خلال الأسبوعين الماضيين تم إصدار أكثر من عشرة قرارات مستعجلة؛ منها ما هو متغاضى عنه منذ أربعة سنوات مثل قرار تعيين وزيراً للدفاع وقائداً للأركان، ومنه ما هو مؤجل مثل قرار تعيين وزيراً للإسكان، التي تشتت شملها، ومنها لكسب القلوب مثل قرار علاوة العائلة وقرار دعم البلديات وقرار تشغيل العاطلين عن العمل.
هذه القرارات لم تصدر عن البرلمان المتشظي (وهي من صميم عمله)، ولم تقترح من وزارة التخطيط وهي المغيبة منذ سنوات، بل تبرع بها فريق المستشارين كرد فعل لتظاهرات 23 أغسطس التي هزت أركان السلطة في المنطقة الغربية. ولكن دعنا نناقش مدى نجاعة هكذا قرارات لقطع فتيل احتجاجات ومطالبات شعبية أنية وقادمة.
من الواضح أن المستشارين إتخذوا أسلوب الإزاحة في معالجة الأزمة، فالقرارات السابقة رغم أهميتها الجوهرية في أوانها لم تعد هي الديدن للمواطن، مظاهرات المواطنين كانت بسبب أزمات لم ترد في هكذا قرارات مثل إنقطاع التيار الكهربائي وإنقطاع المياه ونقص السيولة وغياب غاز الطهي والمحروقات والقبول بإملاءات حفتر في إيقاف الحرب والرضوخ إلى الخارج، والأنكى من ذلك إنتشار الفساد وتفشيه على مقربة من السلطة فليبيا من الإثنى عشرة دولة الأكثر فساداً في العالم حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، وبذلك أزيحت هذه المطالبات بتلك القرارات لإمتصاص نقمة الشارع.
نعم تعيين وزيراً للدفاع وقائد للأركان مطلباً شعبياً قبل أن يكون مطلباً للقوات المسلحة والقوات المساندة لها، لآنه السبيل إلى إعادة هيكلة قطاعات الجيش بمهنية عالية، وهو السبيل إلى دمج الثوار الذين دافعوا عن العاصمة ودحروا العدوان الإماراتي، أو تفعيل قرار الحرس الوطني الذي لم يرى النور بعد، والذي يهدف إلى تكليف الحرس الوطني بضبط الأمن خارج المدن كما بالجزائر، وبه يتم عزل المليشيات المتربصة بمقدرات الدولة في المصارف والشركات والحرس الخاص للفاسدين والمصافي عن الثوار الشرفاء، وهكذا ضاعت أربعة سنوات أنجز فيها القليل لضبط السلاح المنفلت.
القرار الثاني الأقل أهمية هو تخصيص ملياري دينار لدعم البلديات، وهو قرار مرتجل لم يتم وضعه في الميزانية العامة للسنة الحالية وأعلن عنه رغم إستمرار قفل الحقول النفطية الذي أدى إلى إنكماش الإقتصاد بالسالب إلى -59% وهو الأعلى في العالم، وزيادة الدين العام إلى 500% وهو الأعلى كذلك، وزيادة التضخم إلى 22% حسب تقرير صندوق النقد الدولي لأبريل الماضي. هذا القرار سيواجه عراقيل كثيرة منها المناكفات بين الرئاسي والمركزي بخصوص إيراد بيع النقد الأجنبي الذي يريده المصرف المركزى لخفظ الدين العام ويشكل 50% من الدعم، ومنه صعوبة تحصيل الإيرادات حاليا من البلديات، وقد تستحوذ بعض البلديات على الإيراد العام من المعابر والمطارات والمواني مما يشكل قضية أخرى بين المالية والبلديات قد لا يتم تسويتها.
الأمر الأخير أن الإجراءات المالية لا تستطيع إنجاز تحصيل وتوزيع في الربع الأخير من السنة لمئة بلدية بعضها لا يتجاوز عدد سكانها بضعة ألاف والبعض الأخر بمئات الألاف، وهكذا توزيع على عدد السكان ستتضرر منه أكثر من 80 بلدية ولا يكون له قيمة لضالة المبلغ.
أما علاوة العائلة فلقد رد عليها المصرف المركزي بعدم الإمكانية بسبب عدم رصد ميزانية لها للعام الحالي، ثم أنها تشجع المواطن على الإنضمام إلى جيوش العاطلين في الحكومة الليبية بمرتبات بائسة، ينهش معظم دخلها التضخم في الأسعار ولا تشجع على التنمية، ومثله قرار تشغيل العاطلين عن العمل وهو ما تقوم به وزارة العمل بتسجيل قرابة 70 ألف باحث عن العمل، وهي مشاكل لا تحل بتعيين موظفين في الدولة بقدر ما تعالج بالتنمية من خلال إقامة مشاريع وتسهيل قروض ووضع نوع من الحماية للمنتوج المحلي والدفع برؤوس الأموال للأستثمار في المشاريع المنتجة والمشاركة معهم من خلال رصد ميزانية للتنمية. خلاصة القول أن جيش المستشارين أصدرو قرارات هدفها إسترضاء العامة وإستمرار المعاناة ولكن ليس لبناء دولة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً