اجتاح المدينة إعصار دانيال وتسبب في مقتل وتشريد الآلاف، وهدم أحياء سكنية بكاملها، الكوارث الطبيعية لا يد منظورة للبشر فيها، ربما للتغيرات المناخية دور كبير، بسبب ثقب طبقة الأوزون الناتج عن الغازات المنبعثة عن المصانع الكيميائية بالدول الكبرى، السدود المقامة على الأنهار لتجنيب المدن القريبة منها خطر تدفقها تحتاج بصفة دورية إلى عمليات مراقبة وصيانة، لكن بلادنا وفي ظل التكالب على السلطة وإهدار المال العام بسبب عدم وجود الرقابة العامة (إدارية ومحاسبية) التي تحد من ذلك، فإن مسؤولينا لم يعيروا أي اهتمام لأي من المشاريع المقامة فتآكلت وبعضها لم يعد صالحا للصيانة، ناهيك عن عدم القيام بمشاريع جديدة.
لسنا هنا في صدد تحديد المسؤولية عن نتائج الإعصار، فبإمكان الأجهزة المختصة تحديد ذلك، ومعاقبة المقصرين منهم، ولكن هل ستقوم السلطات بمختلف مستوياتها بالتعويض عن الخسائر المادية وإيجاد البديل لها في أقرب الآجال، فالأموال متوفرة وبكثرة، والذي ينقص هو الإرادة الفاعلة القادرة على تخطي الأزمة في مدد زمنية، وتجنيب المواطن التشرد وانتظار المساعدات أو لنقل الهبات الخارجية، التي رغم أهميتها لن تفيء بالغرض.
الحكومتان اللتان تتقاسمان السلطة، لم تتحركان بالسرعة المطلوبة لتخفيف أثر النكبة، كما إنهما لم تقدمان ما يلزم من معونات إيوائية وغذائية رغم وجود بند للطوارئ بالميزانيات على مدى السنوات المختلفة، فهل تراكم المبلغ أم أنه تم إنفاقه في ما لا يعني على مشاريع وهمية؟، نتمنى أن يكون هناك بعض الاهتمام ببقية السدود حول مدينتي طرابلس وبنغازي وحمايتهما، لئلا تتكرر الكوارث، كما نأمل وضع حدا لارتفاع أسعار الكثير من السلع وخاصة الضرورية، فتجار الأزمات يجب ردعهم بقوانين صارمة، فهؤلاء دينهم بطونهم، وجل همهم هو ما يراكمونه من أموال في خزائنهم، ولا إنسانية لهم.
نكبة درنة والمناطق المجاورة أثبتت قوة اللحمة الوطنية للشعب الليبي، حيث أنه ورغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه، نجده يقوم بتسيير قوافل إغاثة للمناطق المنكوبة، وأنه في حل من الفتن التي يحاول الساسة وبعض رجال الدين خلقها وتأجيج سعيرها، وأن ليبيا المعاصرة وطن واحد، وقبائلها تنتشر على مدى رقعتها الجغرافية.
إن هذه الفزعة العفوية تدحض وبما لا يدع مجالا للشك، الرأي القائل بأن الشعب الليبي شعب هجين، غير متجانس، وأن العودة إلى الحكم الفدرالي لم يعد واردا، فالذين قاموا بتغيير دستور 51 (63 معدل) هم نواب ليبيون بالدرجة الأولى، ومضى على ذلك ستة عقود، فلم تعد هناك قيود للتنقل، فتشابكت المصالح والمصاهرة وهؤلاء الفدراليون نسوا أو تناسوا أن بعض سكان المنطقة الشرقية أصولهم من المنطقة الغربية والجنوبية، وأن القبائل أصبح لها امتداد جغرافي يصعب تجاهله، نعم للامركزية الإدارية، إدارة شؤون المناطق وتنميتها وفق احتياجاتها ومع ما يتناسب والميزانية المخصصة لذلك، على أن تبقى بعض الأشياء مركزية مثل السياسة الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والتخطيط العام.
ندرك أن المصاب جلل، لكن الهبة الشعبية خففت من وطأة الألم، وطن واحد، قد تختلف المشارب.. وتتعدد المسارب.. تظل الوجهة.. ليبيا.. رغم المحن، لا مكان لشذاذ الآفاق ومروجي الفتن.. لا جهوية لا مذاهب تكفيرية، سيتعافى الوطن.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً