قامت مجموعات من سرايا ثوار تاجوراء خلال الأيام الماضية بالدخول إلى المجمع السكني الخاص بعائلة موسى كوسا وابنه الاصغر صخر وعائلات أشقائه وأبنائهم والسيطرة عليه احتجاجاً على ما قال البعض أنه إهمال لثوار هذه المنطقة رغم جهودهم الكبيرة في إنجاح الثورة وفي استقرار الاوضاع الأمنية بالمنطقة. وعندما دخل الثوار إلى المجمع السكني فوجئوا بالترف الذي كان واضحاً على المكان المحتوي على عدة منازل هي أشبه بالقصور والعديد من الصالات بالاضافة إلى صالة مجهزة بآلات رياضية حديثة و حوض جاكوزي وغرفة ساونا. و يحيط بالبيوت المفصولة عن بعضها بأسوار والتي تشترك كلها بمدخل رئيسي واحد عدة حدائق مزينة بالأشجار ونباتات الزينة.
وقد أعلن الثوار في وقت لاحق بعد أن صدمتهم مظاهر البذخ التي كان يعيشها سكان هذه القصور خاصةً وأنهم يعرفون أن أصحابها ينتمون في الأصل إلى أسرة فقيرة لم تكن تملك إلا القليل وتحصلت على ثرواتها من خلال خدمتها للطاغية واستغلالها لنفوذها, أعلنوا أنهم سيحافظون على هذه القصور كما هي وبكل ما تحتويه وطالبوا بتحويلها إلى مؤسسات تخدم أهالي المنطقة الذين عانوا التهميش والظلم طوال عقود حكم النظام السابق. وقد اقترح البعض تحويلها إلى مستشفى بينما اقترح البعض الأخر تحويلها إلى جامعة أو معهد أو مركز للأبحاث العلمية وهناك من ذهب إلى أن هذه القصور من الممكن تحويلها إلى متحف.
ومن المعلوم أن آل كوسا يمتلكون العديد من البيوت والمزارع في مناطق متفرقة من تاجوراء مما لا يجعلهم بدون مأوى إذا ما تم الانتفاع بهذا المجمع السكني.
شقيق موسى كوسا يشتكي والثوار يردون بالدليل
من جهة أخرى تقدم بلعيد كوسا الشقيق الاصغر لموسى كوسا والذي يمتلك بيتاً في المجمع السكني بالاضافة إلى بيت أخر بالقرب من بيت والدته يقال أنه مؤجر, تقدم بشكوى ضد الثوار متهماً إياهم بسرقة محتويات البيوت فما كان منهم إلا أن وجهوا الدعوة إلى من يرغب من الإعلاميين للقيام بالتصوير ونقل الحقيقة كما هي للجميع.
وقد علق البعض في هذا السياق بأن مقابلة الجميل بالجحود هي صفات ليست بالجديدة على آل كوسا الذين لديهم الاستعداد لخيانة أي كان مقابل مصالحهم. بينما قال أخرون بأن ما تمتلكه عائلات كوسا هو أساساً من المال العام المسروق من قوت ورزق الشعب الليبي حيث أن عائلتهم معروف أنها كانت عائلة بسيطة وفقيرة قبل أن يسخروا أنفسهم لخدمة نظام القذافي فكيف يجرؤ اليوم بلعيد كوسا على اتهام الثوار بالباطل بأنهم سارقون. وقد أقر الثوار بأنهم سمحوا لعائلة بلعيد كوسا في تلك الليلة بالخروج من البيت وأخذ ما يريدون من أغراضهم كما سمحوا لهم باغلاق البيت ولم يدخلوه لأن هذه التصرفات ليست من شيمهم كما يقولون. وقد حضرت زوجته عدة مرات بعدها لأخذ بعض الاشياء من البيت. وعلق أحد الثوار بأنه أثناء خروج العائلة شتمتهم إحدى النساء ولم يردوا عليها. وأضاف أنه تصادف وجود أحد الثوار الذين تعرضوا أثناء فترة الأحداث قبل التحرير لتعذيب وصل إلى حد إطلاق رصاصة على قدمه من قبل أحد مرافقي العائلة الذي تصادف تواجده هو الاخر في تلك الليلة هناك ولكن الأول رفض القيام بأية ردة فعل وتركه يذهب في حال سبيله.
بيت موسى كوسا مازال مغلقاً والثوار لا يملكون المفتاح
ومن المعروف أن أول مظاهرة تخرج في تاجوراء يوم 17 فبراير خرجت بعد صلاة العشاء واتجهت نحو المجمع السكني لموسى كوسا وهتف خلالها المتظاهرون ضد نظام القذافي ولكنهم لم يحاولوا اقتحام البيت.
وحتى بعد تحرير تاجوراء ظل بعض أشقاءه وأفراد من عائلاتهم وأبنائهم في بيوتهم ولم يلحق بهم أي ضرر, حتى أن بعض الثوار تعهدوا بحمايتهم وحماية بيوتهم. بينما حرص البعض على ابعاد أي محتجين أو متظاهرين عن المكان الأمر الذي أثار بعض التساؤلات عن مدى نفوذ آل كوسا حتى بعد ثورة فبراير وأسباب تمسك بعض الجهات بعدم ازعاجهم حتى بالهتاف بالقرب من محل إقامتهم. ولعل أول احتجاج على هذا الوضع كان من طرف مجموعة من نساء المنطقة اللواتي تضررت عائلاتهن بشكل أو بأخر من موسى كوسا وأعوانه عندما كانت السلطة بأيديهم. إلا أن الاحتجاج السلمي الذي قامت به النساء قبل عيد الأضحى بأيام قوبل حينها من بعض الجهات بما فيها المجلس المحلي والمجلس العسكري للمنطقة بالرفض والاستهجان.
ولعل الأمر الأكثر غرابة في هذه القضية هو أن منزل موسى كوسا مازال حتى اليوم مغلقاً لم يدخله أحد من الثوار ولا أي جهة أخرى مطلقاً حتى بعد تحرير تاجوراء ليلة العشرين من شهر رمضان الماضي, حيث لا يعرف تحديداً من يحتفظ بمفاتيحه. ويصر الثوار الذين يسيطرون عليه اليوم على حماية البيت وعدم اقتحامه لأنهم يرونه ملكاً عاماً ويأملون في تحويله إلى مكان يقدم الخدمة إلى سكان المنطقة بعد أن كان رمزاً لغياب العدالة الإنسانية. وعلق بعض الشباب بأن هذا المكان إذا ما تم استغلاله بشكل صحيح فمن الممكن أن يوفر العمل لما لا يقل عن ثلاثمئة شاب من سكان المنطقة.
قصر صخر موسى كوسا
المكان الوحيد المفتوح , عدا الصالة الموجودة عند مدخل المجمع السكني و التي يجلس فيها الثوار أثناء استراحتهم وينام فيها بعضهم والتي احتفظت بشكل مذهل بمحتوياتها بما في ذلك اللوحات الحائطية , هو بيت صخر موسى كوسا حيث أنه مازال في مرحلة التأثيث. هذا القصر المكون من عدة طوابق تتجلى فيه مظاهر البذخ والترف بشكل كبير. فعدا عن تصميمه المعماري المميز والديكورات الجميلة والرخام تفاجئك ثريات الكريستال الفاخرة في كل غرفة وزاوية, وقد كتب على أحد الجدران من الخارج بالطباشير “234 نافذة” ربما يكون هو عدد نوافذ القصر. أما أكثر ما أثار دهشة الشباب من الثوار فكان الحمامات المجهزة جميعها بالساونا.
ولعل أكثر ما يثير الانتباه هو محافظة هؤلاء الشباب على محتويات المكان بما في ذلك الأثاث الذي مازال في صناديقه و ثريا فاخرة من الكريستال موضوعة في صندوق خشبي.
قلق من تشويه السمعة ومحاولة لكسر حاجز الخوف وغموض يكتنف مسألة نفوذ كوسا
يؤكد الثوار الذين تواجدوا في المجمع السكني لعائلات كوسا بقلق واضح بأنهم لم يقوموا بسرقة أي شئ من محتويات المكان وبأنهم يحافظون على البيوت التي توفرت لديهم مفاتيحها مغلقة. كما يبدون دهشتهم من إتهام بلعيد كوسا لهم حيث أنهم عاملوا أفراد تلك العائلات بشكل حسن حتى أن أحد أبناء عيسى كوسا , قلم معمر القذافي والمعتقل حالياً في أحد سجون طرابلس , كان يحضر إليهم ويلعب البلايستيشن في الصالة التي يبيتون فيها. ويقولون بأنهم دفاعاً عن أنفسهم أمام هذه الإتهامات قرروا فتح المكان أمام وسائل الإعلام والمصورين لنقل الحقيقة كما هي.
وفي ذات الوقت عبر بعض السكان عن خوفهم من التعرض للانتقام من قبل البعض ممن قد يكونون مازالوا موالين لموسى كوسا وكأن شبح هذا الرجل مازال يلاحقهم لما اشتهر به من النفوذ والقدرة على الانتقام, حيث يرى البعض أنه مازال يمتلك نفوذاً يمكنه من الوصول إلى رأس من يريد خاصة وأن بعض أشقائه وأقاربه مازالوا يتصرفون بالكثير من الجرأة لدرجة القدرة على تلفيق التهم للثوار. ويرى البعض الأخر أن آل كوسا مازالوا يمتلكون الأموال التي تمكنهم من فعل ما يشاؤون سواء بشراء البعض ليظلوا موالين لهم أو لينفذوا لهم ما يريدون. ويذهب أخرون إلى أن هناك من تورط معهم في قضايا معينة ولذلك فهم خائفون من كشف أمرهم وهي ورقة يستغلها آل كوسا لمصلحتهم.
وقد علق أحد الثوار بأن إثارة قضية أملاك موسى كوسا ,اشقائه وأبنائهم التي يجب أن تعود للشعب الليبي هي في الواقع محاولة لكسر حاجز الخوف الذي مازال يسيطر على الناس في هذه المنطقة.
حرية الصحافة وسلامة الصحفيين
على صعيد أخر عبرت بعض القنوات الفضائية عن مخاوفها من تناول هذه القضية لأنها تبدو وكأنها من الأمور التي يحبذ البعض السكوت عنها لأسباب مازالت غامضة يرجعها البعض إلى مسألة انشقاق موسى كوسا وعلاقته بالمجلس الانتقالي و كذلك بعض الاطراف الغربية التي تفضل ابتعاد الأخير عن الأضواء حتى لا يتم فتح ملفات لا يريدون لها أن تفتح حيث يعتبر موسى كوسا شخصاً متشعب العلاقات ارتبط بأطراف عالمية عديدة ويحمل في جعبته الكثير من الاسرار. وعلقت إحدى العاملات بإحدى القنوات الفضائية بالقول بأنها تعتقد بأن الحديث عن موسى كوسا ربما يؤدي لتلقيها رصاصة في رأسها خاصة وأن موقف المجلس الانتقالي منه مازال يشوبه الغموض. ويطرح هذا الموقف تساؤلات عديدة حول مسألتي نفوذ بعض المسؤولين السابقين في نظام معمر وعلاقتهم بالمجلس والحكومة من جهة و سلامة الصحفيين الذين يأخذون على عاتقهم تغطية العديد من القضايا المتعلقة بالبلاد من جهة أخرى.
This is only the tip of the ice berg