إذا افترضنا أن رياح التغيير لم تصل الي المنطقة العربية، وبقى المستبدون في مواقعهم، وما سقط بن علي ومبارك، ومضى يوم 17 فبراير 2011 كغيره من الايام، مثل اليوم الذي قبله وكل الأيام التي سبقته، مضي مثلما مضي 17 فبراير 2010، و17 فبراير 2009، إذ ليس ثمة فارق في أيام جماهيرية القذافي، فكل يوم هونسخة مشابهة للأيام التي تسبق، نفس الروتين، نفسه الاحباط، الآمال نفسها، وإن بدأت تضمحل خلال الاعوام الاخيرة قبل الثورة.
بعد يوم 17 تتعاقب الأيام حتي نصل أواخر الشهر ليبدأ الاستعداد للاحتفال بذكرى “إعلان سلطة الشعب ومولد أول جماهيرية في التاريخ”، وهي الذكرى الذى ينتظرها الأمناء ورؤساء اللجان والرفاق وحركة اللجان الثورية ومن تبعهم بنفاق من المنتفعين والمستفيدين، ليعبروا عن ولائهم، ويواصلوا النهب والاختلاس من الميزانيات المرصودة للاحتفالات، وقد صارت لديهم خير لا يستهان بها في تزوير الفواتير وتضخيم ارقام المصروفات، وعلي سبيل المثال، القماشة البيضاء المكتوب عليها احدى الشعارات ثمنها حسب ارقام فواتير المصرفات لا يقل عن 50 دينار، والساندويتش العادي ب5دنانير وهكذا تتضاعف الاسعار عدة مرات لكل الخدمات والسلع والمصروفات، ويتقاسم الأمناء وأعوانهم والتجار الميزانيات من دون أي محاسبة اومراجعة، ولا حتى احتجاج أورفض. ولن يجدي البحث في التأثيرات السلبية اقتصاديا واجتماعيا لهذه الاجراءات والسلوكيات لأنها لا تمثل إلا جزءا يسيراً في منظومة الفساد، فما يصرف في احتفال القذافي بالوصول إلي السلطة في مستهل سبتمبر، أوالاحتفال الذي غير فيه اسمه من معمر الي سلطة الشعب، لا يشكل شيئا في المبالغ الضخمة التي تقدر بالمليارات وقد صرفت بسفه علي تكديس الأسلحة وشراء الذمم والولاءات ودعم حركات تمرد وعمليات ارهابية وأرصده في بنوك دولية ضاع اغلبها في متاهات حركة المال العالمية، فيما ينتظر الناس مرتبات هزلية اوائل الشهور، ويقفون في طوابير علي شبابيك المصارف لاستلامها وتسديد ما عليهم من ديون، قبل الاستدانة من جديد وانتظار مرتب آخر لتسديها وهكذا.
ومع اقتراب نهاية شهر فبراير وبداية مارس يبدأ الخطاب الإعلامي السمج المكرر عن الاحتفال بذكرى استلام الشعب للسلطة، وتعود الي واجهة النشرات حملة مكررة خالية من أي معني اوقيمة ( يحتفل الشعب العربي الليبي ومعه كافة احرار العالم بذكرى اعلان سلطة الشعب ومولد اول جماهرية في التاريخ، وبهذه المناسبة تلقي الأخ القائد مئات البرقيات والتهاني…. الخ) ولازلت حتي هذه اللحظة متحيرا في سبب إرسال التهنئة بالبرق (التلغراف)، رغم تطور وسائل الاتصال، إذ لم اسمع ان أحداً أرسل التهنئة عبر الفاكس اوالا يميل اوالسكايب اوغيرها من الوسائل الأفضل والاسرع من التلغراف، فاتفاق مرسلوالتهاني جميعهم علي استخدام البرقيات محير فعلا!
وبمناسبة الذكرى يجتمع مؤتمر الشعب العام ويوجه الدعوة الي الأخ القائد ليلقي كلمة للجماهير المحتاجة دائما لتوجيهاته وملاحظاته ونصحه حتي تترسخ التجربة الفريدة. وكالعادة يلتئم المؤتمر في 2 مارس ويجلس الأمناء منتظرين يترقبون وصول الأخ القائد، ولحظة دخوله تنفجر القاعة بالهتاف وتنطلق الحناجر بالقصائد والكلمات، يعقبها تصفيق وهدوء وترقب. ورغم فقدن الأمل أوانحساره في حدوث أي تغير، يمني الموطن نفسه بأي خطوة اوبادرة يلمح فيها تحسينا للأوضاع، ولكن مثل كل السنوات والاحتفالات الماضية، سيقول لهم القائد أن العالم يكابر الآن ولكن الازمات التي تعصف به ستدفعه الي النظام الجماهيري البديع، إنهم يحسدوننا علي الديموكراسي، وافلاس نظرياتهم واحتضار انظمتهم يؤكد أنه لا حل لهم إلا سلطة الشعب، ثم يطرح حلوله المبتكرة لبعض مشاكل العالم وربما يركز اكثر علي مشكلة كشمير ويقدم تصورا لحلها، بقسمتها مناصفة نصف للهند ونصف للباكستان (وفي اليوم التالي سيتصدر الحل النهائي الذي طرحه القائد الأممي كافة الصحف والنشرات، وسيشيد به الزعماء والسفراء وسلاطين أفريقيا…الخ) كما ستروج وسائل إعلام القذافي. وإلي الأمام ويغادر الأخ القائد القاعة مثل ما جاء بالهتاف والتصفيق والرقص، فيما يغادر المواطن في اليوم التالي مثقلا بكل احباطاته الي المصرف ليرى إن كان مرتب فبراير قد بات متاحاً . هل لدى أحد تصور اًخر عما سيجري إذا مضى 17 فبراير هادئاً من دون مظاهرات؟ هل كان ثمة أمل في أي مبادرة حقيقية للتغيير سيقدم عليها الدكتاتور؟ كل الأسباب لاندلاع الثورة كانت متوفرة رغم ما يظهره النظام من تماسك ومن قوة الأجهزة القمعية. ولكن لحظة تفجرها تبقى مجهولة لا يمكن التكهن بها . ويرى البعض أن عدم اندلاع الثورة وبقاء جماهرية القذافي في بكل مساوئه أفضل مما نحن فيه الآن من صراع وقتال .ولابأس من تمحيص هذه الفكرة وبحثها، فإذا ما صحت فسوف نندم علي الثورة ونعتبرها كارثة علي الشعب والوطن.
بما أنه لا أمل في أي تغيير أوتحسن لأوضاع البلاد والناس في حضن النظام الجماهيري البديع، وبما أن القائد الأممي لا يحكم لأن السلطة في يد الشعب، ولن يغادر موقعه لأنه لا يتولى أي منصب، ومهما طال عمر القائد الأممي فالنهاية حتما هي الموت بالشيخوخة. فالبقاء لله وحده. ما الذي سيحصل حين يموت الأممي علي فراشه كما يموت البعير وما في نفسه موضع إلا وبه آثار صفعة أوإهانة من المعارك الهائلة التي خاضها ضد اقوى دول العالم فلا نامت أعين الامبريالية والرجعية؟ المتوقع حتما هوالصراع بين ابنائه علي أنفس ما في تركته (موقعه)، ويعرف المقربون من خيمته، وحتى عامة الناس كانت تعرف، الصراع الخفي بين اثنين من أبنائه، لكل منهما أطماعه في خلافة والده، وبما أن كل منهما يحسب حساباً للآخر ويحذر من غدره، فليس من المتوقع نجاح أحدهما في القضاء علي غريمه سريعا بالاغتيال، وسيؤدي الصراع بينهم إلي انقسام العائلة والقبيلة ثم القبائل الحليفة وصولا إلي انقسام البلاد كلها. وسوف يندلع الصراع وتدخل البلاد في حرب طاحنة ربما أشد مما نشهد الآن، ولن يتمكن أحد من حسم الصراع ما يفتح الباب علي مصراعيه للتدخل الخارجي، مع احتمال انشطار البلاد جغرافيا وسياسياً الي دولتين.
ستكون الاوضاع اشبه بما جرى في نهاية حكم الأسرة القرمانلية حينما نشب الصراع علي السلطة بين ابني يوسف القرمانلي محمد وعلي، وتمزقت البلاد وتحت وطأة الصراع الذي لم ينته إلا بعودة الدولة العثمانية وتسلمها مقاليد حكم الإيالة بشكل مباشر من جديد. هل ثمة سيناريوآخر يمكن أن تمضي البلاد في مساره إذا لم تندلع الثورة؟ اتصور أننا كنا مقبلون علي سيناريواقتتال وحرب وصراع دموي علي السلطة بعد موت العقيد ربما أسوأ حتى من الصراع الحالي، لأنه ليس ثمة أفق واضح للمستقبل، فالقذافي لم يكن معنيا بالبلاد ومستقبلها بعد رحيله بقدر ما هومعني بتوطيد سلطة وحكمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
هذا كلام افتراضي ليس له أساس من الصحة والحقيقه انه كان هناك مشروع ليبيا الغد الذي يهدف لتطوير ليبيا علي كل المستويات الساسيه والاقتصاديه والاجتماعية بما فيها من اعداد دستور قد انجز منه اكثر من 80% وهناك برامج تنمويه تمثلت في اكثر من 222 مليار دولار واصبح هناك انفتاح كامل ومصالحه مع كل المعارضين واطلاق من هم في السجون وعودة المعارضين من الخارج وبعضهم تقلد مناصب ولكن ما أتت به فبراير دم دم دم وحرق حرق حرق وتدمير تدمير تدمير وانتقام انتقام انتقام وحقد حقد حقد … الخ