ملَ الكاتب من الاسطوانة المشروخة لبعض خطباء الجمعة الذين لا يلتفتون لعذابات الناس في حياتهم اليومية ولا يلقون بالاً للواقع الذي يعيشونه وكل همهم هم نقل المستمعين من خلال خطبهم إلى إذاعة بعيدة عنهم بقرون ليعيشوهم وهم قصص معضلات العقيدة مع الجبرية، والجهمية، والشعية، والإسماعيلية والأشاعرة والمعتزلة أو فتاوى جدلية بشأن رؤية الله سبحانه وحقيقة أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟! ويختزلون همهم في الحياة الاجتماعية بالإطناب في الكلام عن تعدد الزوجات وحقهم في الزواج بالقاصرات واستهجان الاحتفال بالمولد النبوي والإصرار على رفض دفع زكاة الفطر نقداً !!!! بل المعضلة الأكبر عندهم حرمة كشف المرأة عن وجهها وخروجها من البيت وسماع الموسيقى من أكبر المبدعات!
الخطيب الواقعي:
وكم كانت فرحة الكاتب بسماع ما أعلنه الشيخ سليمان مادي أمس، بتاريخ 27 يوليو 2018 ، من منبر مسجد “مقّر”، أي الكبير، بقرية آت معان ببلدية يفرن عندما أعلنها صرخةً مدوية لا يمكن قبول التلاعب بحصص الناس من وقود الطهي “الغاز” أو البنزين على علم أهل يفرن! وأكد الخطيب على أنه ما يحصل هو جرائم اقتصادية لا تقل خطورة عن الجرائم الجنائية بل قد ترقى الى جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية!!! في هذا المقام يحاول الشيخ مادي أن يهول من حجم الجرم المرتكب في حق أهل بلدية يفرن لأنه يرى السكوت على هذا الاستغلال البشع للظروف التي تعيشها ليبيا وذلك بالإمعان في عذابات الناس بحجب حصصهم في الغاز والبنزين والدقيق والسلع التموينية ليستغنى شباب، بلا مسؤولية، في العشرينات من أعمارهم أصبحوا من أصحاب الملاين وملكوا الشقق بتونس ومصر وتركيا!!!
الخطوة الأولى من المجتمع المدني:
حسب فهم الكاتب لمضمون الخطبة تقع المسؤولية في البداية على المجتمع المدني والناس عموماً . فقد طالب الشيخ مادي بأن تقدم شكاوي تحمل توقيعات تعبر عن خوفهم في شرعنة الجرائم الاقتصادية التي ترتكب في حق أهل يفرن!!! وحمّلَ المسؤولية للمجلس البلدي بيفرن باعتباره المسؤول الأول مع مديرية أمن يفرن على ما يحدث من تجاوزات تمس قوت المواطن/ة وقد عبر الشيخ بقوله: “كيف يمكن قبول أن، يصل سعر قنينة غاز الطهي إلى 30 وأحيانا 40 دينار ومعظم المسئولين على علم بعمليات توزيع الغاز المشبوهة التي تتم بالليل؟؟؟!!!
المسؤول الأول المجلس البلدي ومديرية الأمن !
بالرغم من مطالبة خطيب الجمعة الناس بالمبادرة في وقف الجرائم الاقتصادية التي ترتكب ضدهم إلا أنه حمل المسؤولية للمجلس البلدي ومديرية الأمن بالدرجة الأولى وطالبهم بوقف هذه الخُروقات التي تقع في ناطق مسؤولياتهم وضمن حدودهم الإدارية. وأكد بأنه سيكون غير مشرفا للجميع بأن تُوصف وتُصنف يفرن من المدن الراعية للجرائم الاقتصادية. وحاول الشيخ مادي إفهام الجميع بأنه لو استفحل الأمر و صنفت يفرن كمدينة راعية للجرائم الاقتصادية ستقع المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق المجلس البلدي ومديرية الأمن بيفرن. ويضيف الكاتب في هذا الخصوص بأن أعداد الموظفين بالجهاز الإداري للمجلس أو بالقطاعات التابعة له من تعليم وصحى واقتصاد وزراعة وغيرها من القطاعات الأخرى يُعدوا بالألآف إلا ان لعنة الغياب عن العمل باتت سمة جميع موظفيّ ليبيا وبات التنافس بين البلدات في تكديس الموظفين والجري وراء تعينات جديدة هي الانجازات التي يطمحون لها دون الاكتراث إلى التأكد من قيام الموظفين بأعمالهم وواجباتهم.
إحاطة الوزراء المسئولين علماً بالتهريب:
مع علم الكاتب بأن جميع المسؤولين في ليبيا على علم بما يحصل من تهريب للسلع الضرورية وما يرتكب من جرائم اقتصادية في حق الناس إلا أنه أكبر في الخطيب سليمان مادي طلبه من المجلس البلدي أو مديرية الأمن عدم الهروب من مسؤلياتهم. ففي حال فشلهم في وقف تهريب الحاجات الضرورية لأهل يفرن من وقود طهي (غاز) وبنزين ودقيق وسلع غذائية فعليهم تقديم مذكرات للوزراء المعنيين في العدل والداخلية والاقتصاد وحتى الدفاع يطالبون فيها تدخلهم الفوري لوقف هذه المهازل والتلاعب بقوت أهل يفرن..و مع أن الكاتب يتفق مع الشيخ مادي في ايجاد عذر احيانا لمجالس البلدية ومديريات الأمن في عدم تمكنهم من السيطرة على أوضاعهم الاقتصادية نتيجة التهريب الجائر لكنه في نفس الوقت يقيد ذلك بشرط أن يتم الاتصال بالجهات العليا المتمثلة في وزراء الداخلية والعدل والاقتصاد لأخلاء ذمتهم!
من حق سكان أي بلدية ابعاد تهمة قبولهم لأي جرائم اقتصادية في نطاق بلديتهم وهذا بالطبع لن يتأتى بالكلام فقط ولكن يحتاج لأفعال حقيقية على الأرض! ويظل أخر حل بعد المذكرات مقاطعة صلاة الجمعة لما فيها من كسر للمألوف وتمرد على سلطة الدولة التي عليها أن تنصت لنبض الشارع من خلال الخطب التي تلامس الواقع وتتحسس ألآم الناس وآهاتهم! لا بتخديرهم بمسائل غيبية وإشكاليات عقائدية لا نجد لها في الواقع أي مكان، أو طرح عادات لمجتمعات غريبة وإسقاطها على حياتنا المعاصرة وإلباسها ثوب الدين وفتاوى غريبة!
كلمة أخيرة:
ما يحدث في يفرن ينسحب تقريبا على جميع البلديات وتقاعص البلديات ومديريات الأمن في القيام بواجباتهم ساعد على تفاقم مشاكل تهريب الغاز والبنزين والسلع الغذائية وشجع الشباب غير المسؤول في امتهان التهريب لما فيه من كسب سريع! وما يقوم به خطيب مسجد “مقِّر” من دعوة لمواجهة ظاهرة التهريب التي باتت تزعج الناس بتقديم شكاوى لمجالس البلدية ومديريات الأمن أو تصعيد الأمر لحدود مقاطعة صلاة الجمعة بالمساجد لشد انتباه الجميع بالداخل والخارج وتبرئة مدنهم من جرائم اقتصادية مخزية!!!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً