الإسلام دين الله الذي أنزله رحمة للعالمين كاملا متكاملا في منظومته العقائدية والقيمية تبيانا لكل ما يحتاجه الإنسان ماديا وروحيا وعالج كل العلاقات التي في الحياة بتنظيمها سواء كان ذلك بتشريع مباشر بالنصوص أو أنه أتاح استنباط الأحكام من خلال النصوص والقواعد الفقهية الكلية ومن خلال مقاصد الشريعة فصار لزاما وامتثالا التمسك بالشريعة باعتبارها مصدرا للتشريع ومصدرا لكل القوانين.
إن النظم والقوانين في عمومها غايتها حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض فغاية الدين عبادة الله أولا ثم الرقي بالإنسان مدارج السمو بالأخلاق الفاضلة وأن يحرص على سلامة العلاقات في المجتمع وأن ينتصر لقيم الحرية والعدالة والمساواة والإحسان والرحمة وأن يمنع الفواحش والرذائل والبغي والظلم والموبقات وكل ما يخل بسلامة المجتمع وأمنه وهي في حقيقتها قيم إنسانية مطلقة وهي المعاني الحضارية السامية.
الناظر بغير علم أن أحكام الإسلام إنما هي الحدود وهي بالتأكيد ركن مهم يحفظ سلامة المجتمع لا شك أنه محدود النظر فهي نقطة من بحر الأحكام الشرعية فالإسلام في أهم أولوياته كرامة المجتمع المسلم وحريته وحفظ حقوقه من الغير وأولهم الحاكم الظالم وكذلك الحرص على العدل والمساواة وحفظ حقوق الناس جميعا وأولهم الوالدين والأقارب وحتى أهل الذمة حافظ على حقوقهم وقدس العمل والكسب الحلال ونظم العلاقات الاجتماعية من زواج وطلاق ونظام محكم للإرث ونزه المعاملات المالية ورفع من شأن المرأة وحافظ على حقوقها وعظم من شأن القضاء وجعل حقوقا للفقراء والأيتام وحتى الغارمين ورتب على كل ذلك إلزاما ومسؤوليات.
كم هو عجيب أن تتصاعد بعض الأصوات ممن يدعون الإسلام لرفض وجود الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع وربما كان ذلك قصورا في فهم ما تعنيه الشريعة ومدلولاتها فالبعض ربما بسبب دراسته تاريخ الصراع بين الكنيسة والعلماء في أوروبا انطبع في عقولهم توصيفا خاطئا للإسلام خاصة أن بعض أولئك ممن درسوا في الغرب على يد المستشرقين فأوغلوا عقولهم ضد الدين بتهم باطلة.
ولقد حاول بعضهم الخلط ربما بين الدولة المدنية بمفاهيمها الواسعة والتي تتميز بالتسامح واستيعاب المختلفين واحترام الشرائع والقيم والدولة العلمانية المعادية للدين بالمطلق والتي ترفض الدين وتفصله عن الحياة العامة فالبعض يضع الإسلام وشرائعه في مواجهة الدولة العلمانية تحت عناوين الدولة المدنية وذلك ظلم متعمد وتلبيس على الناس وتزييف لوعي المجتمع للتشكيك في عقائدهم.
فالدولة الإسلامية هي دولة مدنية في هيكلها وشكلها فالكثير من الفقهاء يعتبر أن الإمامة من مباحث الفروع ولذلك هي تحت النظر الفقهي المتجدد والذي لا يتوقف أبدا بل ينظر حال المسلمين ومصالحهم ودفع المفاسد عنهم ومراعاة حقوقهم وواقعهم تحت مظلة النصوص والقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية والتي جعلها الله رحمة وخيرا للناس جميعا فليس بالإسلام حاكم باسم الإله فيبتدع أحكاما من عنده باعتباره منزه بل تقيده الأحكام ومصالح المسلمين ويمكن الخروج عليه وعزله بشروط تضمن سلامة المجتمع فمصدر السيادة والتشريع هو الشريعة ولكن مصدر السلطات هو الشعب.
إن الخلط المتعمد بين الدولة المدنية والتي تمثلها قيم الإسلام والدولة العلمانية المعادية للدين هو خلط متعمد وهو امتداد لحرب قديمة ضد الإسلام لعل الحروب الصليبية إحدى محطاتها وما تلاها من محاولات للتنصير وكيد المستشرقين وماساهم به بعض أدعياء الإسلام من مستغربين ولعل هذه الحملة يقودها البعض ممن يدعون التنوير والحداثة ودعاة إفساد المرأة باسم تحريرها بل وبعضهم من طالب بالقنوات الإباحية ويطالبون علنا بأن يتخلى شعبنا المسلم عن شريعته وأن يتخلى عن قيم الدين وهو دينه وهويته وهو يتجسد في عقيدته القائمة وقيامه بكل شعائر الإسلام فلا ينقص ذلك إلا تجسيد ذلك وإثباته في دستور البلاد فالبعض منهم محدود العلم بالشريعة ولم يقرا مقالا لا عن الشريعة ولا حتى عن الإسلام بل ربما لا يعرف حتى أحكام الوضوء والصلاة كما أن البعض يشارك في حملة صليبية لإبعاد الناس عن دينهم بعلم أو بغير علم.
ما معنى أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع ذلك يعني اجتماع الوطن على تشريع رباني يمنع الفوضى في التشريع بثوابت تلزم الجميع وأيضا يمنع أن يصدر قانون أو لائحة تناقض أحكام الإسلام فقد استمرت الشريعة مصدرا للأحكام في الدستور السابق ولم تتوقف التشريعات ولم يحدث خلل قانوني فالشريعة لها أحكامها القطعية وهي واجبة النفاذ في المجتمع المسلم ولها أحكام ضنية واجتهادات هي تحت طائلة النقاش والاجتهاد والتوافق فهل يجوز لنا أن نقنن بالسماح بشرب الخمر أو السماح بممارسة البغاء أو السماح للمثليين بممارسة الشذوذ أو السماح بالإجهاض أو أن نمنع المرأة من لبس الحجاب وهو حق مدنيا لها وواجب شرعي.
أحكام الشريعة لها مصادرها وهي متدرجة ومتوالية من قرآن وسنة نبوية وإجماع وقياس واستحسان واستصحاب ومصالح مرسلة والعرف وشرع من قبلنا وأخيرا فإن الحكمة ضالة المؤمن إينما وجدها أخذها وهذه مسالك للحكم الشرعي وليس متاحا للجميع ذلك الاستنباط فله أهل التخصص وديدنهم الشورى ومراعاة مقاصد الإسلام فلن تمنع الشريعة صدور قانونا للمرور كما يدعي البعض وصحيح أنك لن تجد القرآن أو المصادر الأخرى تتحدث عن قانون المرور ولكن ستجد مصالح المسلمين المعتبرة تدلل على ذلك أما ما استشهد به بعضهم عن قانون الرياضة فلن تقف الشريعة إلا مشجعة على ممارسة الرياضة ولكن لن يسمح وفقا للشرع وحتى لأعراف المجتمع وقيمه أن تمارس النساء السباحة والتنس الأرضي بملابس خادشة للحياء وقلة الأدب فتلك لا علاقة لها بالرياضة تلك مسألة أخلاق ليس إلا والسؤال الهام ماذا ستصنع الشريعة من عوائق للمجتمع في تشريعاته وهو المجتمع المسلم المؤمن والذي يتميز باستقرار عقائده وموروثه الفقهي وأعرافه المستمدة من الإسلام.
إن الشريعة الإسلامية تهدف إلى بناء المجتمع وفقا للقيم الإنسانية الفطرية ووفقا للقيم الأخلاقية الفاضلة وبناء مجتمع متكافل متضامن ينتشر فيه التسامح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر التعليم والتربية ووسائل الإعلام المختلفة وبناء مجتمع يأمن فيه الإنسان على نفسه وأهله ويزدهر فيه المستقبل له ولأبنائه جيلا بعد جيل.
البعض يرى ويسمع الإسلام عبر ترهات المتطرفين وشطحاتهم فأولئك صوت شاذ لن يمنعنا من التمسك بالشريعة فهم لا مكان لهم في مجتمع متماسك يلتزم بأصول دينه الذي انزله الله رحمة للعالمين.
فليكن صوتنا عاليا نعم للشريعة الإسلامية ونعم لأحكامها ودعوة صادقة لمن لا يعرف الشريعة ليتعلم وليتعلم فذاك دين الله وكفى به قولا وكفى به شرعا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً