سبقني الشيخ هذه المرة إلى الركابة بعد أن كنت دائما أسبقه إليها،، بادرني بمجرد أن جلست بجواره قائلا بحرقة: إنهم حمقى يتصورون أنهم يضحكون علينا وهم في الواقع يضحكون على أنفسهم،، ارتضوا أن يكونوا أنذالا ورضينا أن نكون عليهم شهودا،، وما بين شهادتنا وجرائمهم أمر كان لابد أن يحصل، سألته ماهو، قال التدوين والكتابة، بها نفضحهم وندون انتهاكاتهم لوطننا ونسجل أيضا عدم رضانا، سألته وهل يكفي؟، قال لا، إنما تبقى حجة وتاريخ يحكي عن خزيهم ووضاعتهم وهذا أقل ما يمكن فعله إلى أن يأتي من يترجم ذلك إلى أفعال.
إنهم يزيفون الحقيقة ويسوقون للأوهام لنظل أسرى لديهم وجميعهم بدون استثناء يشارك في صناعته، إسلاميين كانوا أم غيرهم من هذه التشكيلات المتكالبة على أموالنا والجاثمة على صدورنا، كلهم مدعون، كلهم متكلمون، كلهم متفيقهون، إنما العبرة بالخواتيم.
سألته،، لكنهم يستندون إلى حجج تسند ما ذهبوا إليه، قال، حتى إبليس لعنه الله كانت لديه حجته، ألم يقل يارب أمري بيدك وكان يمكنك جعلي ملاكا، هل كان صادقا في دعواه؟، لا إنما هي كلمة هو قائلها أراد بها التلبيس والتدنيس، لهذا لا تسمع لهم هي أقوالهم لا غير يرددونها فلا خير في كثير من نجواهم.
قلت،، حسنا كيف أميز الغث من السمين فيهم، قال، بأعمالهم، لا تنظر إلى صورهم وبهرجتهم ولا تستمع لأقوالهم وتنظيراتهم ولا يأخذك العجب من حجم تضحياتهم وما أريق من دماءهم ولا إلى تضرعاتهم ودموعهم، فكلهم صياد إنما الاختلاف في الشباك، أنظر فقط إلى حقيقة ما يظهر من أعمالهم،، كيف هي أحوالهم فيما اؤتمنوا عليه،، كيف إنصافهم لخصومهم من أنفسهم، أنظرلاإلى مستوى العطاء عندهم وكيف يأخذون مقابله ومقدار حجمه وهل يتناسب مع ما يؤدونه من أعمال وقدرات، يا بني إذا أخذت بهذا فلن يخدعك أحد مهما امتلك من القدرات في التأثير والاحتواء، مولانا في علاه، يقول، بسم الله الرحمن الرحيم، لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، صدق الله العظيم، فإذا وجدتهم لا ينفقون إلا الخسيس من أموالهم وأحيانا حتى الخسيس منه لا يهون عليهم، وإذا لا يمنحون إلا القليل من جهدهم ونصحهم ورايتهم قد نالوا أكثر مما اعطوا، وأحالوا عجزهم وفاقتهم ^لى حيل غيرهم هربا من الاعتراف بتقصيرهم فأعلم أنهم لا يخشون الله إنما هم يخشون هروب الدنيا من أيديهم.
لا فرق بين من له لحية أو أثرة من سجود، ولا لمن يقول هذا مال أبي ورثه عن الجدود، إنما أنظر إلى مدى تطبيقهم لكلام رب الوجود، ولهذا لن تقوم الدولة بهم فهم دائها واختفاءهم دواءها، هؤلاء يبيعون قبل المساومة ويستسلمون لأول امتحان ودون مقاومة.
سأقول لك قصة في هذا السياق لعلها تنير لك الطريق لفهم ما أريد إيصاله إليك، قلت، تفضل، قال، أصابت قوم محنة ومجاعة فأرسلوا رجلين منهم ليشتروا لهم كمية من التمر يسدون به رمقهم، كانت المجاعة شديدة والفاقة كبيرة ولم يكن للقوم ما يملكونه سوى ما جمعوه ثمنا لهذا التمر وأخذوا يوصونهما بضرورة المحافظة على المال وسرعة الإنجاز وجودة البضاعة، ذهب الرجلان باتجاه سوق إحدى البلدات البعيدة وفي الطريق قالا لبعضهما، هذا المال لنا فيه حق ويجب أن نأكل منه ونشرب ولا بأس بشيء من اللعب، وعندما وصلا إلى السوق وجدا أن المال الذي بأيديهما لا يكفي لشراء الكمية المتفق عليها مع أهلهم وذويهم فقد نقص جراء ما أنفقوه على أكلهم وشربهم وعبثهم، ماذا سيفعلون، رأهم أحد الشطار على هذا الحال فأشار عليهم بخبث أن يأخذوا صنفين من التمر أحدهم جيد والآخر رديء حتى يعوضوا الفارق، وإلا لن يكون بمقدورهم مواجهة أهاليهم الجوعى الذين منحوهم الثقة، وهكذا رجعوا إلى أهليهم مسرورين بإنجاز المهمة وعندما استقبلوهم الأهالي، أخذوا مجموعة من المتنفذين جانبا وصارحوهم قائلين، لقد جئنا بصنفين، جيد وهو لكم ورديء وهو لبقية الأهالي حتى يمكننا أن نغطي العجز الذي حصل، عقد الرجلان والمتنفذين اجتماعا بالأهالي وقالوا لهم، إن التمر الذي جاؤوا به جيد وبالتالي منعا للعين والحسد فإنهم قرروا ألا يكون أكله إلا ليلا.
وهكذا استفردوا هم بالتمر الجيد ومرروا الرديء للأهالي مستعينين بالظلام وحلكته كي لا ينكشف المستور، هل فهمت القصة يا بني؟؟، قلت له، فهمتها، رمقني بنظرة فاحصة وقال، هل عرفت لماذا رجع الرجلان إلى موطنهما وأهليهما بعد أن فعلا ما فعلا، قلت له، لم أفهم، قال الشيخ وهو يذهب مودعا، يجب ألا تفهم لأنك مقيد، كن حرا أولا لكي تفهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً