كلمات قالها الشاعر والحكيم الفذ أبو الطيب المتنبي رحمه الله: ذو العَقلِ يَشقى في النَّعيمِ بِعَقلِهِ***وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ، فصاحب العقل يتميز بمجموعة من القدرات التي تُميزه من حيث الإدراك والتصور والتقييم ثم اتخاذ القرار أو القرارات المناسبة للمواقف، كما يمكن أن ينعكس هذا التميّز على الأحاسيس والشعور. وفي ظل الظروف التي يعيشها ونعيشها في عالمنا العربي وفي ظل التكالبات الغربية والشرقية التي ما انفكت تقف منذ مئات السنين عن الكيد بدقة متناهية في جميع المجالات للسيطرة على الوطن العربي باستخدام الدراسات والبحوث والمعامل والمختصين والخبراء في مختلف التخصصات الإنسانية والتقنية منها بهدف تدمير المجتمع وتمزيقه إربا إربا دون هوادة متخذين في ذلك صور متعددة لا تحصى ولا تُعد.
ولعل أهم سلاح يشتغل عليه أعداء وطننا هو الإنسان تفكيره وسلوكه ويأتي على رأس الأمر إفساد دين الناس فإذا فسد الدين وانحرف تطبيقه وعاداه أهله من حيث الفهم السطحي والتطبيق الغبي فسد المجتمع بأسره. فالدين هو دستور حياة الفرد فكل دولة تحتاج لدستور وقانون يُحتكم إليه في الصغيرة والكبيرة في الحرب والسلم وفي كل شؤون الدولة فينظم حياة المجتمع من السير في الطرقات وتنظيم المركبات وكيفية ارتداء واستعمال الأماكن العامة إلى كيفية اختيار الحاكم وتحديد اختصاصاته وبينهما من الشؤون العامة في حياة الناس كثير وكذلك الفرد يحتاج لدين يحكم نفسه ويهذبها ويقويها ويريحها وينير لها الطريق في حالتي اليسر حين يكون الفرد متمتعا بما لديه من النعم الصحية والمادية والإجتماعية والنفسية كما يوجهه في الجانب الآخر من الحياة حين يمر الفرد بضائقة مالية أو اجتماعية أو نفسية حيث يضبط سلوك الفرد في مثل هذه الحالات الحرجة من حياة الإنسان وهو في أشد الحاجة لذلك فيعمل للعودة بالفرد إلى المستوى الفكري الطبيعي الإيجابي متغلبا على الجانب السلبي الذي عادة ما يطغى في مثل هذه الأوقات فيكون الفرد أكثر حاجة للضوابط السلوكية والإجتماعية حتى يستعيد التفكير والسلوك الإيجابي ومن ثمّ إستعادة حالة الشفاء في أسرع وقت ممكن.
يعد الدين عاملا أساسيا في الحياة الإيجابية للإنسان إذا ما فُهم وطُبّق بطريقة بسيطة سلسة دون إفراط أي مغالطات في أحكامه وفهم نصوصه وتطبيقه وأيضا دون تفريط لأحكامه ونصوصه وتطبيقه ويبدوا أن هذا الأمر مشكلة بالنسبة لمعتنقي الديانة الإسلامية أكثر من ذي قبل خاصة مع تطور نمط الحياة التي نتج عنها تعارضا وانقساما كبيرا في المجتمعات الإسلامية فكثرا ما نلاحظ في مجتمعاتنا كلا الحالتين حالة الإفراط والتفريط وليقترب الأمر من عقولنا نضرب بعضا من الأمثلة: ففي مسألة الإفراط على سبيل المثال تجد مسلم لا همّ له إلا الصلاة وفي أغلب الأوقات الحرص على القيام بها في المسجد وهذا لعمري أمر جيد محمود ولكنك تجد الشخص نفسه يمارس أعمالا وسلوكا منافيا لقيم الصلاة وجوهرها فهو لا يهتم بالعمل السلوكي الذي يرسّخ قيمة أساسية للصلاة، كما تجده غشّاشا في التعامل، حقود حسود للذين أنعم الله عليهم، همّازٌ نمّامٌ، وكما يقول المثل “لا يعجبه العجب ولا صيام في رجب” وغيرها من الأعمال السلوكية التي تتناقض وروح الصلاة، فالصلاة لا تقتصر على الحركات التي نقوم بها ولكنها معنىً روحيّا ساميا يعيشه المسلم ليقترب معه إلى معاني السكينة والإيجابية والإجتهاد وحسن المعاملة في الصلاة وفي كل عمل يومي يقوم به لذاته أو متصلاً بالآخرين كما يعلم المصلّي يقينا أنه مراقب من نفسه في لحظة من لحظات حياته قبل أن يكون مراقب من ربّه فيكمل عمله على أكمل وجه مع الحرص على عدم إذاء الآخرين بأي شكل من الأشكال. ولعل الحديث يطول، ولكن نكتفي بهذا ولننتقل إلى مثال التفريط.
في مسألة التفريط ستجد أناس لا يعيرون للدين اهتماما ويكاد يكون ليس للدين في حياتهم مكانا وترى ذلك في عدم اهتمامهم بأهم ركن فيه وهو الصلاة فإن صلّوا أخّروا صلاتهم وربما صلّوها جمعا في أخر يومهم ومنهم من لا يصلي أصلا، كما تجد هذه الفئة تمارس العديد من الأعمال السلوكية الخاطئة التي لا يقبلها الدين ولا العقل السليم مثل شرب الخمر والزنا كما تجدهم يقلّدون الغرب في أشياء تافهةً لا طائل ولا فائدة منها تؤخر المجتمع وتضرّه أكثر مما تنفعه وغيرها كثير، وغالبا ما يفقد هؤلآء الثقة بأنفسهم ومجتمعهم ودينهم فيتنصلون من كل ذلك فلا هُم تمسّكوا بدينهم مصدر عزتهم ولا بعادات وتقاليد مجتمعهم السمحة كمصدر من مصادر قوتهم واستقراراهم النفسي والإجتماعي، وبين ضياع الدين وعناء التفكير يعيش الأغبياء فلا عيش إلّا عيش من لا يعلمِ.
أختم قائلاً لن تقوم لهذه الأمة قائمة إلّا بدينها السمح الليّن القوي المتين فلا سقوط كما نرى بل صعودٌ محكمٌ جوانبه وفي ذات السياق كثير من الآيات المحكمات يبين لنا الله فيها أننا أمة وسطا ويدعونا إلى ذلك فالله خالقنا يقول في إحداها: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” البقرة:185، ويقول رسوله صلى الله عليه وسلم: “إن هذا الدين يسر”، وفي حديث آخر: “ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً”، فلا تفريط في ديننا مصدر عزتنا وتقدمنا والإنجرار وراء تقليد الأمم التي لا دين لها ولا غُلوّ في الدين بل اللين الذي لا يُضيّع الدين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً