منتشياً بكأس الربيع العربي انحاز السيسي للشعب ولجموع المتظاهرين في 30 يونيو ضد الرئيس مرسي، مُستنسخاً موقف سلفه “طنطاوي” عقب مظاهرات 25 يناير والذي أيضاً انحاز للشعب ضد مبارك. ولكن … من الذي يملك تصنيف حراك الشعوب؟ وكيف كان انحياز طنطاوي للمتظاهرين ثورةً وانحياز السيسي انقلاباً ..! وكيف سقطت أوهام المليونيات وأسطورة التحرير..!
فالشعوب ليست إلا مجاميع كومبارس في هذا الحراك … وليست هي من تقرر أو تملك حتى توصيف حراكها بأنه ثورة أو انقلاباً أو تمـــرد أو مجــرد حالة شغب شعبي. وليس أيضاً كم الرؤوس التي تجتمع في الساحات والميادين، ولا هدير هتافها وغضبها من يملك حق تغــيير الحكام واستبدال الزعماء. فقد كان عليه أن يعقد صفقته مع امبراطورية مردوخ بنسختيه العربية والاسترالية وصناع الثورات !
واهماً كان السيسي ومثله جموع المتظاهرين في 30 يونيو، ممن عولوا على استجابة القدر، فإن زماننا غير زمان الشابي والاقدار ليست هي ذاتها. فإن الربيع الذي لا يباركه الغـرب ميّت في مهده. وتمرد العالم الثالثي دون إذن لن يمــر بلا عقاب .. فإنهم لن يسمحوا لمصـر أن تُـغــير من قواعد اللعبة “الديمقراطية”؟ فما الذي يضمن بأن لا تظـــهر “تمــرد” في نسختها الأمريكية أو الفرنسية أو الألمانية أو البريطانية؟
ولذلك نصبوا للجيش المصري كمين رابعة … وبغض النظر عمن قتل وأحرق مؤيدي مرسي – وهي جريمة غير مبررة أي كان الفاعل- إلا أن الجيش المصري قد وقع في الفخ الذي وقع فيه أشقائه من الجيوش العربية .. ولم يكن غريبا أن يخرج راسموسن الأمين العام لحلف الناتو مندداً وأن يعــقـد أوباما مؤتمره على عجل محذراً من أن ثمة جيشاً قد أينعت رؤوس جنده وقادته وحان قطافها، وليعلن قطع المعونات التي تأسر مصـر. وأن نرى الغارديان تحذر من شبح ناصري جديد في مصر.
فإنه دومينو أسقاط الجيوش العربية، وجيش مصر أحد مصادر القلق بعد انهيار الجيش العراقي واستنزاف الجيش السوري والتحضير لضرب ما تبقى منه ولن يعدم الغرب الحجة… وقد حان استهداف الجيش المصري وسط حرب اعلامية شرسة تقودها امبراطورية “مردوخ العربي” وعلى رأسها شبكة الجزيرة القطرية صحبة الاعلام الغربي لتشويه الجيش المصري اخلاقياً والتشكيك بعقيدته ووطنيته كما فعلت بأسلافه من قبله بغية زعزعة ثقة الشارع المصري بجيشه والاستعداد لدفعه بمحرقة الاقتتال المصري المصري، للحاق بركب صوملة البدان العربية والاسلامية … فما ينبغي للجارة اللصيقة بإسرائيل أن يكون لها حتى شبه جيش “قــد” تُسوّل له نفسه أن يراوده حلم المواجهة أو الاصطدام بهذه الجارة الآمن أهلها والمُدلل جيشها مهما أوغل في الدماء العربية الرخيصة…!
وسيناريو ابادة الجيوش العربية لم يتوقف عند سيناء ومسلسل تصفية جنود وضباط الجيش المصري من قبل من يوصفون بالجهاديين. لتصحو تونس أيضاً على فاجعة مذبحة جبل الشعائبي للجنود التونسيين على يد الجهاديين وتوالي الاغتيالات الجماعية في اليمن ولعل آخرها حادثة تفجير حافلة الضباط اليمنيين ومقتل عدد منهم. وفي ليبيا ورغم انهيار مؤسسة الجيش تماماً وسيطرة المليشيات والعصابات المسلحة على مفاصل البلاد إلا أنه لا يكاد يمــر يوم في ليبيا إلا وتودع فيه أحد عناصر من تبقى من جيشها ضحية تفجير أو اغتيال مُتعمّد…!
لأن سيناريو الصوملة أو الأفغنة وحالة الانقسام والاقتتال العربي العربي وذبح المسلمين بعضهم بعضا ربما هو الرسالة “السامية” التي يعدنا بها دعاة الاسلام السياسي، والذين أصبحوا أدوات تنفيذ مشروع تفتيت الامة العربية والاسلامية في ظل سعيهم الدؤوب نحو محو مفهوم الدولة الوطنية وتدمير الجيوش الواحدة بعد الآخرى، ففي ظل حكمهم “الرشيد” أصبحت السودان الشقيق شطرين وتحت شعار الشرعية لم تتوانى حماس بإقتسام شطر مما تبقى من أشلاء فلسطين ليتحول الصراع فلسطينيا فلسطينياً، وفي مصر اليوم يعاد ذات السيناريو…!
فهل يعلم دعاة ومليشيات ما يسمى بـ “الاسلام السياسي” خطورة ما يجرونه على الأمة من خراب ودمار باسم الاسلام؟ وهل هذا الإقتتال والتناحر فيما بين المسلمين وتفرقة دينهم شيعاً وأحزاباً، هو الرسالة السامية التي يدعون حملها ..!! وقد تحول هذا الدين الحنيف – وهو منهم براء- إلى مجرد انتماء سياسي وأيديولوجي ومجرد سلعة وورقة انتخابية للاهثين خلف السلطة…!!
ولم يعد لديهم من عدو غير أبناء جلدتهم ولاشيء يعكر صفوهم غير الجيوش وقد أصبحت بوارج وطائرات الناتو وجيوش الغرب بالنسبة لإخواننا المسلمين هو الحـــل وهو المُنقذ الجاهــــز دائماً .. لتدمير جيوش بلدانهم الواحد تلو الآخر، ليتساقطوا تباعاً..! وربما في نظرهم أن البديل هو المليشيات والعصابات المسلحة وقد راقت لهم التجربة بدءا من لبنان والصومال وأفغانستان والعراق مروراً بليبيا وسوريا ومصر قريباً حتى تسقط آخر معاقل الجيوش العربية والاسلامية.
وهذا قطاف ربيعنا … أن تتحول الدول العربية إلى أشلاء تنهشها المليشيات المذهبية والطائفية والعصابات المسلحة، وكل طائفة ومذهب يتأبط سلاحه وعقيدة شوهاء متوهماً بأنه وحده من جاء بالحق المبين ووحدها فرقته الناجية وكل الباقين على ظلال وجب قتلهم. فهل هي حرب بالوكالة يخوضها الاسلاميون ضد الاسلام؟ ألم يفكروا بمن المستفيد من حرب الاسلام ضد الاسلام وقتل بعضنا بعضا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً