دعت الباحثة والخبيرة في الدراسات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، الأستاذة حميدة رمضان الجمل، إلى ضرورة توفير المناخ المناسب للاستثمار في الداخل الليبي، والعمل على إزالة العقبات الأساسية التي تواجه هذا الاستثمار؛ الإدارية منها، أو المالية، أو الاقتصادية، أو القانونية كذلك.
ولفتت الجمل في مقال لها أنها قد استلهمت حديثها عن الاستثمار الداخلي من حديث نُشر في صحيفة القدس العربي اللندنية للسيد مصطفى أبو فناس الرئيس الحالي لمجلس إدارة محفظة ليبيا إفريقيا للاستثمار، وهو الحوار الذي شدد فيه بحكم خبرته الاقتصادية الواسعة، وسابق عمله كوزير للاقتصاد الليبي على “أهمية استثمار أموال المحفظة في الداخل؛ نظرًا لما تتمتع به ليبيا من موقع جغرافي متميز، وما تمتاز به من إمكانات وموارد”، مشيرًا إلى أن النتائج الإيجابية الملموسة التي بدأت في الظهور تباعًا نتيجةً لتبني تلك السياسة الجديدة في المحفظة هي ما قد دفعته لدعوة الدولة للاهتمام بالاستثمار الداخلي الذي يُعد على حد وصفه بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الليبي؛ خاصةً بعد التحولات الكبيرة في موازين القوى الاقتصادية العالمية، والتحول نحو الأسواق الناشئة.
وقدمت الجمل استنادًا إلى خبرتها العلمية والبحثية العميقة وصفة أكاديمية ذات ثقل، من شأن تطبيقها تشجيع الاستثمار الداخلي، وتنشيط الاقتصاد الليبي الذي يعاني جراحًا غائرة تراكمت عبر سنوات الأزمة السياسية في البلاد.
ورأت الجمل أن خيار الاستثمار الداخلي في ليبيا تفرضه عنوة العقبات التي تواجه الاستثمار في الخارج، وتكالب بعض الدول على أموال مؤسسة الاستثمار الليبية؛ مما يجعل الاستثمار في الداخل حلاً عقلانيًا لمواجهة ذلك، ووسيلة لاستعادة الاتزان.
وأشارت إلى أن إنجاح عملية الاستثمار بالداخل يتطلب إعطاء دور للمصارف التجارية في زيادة معدلات التنمية الاقتصادية من خلال التوسع في الاستثمار، منوهة إلى أهمية الاستقرار السياسي والأمني كعامل أساسي لا يمكن الغنى عنه.
وبحسب الجمل؛ فإن التخطيط السليم لسياسات الاستثمار الداخلي يتطلب توفير قاعدة بيانات شاملة وجامعة، تضمن معرفة دقيقة لمكونات وحجم السوق المحلي، ونسب البطالة، ومعدلات الأسعار، وموارد للاقتصاد الليبي، بالإضافة لإجمالي الناتج المحلي، وكذلك متوسط نصيب الفرد من ذلك الناتج، وحجم التوسع الحكومي في الإنفاق على البنية التحتية؛ كالطرق والمواصلات والاتصالات.
ونوهت خبيرة الدراسات الاستراتيجية إلى أن التوجه لتنويع مصادر الإيرادات العامة يُعد ركيزة يمكن الارتكان إليها في تحديد خطة الاستثمار، كما أشارت إلى ضرورة وضع الجهاز الضريبي في الحسبان كشرط أساسي لضمان استدامة تلك الخطة، وألقت الضوء على وجوب الاهتمام بالقطاع المصرفي الذي يعد دعامة أساسية لبناء أي اقتصاد حر؛ مُعتبرة أن بنية القطاع المصرفي الليبي “بصيغتها الحالية” تُكبل المصارف بالكثير من القيود الرقابية والإدارية دون جدوى فعالة.
ثم عادت وجددت التأكيد على أهمية الاستقرار السياسي والأمني؛ مُوضحة أن المستثمرين في حاجة إلى بيئة آمنة ومستقرة تضمن مستقبل أنشطتهم، كما شددت على ضرورة تفعيل سوق الأوراق المالیة؛ حتى يُفسح المجال للنشاط المالي، وما لذلك من أثر إيجابي في دفع وتوسع الاستثمارات في مختلف القطاعات.
وفي سياق مقالها، عرجت الجمل على عدة نقاط رئيسية من الضروري الالتفات إليها لدفع عجلة الاستثمار الداخلي؛ منها التوجه الصادق نحو تحقيق تنمية بشرية فعالة تعتمد على التعليم النوعي الذي اعتبرته هو الأساس لخلق كوادر قادرة على تطوير القطاع الاقتصادي، وكذلك الحاجة لمراجعة التشريعات والقوانين المُتعلقة بالاستثمار المحلي والأجنبي، للتأكد من تركيزها على إيجاد خطط واضحة وشاملة لبرامج الاهتمام بالاستثمار بعيدًا عن منطق الجباية.
كما استعرضت المحاولات التي تناولت ملف الاستثمار في ليبيا مثل “استراتيجيات ورؤية ليبيا 2040” المُعدة من قبل مجلس التخطيط الوطني، وكذلك رؤية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للفترة ما بين 2019-2020، لافتة إلى أن جميع هذه المحاولات شابها القصور وبعيدة عن أرض الواقع؛ لكونها وضعت التركيز على مجالات محدودة دون قراءة عميقة ومُفصلة للتحديات والمشاكل الحقيقية بالداخل الليبي، علاوة على غياب التنسيق بين الجهات المعنية بملف الاستثمار.
وقد أكدت أن السبيل لمواجهة تلك التحديات التي تواجهها الدولة الليبية يتطلب العمل على حوار مجتمعي فعال وشامل لكل أطياف المجتمع الليبي، ويتناول أهم الموضوعات التي يجب مُعالجتها بموضوعية؛ وخاصةً المُلحة منها مثل “محاربة الجريمة في القطاع المصرفي، ومكافحة تهريب السلع والبشر والوقود”، وضرورة وضع آليات وحلول لمشكلة فروقات سعر الصرف بين السوق الرسمية والموازية لها، وكذلك حتمية مواجهة الفساد المنتشر في كل مفاصل الدولة.
وفي ختام مقالها، عددت الباحثة الجمل أهم معوقات الاستثمار في ليبيا؛ ومنها عدم تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وغياب الخطط الواضحة لبرامج التنمية، وضعف التشريعات واللوائح المنظمة للاستثمار، وكذلك نُدرة المزايا والإعفاءات الضريبية، بالإضافة لتعقيدات الإجراءات الإدارية، وافتقاد التمويل اللازم لتكوين المشروعات، وضعف المؤسسات المصرفية التي تقع ضحية لغياب الخارطة الاستثمارية وهشاشة الضمانات الكافية للسلامة.
اترك تعليقاً