نشر موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء اليوم الأربعاء، خطاب توديع من المبعوث الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيش.
وكان المبعوث الأممي يان كوبيش، قدم استقالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 17 نوفمبر الماضي، ويوم 23 من الشهر ذاته، قَبِل غوتيريش الاستقالة، لكنها ستكون نافذة اعتبارا من 10 ديسمبر 2021.
وقدم المبعوث الأممي استقالته بصورة مفاجئة، بعد أقل من عام على تولي مهامه خلفاً للبناني غسان سلامة الذي استقال هو أيضاً من منصبه.
يُشار إلى أن كوبيش هو سابع مبعوث أممي حيث توالى على ليبيا 6 مبعوثين منذ عام 2011م.
وفيما يلي النص الكامل للخطاب:
الليبيون الأعزاء،
الزملاء الأعزاء في الأمم المتحدة،
مع اقتراب اليوم الأخير من عملي كمبعوث خاص للأمين العام، ورئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أود أن أعرب عن خالص امتناني للأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن على تحميلي أمانة هذا المنصب بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2542 (2020). وإنه لشرف لي العمل على مساعدة ليبيا في سيرها نحو الاستقرار والوحدة وتحقيق السيادة.
وأثناء فترة عملي، وبالبناء على الأسس التي وضعتها الإدارة السابقة، عملت على تقديم الدعم لليبيين لتحمل مسؤولية مصير بلادهم بأيديهم بدءاً من انعقاد جلسة موحدة لمجلس النواب بعد سنوات من الانقسام، تم خلالها منح الثقة للسلطة التنفيذية المؤقتة – أي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية التي انبثقت عن ملتقى الحوار السياسي الليبي. وإنه لشرف لي أن أقدم الدعم لليبيا وأرافقها لتولي القيادة وزمام الأمور ومسؤولية البلاد على النحو الذي تجسد بوضوح في مشاركة ليبيا كشريك يتمتع بالسيادة أسوة بغيره في المنابر الدولية الحساسة، وتحديداً في مؤتمر برلين الثاني ومؤتمر باريس اللذين عقدا مؤخراً، وفي انعقاد أول اجتماع دولي كبير داخل ليبيا منذ اندلاع الأزمة وذلك في شهر أكتوبر المنصرم لمتابعة مبادرة دعم استقرار ليبيا بقيادة وملكية ليبية.
وخلال فترة ولايتي، وبدعم من البعثة والمجتمع الدولي، عملت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بخطى ثابتة استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية للبدء بعملية الاقتراع في 24 ديسمبر 2021، حسبما نصت عليه خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي وكذلك قراري مجلس الأمن 2570 و2571 بالإضافة إلى خلاصات مؤتمر برلين الثاني ومؤتمر باريس. إن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشاملة والحرة والنزيهة في موعدها أمر بالغ الأهمية للخروج من دوامة الانتقال السياسي التي طال أمدها والعودة إلى الشرعية الديمقراطية والشروع في بناء دولة تعمها الوحدة والازدهار والسيادة الحقيقية وإنهاء التدخلات الأجنبية. فالغالبية الساحقة من الشعب الليبي تريد الانتخابات، بينما العديد منهم تساوره شكوك طبيعية ومخاوف وخوف من المجهول، مع احتدام التنافس السياسي الشرس والمتعنت في بعض الأحيان وتحوله إلى نزاع. ومع كل المخاطر والتحديات وما يرافقها من أخطاء ومثالب فنية وإجرائية علاوة على الظروف غير المثالية، إلا أنه لا ينبغي تفويت هذه الفرصة لتكون نقطة البدء لمستقبل ديمقراطي جديد لليبيا. قد لا تكون هذه الانتخابات الحل لجميع المشاكل التي تعاني منها ليبيا، إلا أنها خطوة غاية في الأهمية تفسح المجال أمام الحلول المستقبلية بما في ذلك افساح المجال لوضع دستور دائم. كما أنها تفتح الطريق أمام الخروج من حالة الانقسام والشقاق والشلل والاختلال الوظيفي الذي ألمّ بالمؤسسات التي تعوزها سلطة حقيقية- مما يجعلها أرضاً خصبة للتدخل الأجنبي، الأمر الذي زاد من تفاقم المشاكل وإدامة الوضع الراهن. ومن هذا المقام، أناشد جميع الليبيين أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع وأن يدلوا بأصواتهم للمرشحين القادرين على ضمان الوحدة والاستقرار والسيادة القائمة على المصالحة الوطنية والعدالة والمساءلة والديمقراطية وسيادة القانون والحكم الرشيد. كما أناشد جميع الناخبين الليبيين أن يمنحوا فرصاً أكبر للنساء والشباب.
إن العزوف عن الانتخابات والتعبئة ضدها لن يؤديا إلا إلى وضع مصير البلاد ومستقبلها تحت رحمة من في داخل ليبيا وداعميهم في الخارج من المستفيدين من الوضع الراهن المنهِك الذي لا يطاق ومن الشلل والتشرذم والضعف والتمزق الذي أصاب البلاد بسبب الصراعات ومن زعزعة الاستقرار في المنطقة ويفضلون سطوة السلاح على سلطة صناديق الاقتراع.
وعلى الصعيد الأمني، أود أن أعرب عن تقديري العميق للجهود التي بذلتها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والتي كانت مثالاً يحتذى به في العزيمة وعلى عملها المضني من أجل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار واستمراره. فقد أفضت جهود أعضاء اللجنة الدؤوبة بدعم من البعثة إلى إعادة فتح الطريق الساحلي بين مصراتة وسرت، مما ساعد على تسهيل تنقلات الليبيين في جميع أنحاء البلاد، وما ترتبت عليه من نتائج إيجابية على حياة الأهالي واستقرارهم على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والإنساني. كما تم تنفيذ العديد من تدابير بناء الثقة، بدءاً من تبادل المحتجزين إلى استئناف جميع الرحلات الجوية بين جميع مناطق ليبيا. وقد تشرفت بتيسير اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف في أكتوبر الماضي والتي أسفرت عن الاتفاق على خطة عمل لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا بشكل متزامن وتدريجي ومتسلسل ومتوازن. وتأتي هذه الخطة في اتساق مع اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 أكتوبر 2020 وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2570 و2571 (2021) وتهيئ الطريق للمراحل الأولية لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب كخطوات أولى نحو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ومواصلةً للتقدم المحرز في خطة العمل، يسرت البعثة اجتماعات اللجنة المشتركة (5+5) مع دول الجوار (تشاد والنيجر والسودان) التي احتضنتها جمهورية مصر العربية في القاهرة، وتم خلالها الاتفاق على مفهوم آلية التنسيق، فضلاً عن عقد اجتماعات مع الاتحاد الأفريقي في تونس العاصمة وعقد اجتماعات تنسيقية في أنقرة وموسكو. ومن هذا المقام، أحيي الروح الوطنية والتفاني والمهنية التي تحلت بها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) إذ كان شرفاً عظيماً لي أن أعمل عن كثب مع أعضائها.
لطالما كان توحيد المؤسسات الليبية وسلاسة أدائها في صميم الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والوحدة لليبيا. ففي المجال الاقتصادي، عملنا على دعم إكمال تقرير المراجعة المالية لفرعي مصرف ليبيا المركزي، والذي وفر المعلومات والتوصيات اللازمة للشروع في عملية التوحيد واستعادة نزاهة مصرف ليبيا المركزي وإضفاء المزيد من الشفافية على عمله. وسيقوم المصرف المركزي قريباً باتخاذ خطوات جادة وملموسة نحو توحيد هذه المؤسسة المالية. كما عملنا على تأييد استقلالية ونزاهة المؤسسة الوطنية للنفط نظراً للدور الحيوي الذي يضطلع به قطاع النفط في اقتصاد ليبيا ورفاه شعبها.
ومن خلال المشاورات المستمرة مع السلطات الليبية، سعت البعثة ووكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها المعنية لأن تركز اهتمامها على حقوق الإنسان والاحتياجات الإنسانية لليبيين، بل والمهاجرين واللاجئين كذلك. ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، فضلاً عن المشاكل الجسيمة التي يتعين معالجتها، غير إن العمل في ليبيا بروح من الشراكة واتباع مبادئ وقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني قد أكسبنا أيضاً بعض الخبرات الإيجابية التي يمكن البناء عليها بالتعاون مع شركائنا التقليديين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي.
وأخيراً، أود أن أشكر جميع الليبيين، وكذلك قادة البلاد وسلطاته ومؤسساته على ترحيبهم بي لمرافقة ليبيا ودعمها خلال هذه المرحلة الفارقة من تاريخها. كما أود أن أشكر أسرة الأمم المتحدة في ليبيا على جهودها لدعم إحلال السلام والاستقرار ووحدة ورخاء ليبيا وشعبها.
مع الأسف، توصلت إلى أنه ولأسباب مهنية وشخصية كان من الضروري أن أتنحى عن واجباتي كمبعوث خاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة، متمنياً كل التوفيق للمستشارة الخاصة للأمين العام الم بشأن ليبيا، المعينة حديثًا، السيدة ستيفاني وليامز. وما يزال الكثير من الأمل يحدوني في أن يتحلى الشعب الليبي والسلطات الليبية بالحكمة لمواصلة عملية التحول السياسي متعددة المسارات والسير بليبيا نحو الازدهار كدولة مستقرة وموحدة وذات سيادة بدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموماً، بما في ذلك المنظمات الدولية والإقليمية ولا سيما الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
بارك الله بليبيا وشعبها.
اترك تعليقاً