح الأطفال بحديقة عمومية بالطائف.
“الثورات” العربية هي السبب
ورغم غزارة الأخبار عن الانتحار، فإن الأرقام الرسمية عن عدد المنتحرين تظل مجهولة. لكن بعض الأطباء يقولون إن معدل الانتحار في المملكة، خصوصاً بين الأطفال والشباب، وصل إلى أرقام مخيفة نسبياً.
وكانت أول وآخر إحصائية شبه رسمية قد أشارت سنة 2009 إلى أن حالات الانتحار تتراوح بين 221 و323 سنوياً، في حين أن محاولات الانتحار الموثقة تفوق هذا العدد بكثير.
كما تعددت المطالبات من السلطات بفتح ملف الانتحار وبدراسة أسبابه وخاصة بالإسراع في معالجة هذه “الظاهرة الغريبة على المجتمع السعودي”.
لكن “انتحار الشباب لم يعد لغزا، كما أن أسبابه النفسية والاجتماعية التي عرضت في السابق لم تعد مقنعة”، مثلما قالت الكاتبة طرفة عبدالرحمن.
وربط العديد من الكتاب ازدياد حالات الانتحار في الأشهر الأخيرة بشكل لافت في المملكة بـ”الثورات” العربية التي فجّرها بوعزيزي تونس، بسبب البطالة والفقر والفساد.
وأظهرت إحصائيات شبه رسمية بأن عدد العاطلين عن العمل يصل إلى 1.7 مليون، أي ما يقارب %18.8 من القوة العاملة السعودية نهاية 2011 ـ من بينهم آلاف الحاملين للدكتوراه والماجستير ـ في حين أن وزارة العمل أشارت إلى أن عدد العاطلين هو مليون فقط، أي حوالي %11 من القوة العاملة.
وكتب عايض الظفيري في صحيفة “الشرق” قائلاً “لا شك أن لغة الانتحار هي لغة جديدة على مجتمعنا وهي لغة مرفوضة أيضاً، لكن رفضها وحده لن يجعلها تنتهي، بل ربما قد يزيد من ارتفاع نبرتها”.
وأضاف الكاتب “ومن قتل عبدالرحمن الرويلي سوى هذا الصمت العاجز المتعالي. يجب أن نعرف جيّداً أن هناك الآلاف من عبدالرحمن جميعهم الآن في سوق البطالة”، في إشارة إلى أشهر منتحر سعودي في الآونة الأخيرة.
ورفض هو الآخر “ضعف الوازع الديني أو المرض النفسي أو أي مشجب جاهز تعلّق عليه كل خيباتنا”.
ليس كل منتحر في النار
وتحرّم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الانتحار وتعتبره كبيرة من كبائر الذنوب وتتوعَّد المنتحرين بالعذاب الأليم.
ولطالما حذّر مفتي عام المملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وأعضاء في هيئة كبار العلماء التي يرأسها، الشباب من الإقدام على الانتحار، بوصفه “كبيرة من كبائر الذنوب”.
وقالوا بأن البطالة لا تبرر هذا الإثم الذي أرجعوه إلى “ضعف الإيمان” أو إلى “خلل في العقل”.
لكنهم اتفقوا في الوقت نفسه على أن “ليس كل منتحر في النار ولا يمكن الجزم بمصير المنتحر، فهو تحت رحمة الله”.
اترك تعليقاً