يقول العرب رحم الله امرئ عرف قدر نفسه ووقف دونه، إن معرفة المرء لقدراته وإمكانياته لأمر في غاية الأهمية خاصة لمجتمعاتنا العربية لأن ذلك يجنّب المجتمعات والدول شرٌّ كبيرٌ مستطير نعانيه اليوم وفي المقابل يجلب لها خيرٌ كثير ونرى ذلك بوضوح في مجتمعاتنا ودولنا لأن الدول أفرادا ومجتمعات فإذا تقلد من ليس لديه قدرات ولا تمكنّه إمكانياته المحدودة من تقلد منصبا سياسيا أو اقتصاديا أو حتى اجتماعيا بكل تأكيد ستكون النتائج كارثية على المؤسسة التي يقودها وستصل نتائجه الوخيمة الأفراد والدولة عامة لأن هذا المسؤول ببساطة هذه هي قدراته المحدودة فلا يستطيع أداءً أفضل مما فعل لأن فاقد الشيء لا يعطيه فهو فاقد للقدرات فكيف لنا أن نطلب منه فعل شيئ فوق طاقته وإمكانياته العقلية فهذا ضربٌ من المحال!.
وبالنظر لموضوعنا أعتقد أن مشكلتنا هي مشكلة أخلاقية فالذي يعرف أو لا يريد أن يعرف أن قدراته محدودة لن يلتفت إلى قصوره لأنه يرفض الاعتراف بهذا القصور جملة وتفصيلا فهو لا يريد أن يستمع لمن ينتقده ولا يريد أن يُصلح أو يحسّن من أدائه لأنه كما قلنا لا يستطيع والسبب هو ضعف قدراته أو حتى عدم وجودها في الأصل؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن يا تُرى أتى به إلى هذا المنصب أو ذاك إذاً؟! إن الذي أتى به لهذا المنصب هي مجموعة النظام أو النظم الإنسانية والإدارية الفاسدة المتجذرة والمتأصلة في مجتمعاتنا العربية.
وبشيء من التفصيل ينتشر ما يُعرف عندنا بالنسبة أو الرشوة التي على سبيل المثال يجب على رئيس شركة بناء أن يدفعها لمدير الإدارة المعنية بعطاءات تنفيذ عقود البناء بل ستجبر هذه الشركة لدفع النسبة أو الرشوة لأكثر من إدارة أو أكثر من موظف في وزارة الإسكان ويستمر هذا الدفع حتى بعد إرساء العطاء عليها وإلى ما بعد الانتهاء من البناء لتنال كامل مستحقاتها المالية فلنا أن نتخيل حجم المال الذي سيُدفع في هذه النسب والرشاوي وكل ذلك سيُحمّل على ميزانية الوزارة أي الميزانية العامة للدولة بل في بعض الأحيان يذهب الأمر إلى أسوء من هذا حيث يطلب المسؤول من صاحب شركة البناء بأن يضع في المستندات رقما ماليا أكبر بكثير من تكلفة المشروع ليتقاسم المسؤول هذا المبلغ الزائد مع صاحب الشركة، فأي فساد أخلاقي وإداري نعيشه؟؟!! ويمكن تعميم هذا المثال على بقية القطاعات من وزارات وشركات وهيئات حكومية!.
وما يحدث في المثال السابق في وزارة الإسكان يحدث في كل الوزارات لأننا نعيش وتتحكم فينا منظومة إنسانية لا أخلاق لها ومنظومة إدارية متهالكة فوزير الخارجية يقوم غالبا (مع بعض الاستثناءات) بتعيين أصحابه وأهله وأهل وأصحاب أعضاء الوزارة وأهل وأصحاب رئيس الوزارة وأهل وأصحاب رئيس الدولة أو الملك أو الأمير فهذه المنظومة الإنسانية والإدارية الفاسدة مترابطة قوية تبدأ من أقل مسؤول وتنتهي بالرئيس أو الملك تعمل لتحقيق مصالحها بأي وسيلة وتحارب من يفكر أو يحاول القيام بشيء من الإصلاح وتستعمل في حربها ضد الإصلاح كل ما لديها من المكر والخداع والمكائد إلى السجن والتعذيب وحتى القتل لأنها تملك كل مقومات القوة المستمدة من نفوذها المالي والأمني الذي يسيطر على الدولة بأكملها عن طريق المنظومة الإنسانية والإدارية الفاسدة.
فما هو الحل يا ترى في ظل هذا التغلغل اللامحدود في مؤسساتنا ودولنا وقبل ذلك في نفوسنا وعقولنا الذي يظهر جليّا في أخلاقنا والذي ينخر ويدمّر مجتمعاتنا ودولنا؟؟؟ أرى أن الحل يكمن في تحديد أهداف طويلة المدى لا تتحقق بين عشيّة وضحاها وعلى رأس هذه الأهداف التربية الأخلاقية التي تبدأ بتربية النشء على القيم الأخلاقية واحترام القوانين لإيقاض ضمائرنا فالضمير الحي والأخلاق تعملا على تنمية عنصر مراقبة الفرد لنفسه فتصبح مراقبة ذاتية في كل شئ، وهذا ما نريد؟ أما على المدى القريب فيجب على من يرى في نفسه الأمانة والقوة والقدرة أن يتقدّم للمناصب ما أتيح له ذلك ولا عيب في ذلك بل هو واجب في هذا الوقت ففي كتاب الله قال يوسف عليه السلام لفرعون: “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” 55:12، وهذا يوضح أن يوسف عليه السلام حين رأى في نفسه الكفاءة والقدرة مع قوة التنفيذ طلب ذلك.
فهذا نداءٌ: بلادنا تحتاج لكل قوي أمين من أبنائها الأبرار لمحاربة المنظومة الأخلاقية والإدارية الفاسدة والنهوض بأمتنا كما تنهض الأمم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً