شاهدنا ذات يوم لقاء مع الأستاذ سلمان عيسى وهو يشن هجوماً لاذعاً على القاعدة في العراق مطلقاً عليهم مصطلح (( التكفيريين )) والمصطلح وفقاً لصاحبه يدل على معنى سيء ، ولكن الغريب العجيب أن السيد سلمان انتهى في نهاية اللقاء إلى أنهم كفار !!!!!!!!!!
كفر البعض قديماً من هم من أعلام العالم الإسلامي كأبي حنيفة وأبي حامد الغزالي وفقيه وفيلسوف الأندلس وقاضي قرطبة ابن رشد !!! بل أن الغزالي اضطر للدفاع عن نفسه في بلاط السلطان السلجوقي سنجار ضد تهم التكفير التي أتهم بها . بل أن البعض وصل به الأمر إلى تكفير الصحابة وعامة المسلمين كالخوارج والشيعة.
أولاً : مخاطر التكفير:
1- خطورة التكفير تتأتي من نواحي عديدة لعل أهمها أن العديد يظن أن الردة حد من حدود الإسلام توجب القتل ، وهو ما كان عليه الكثير من المشايخ في القرون الأولى للإسلام ؛ لأسباب سيسيوثقافيه يطول شرحها.
ولكن العديد من المشايخ والمفكرين الإسلاميين في العصر الحديث كراشد الغنوشي وحسن الترابي والعوا ومحمد آركون نظروا للأمر نظرة تجديدية مختلفة ، ووجدوا أن الردة من التعازير وتباينوا فيما ما إذا كانت من التعازير السياسية أو الدينية.
وحتى من رأوا الردة قديماً حداً أختلفوا حول حكمها ، فإبراهيم النخعي رأى استتابة المرتد أبدًا ([1]).
ونحن نرجح ما ذهب له الاتجاه القائل بأنها من التعازير السياسية ، وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضى سلطاته وصلاحياته السياسية ( كولي أمر ) لا بمقتضى سلطاته وصلاحياته الدينية (كوحي).
وقد رأى الشيخ راشد الغنوشي أن تطبيق تعزير الردة مشروط بالخروج المسلح كما حدث في عهد الصديق رضي الله عنه ، وهو ما نخالفه ونرى أنه صلى الله عليه وسلم نص عليه في وقت أشبه ما يكون بوضع الطواريء ، أي أنه حالة استثنائية لمواجهة ما كان يفعله بعض المشركين من إظهار دخولهم للإسلام ثم الكفر به للإساءة للإسلام والتشكيك به.
فالردة كحق التجول ، حيث الأصل فيه الإباحة ، بل هو حق من الحقوق ، ولكن قد تضطر السلطة السياسية لتجريمه بعد ساعة معينة لظروف واقعية طارئة ، كما حدث مع عمر بن عبد العزيز عندما هم بتجريم زراعة الخمر عندما انتشر النبيذ رغم أن الأصل في زراعة العنب الإباحة.
فالأصل في القرآن الكريم هو حرية العقيدة في أكثر من آية ، ولعل ما جعل الكثير في عصرنا وغير عصرنا يصر على حد الردة كمسلمة من مسلمات الإسلام هو عدم التفرقة بين سلطات وصلاحياته الرسول صلى الله عليه وسلم كنبي ورسول مبلغ و ولي أمر وبشر عادي . بالإضافة إلى خلطهم بين الحد والتعزير فالحد هو ما جرمه الله تعالى في القرآن الكريم صراحةً ، وفرض له عقاباً في القرآن ، لذلك أختلف حول الخمر فيما إذا كان حداً أو تعزيراً دينياً.
2- الخطر الثاني يتمثل في أن التكفير يتعدى ليمتد ويطال الجميع . فعند ابن القمري الشافعي من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر !!!!!( الدرر السنية 10/25 ). إذا شككت فقط فأنت كافر فما بالك إذا أنكرت !! في حين يذهب الشيخ ابن عبد الوهاب إلى أن كفر من سب الصحابة أو أحداً منهم مسألة يقينية لا تقبل الشك !!! ومن لم يقبلها ويشك في تكفير ساب الصحابة أو توقف فهو كافر أيضاً!!!!( الرسالة 11 ) . ولا ندري أنأخذ برأي الشيخ أم برأي على بن أبي طالب رضي الله عنه ، من لم يكفر الخوارج الذين كفروه ومن معه بل وكفروا المسلمين جميعاً؟!
3- الخطر الأعظم ، عندما يماهي البعض بين الإسلام وبين الشريعة ، وهو ذات ما فعله عديد الليبراليين بين المثل العليا كالحرية والعدل والمساواة وبين الليبرالية ، وهذا يؤدي حتماً إلى نظرة إقصائية ، وإلى تحجر الفكر ، بل انعدام أساس وجود الإنسان لأنه وصل بذلك لتلك المثل والمبادئ وتمثلت حقيقةً واقعةً على إطلاقها.
إن المطابقة بين فهم شخص أو فئة معينة أياً كانت وبين الإسلام كمبادئ ومثل عليا نحاول في كل عصر سبر معانيه أكثر فأكثر والوصول إلى فهم أدق له لهو أمر خطير جداً. وهو ما يترتب عليه محاولة إيجاد سلطة ( كالسلطة الكنسية في المسيحية ) دينية في الإسلام هي التي تُعنى بفهمه وتدرك أسراره ومعانيه ، بل وهي التي تمنح شروط الإيمان والكفر ، وهو الأمر الذي حاربه الإسلام أشد المحاربة ونهى عنه ، فلا رهبانية ولا كنسية في الإسلام . وليس من الإسلام ما أبتدعه الشيعة من شيخ يقلده الناس و يساءلونه في كل صغيرة وكبيرة ويقلدونه.
وهذا لا يمانع من سؤال من لا يعرف أو لا يتمتع بقدرة معينة بعض المشايخ الذين يثق بهم . ولكن يجب ألا نعتبرهم هم الإسلام أو المرجع في فهم الإسلام فهذا سيؤدي إلى احتكار الإسلام من جهة بعينها ، بالإضافة إلى التواكل بأن نضع كل أخطائنا على فتاوي المشايخ.
ثانياً : أسباب التكفير:
أسباب التكفير كثيرة منها الآتي:
1- خلط البعض بين بين المعنى الدنيوي لكلمة مسلم والمعنى الأخروي لها . فأي شخص يقول أنا مسلم ويشهد الشهادتين هو مسلم في الدنيا ويجب أن نعامله كمسلم ولو أرتكب أكبلا الكبائر . بل ولو كنا نعتقد يقيناً بأنه يخفي كفراً في جوفه كما حدث مع ابن أبي سلول والمنافقين زمنه صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين . أما المعنى الأخروي وحقيقة إسلام المرء من عدمه فهو في علم الله عز وجل ، ونسأل الله أن نكون من المسلمين . وهذا ما حدى بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عما إذا كان من المنافقين أم لا . بعد أن أخبر صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة بأسماء المنافقين.
2- الابتعاد عن جوهر الإسلام والخلط بين أساس الإسلام وهو الدعوة المجتمعية بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة ، وبين ما حدث من معارك وأحداث فرضت فرضاً على المسلمين . وهو ما أدى إلى الظن أن الأصل في الإسلام فرضه بالقوة على الناس دون أدنى اعتبار لقناعتهم وعقيدتهم في ذلك . وهو مما لا يقول به لا عقل ولا منطق سليم . يقول تعالى: ” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”.
3- ومن ذلك التشكيك في دين المسلمين وعقائدهم ، بأن يُحمل كل رأي على أنه كفر وصاحبه كافر يتصيد للإسلام والمسلمين ودينهم . فمما لا مراء فيه أن أي فرقة إسلامية على مر التاريخ أو رأي ولو كان ليبرالياً أو علمانياً متطرفاً يظن رأيه التفسير السليم للإسلام . فالليبرالي أو العلماني مثلاً يقول أنا مسلم ويصلي ولكنه يظن تفسيره للإسلام في جوانب بعينها كالسياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي هو الأصح من تفسير الأخواني أو السلفي أو الجهادي . ولا يمكن بحال من الأحوال أن نشبه هؤلاء بالمنافقين في صدر الإسلام الأول أو تشبيههم بمن كان يتظاهر باعتناق الإسلام زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يرتد لاحقاً من أجل وأد دعوة الإسلام ومحاربتها . ونقع فيما وقع فيه الخوارج والشيعة بإنزال الآيات التي نزلت في المشركين والمنافقين على المسلمين.
4- تنصيب فئة أو أفراد أنفسهم قضاة باسم الله تعالى ( والعياذ بالله ) . فحتى ولو فرضنا جدلاً أن الردة حد وعقوبته القتل ، فهو كأي حد منوط بالقضاء إثباتاً وتنفيذاً كالقتل والسرقة . ولذلك انتقدنا كثيراً توسع الكثير من المشايخ قديماً وحديثاً من شروط التكفير إلى تكفير أشخاص بعينهم ، فهذا ليس من صلاحياتهم ولا سلطاتهم وهو اعتداء على سلطات القضاء . وهذا هو سبب دعوات الشباب المتحمس التكفيرية ، فهم يرون في مشايخ بعينهم قدوتهم ، وطالما كفر أولئك فالإتباع يوجب تكفير من يرونهم نظراء لهم.
ويأتيك الرد جاهزاً نحن لا نكفر أحد ، فتبتهج ، فيأتيك التعقيب : ” نحن لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله ” . رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لقادة جنده وسراياه : ” وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ” . كما رفض الإمام مالك طلب الخليفة المنصور بأن يجعل كتابه الموطأ المرجع للمسلمين !! فما بال البعض يريد فرض رأيه على الناس عن طريق الدولة رغم أنه يعترف بأنه أقل فقهاً من مالك.
5- يكثر التكفير في الدول التي يغيب فيها القانون وتكون ثقافتها متشربة بروح إقصائية ، ولو أدعى أكثر الناس في هذه البيئة أنهم ديمقراطيون ، فالتصرفات تثبت العكس.
6- التكفير قد يترتب على التجديد الذي يُرى على أنه مساس بالقديم الذي وصل مرتبة المقدس . ولذلك تم تكفير أعلام مشهورة كأبي حنيفة وابن رشد وغيرهم . فكثير من الناس في المجتمعات الذي ضرب التخلف والانحطاط أطنابه فيها ترى في أحيان كثيرة القداسة في القديم والورع في التقليد.
7- كما أن التكفير في أحوال عديدة يترتب على نوع من الأشخاص أشار إليهم أبو حامد الغزالي ووصفهم بالتالي : “… الأول : …. من يسأل بدافع الحسد والحقد ، ولا يبحث عن جواب يشبع حاجاته المعرفية ويرضي فضوله المعرفي ….،.
وهذا النوع سيعميه حقاً ويدفعه إلى مناقضة نفسه بنفسه ، ومن ذلك ما أخذه علي شخصياً عديد الناس من قولي بأن الصراع بين نبينا صلى الله عليه وسلم وكفار قريش في المعارك التي دارت بينهم كان سياسياً وليس دينيناً. وهذا الاستغراب والإنكار ناجم في جانب كبير منه إلى عدم الرغبة في السعي وراء الحقيقة ومحاولة إضفاء القداسة على ما ترسب في أذهاننا دون السؤال عن حقيقته ، وهو ما نراه كالتالي:
( أ ) – هؤلاء بقولهم يفصلونا السياسة عن الدين !! وهم بذلك أضحوا يقولون بما يقول به من كفروهم هم . فما دمت تقول أنت أن السياسة هي جزء من الدين فما هو الإشكال في أن يكون سبب الصراع سياسياً ما دام هو جزء من ذلك الكل الدين.
( ب) نحن لم نقصد بالدين ما ذهب إليه هؤلاء . نحن قصدنا أن الصراع لم يكن بقصد فرض الدين على الناس وإجبارهم عليه أو بسبب ديانتهم ، وإلا كان الأحرى بالمسلمين محاربة اليهود في المدينة ، و لترتب على ذلك ألا يقاتل بعض اليهود مع المسلمين في معركة أحد ، بل ولكان اشتراط الرسول صلى الله عليه وسلم على اليهود في دستور المدينة أن يقاتلوا معه اشتراط زائد ولا معنى له.
لقد كانت إباحة القتال للمسلمين لأنهم ظُلموا وأخرجوا من ديارهم ، وليس لأنهم مسلمين وغيرهم غير مسلمين وآية القتال صريحة في ذلك . كما أن فتح مكة كان بسبب نقض صلح الحديبية وهو سبب سياسي وليس ديني بالمعنى الضيق ( العقدي والتعبدي ) . فهل إذا قلنا أن سبب معركة فتح مكة كان نقض العهد خرجنا عن دين الله؟!!!!
( ج) البعض يقول لك أنك تدعي بأن الصحابة كان قتالهم من أجل الدنيا !!! وهو ترجمة لاتهام البعض لنا بأننا ندور مع الدنيا وهم مع الآخرة . أو ليست الدنيا الطريق إلى الآخرة ؟ لماذا أنطبع في عقولنا أن الدنيا شر مطلق وضد الدين والآخرة . الدنيا ضرورية ولازمة في الدين وهو شرط الآخرة ومحل الاختبار ومحكه وميدان معرفة المعادن والأخلاق ، فمن يحمل على الدنيا يحمل على الله والعياذ بالله ، هؤلاء كمن يريد النجاح ويسب الامتحانات . هذا هو الهروب بعينه من الاختبار.
إن الفصل بين الدين والدنيا يجعل هؤلاء في مصاف من يسبونهم ويكفرونهم !! سيسأل البعض ولماذا وصلوا لهذا التناقض ؟ الجواب بسيط عندما يكون الأمر ناتج عن الحقد و وتعمد إساءة الفهم والخلط والتقليد دون بحث بصدق وموضوعية عن حقيقة الأشياء سنصل إلى وضع نناقض فيه أنفسنا بأنفسنا لا محالة.
ثالثاً : الحلول
يجب أن ندرك أن التكفير ظاهرة إنسانية . فهو ليس مقصوراً على دين ، ولعل ما حدث في أوروبا وغيرها من مذابح مليونية بين المسيحيين خير دليل . فالتكفير ظاهرة اجتماعية معقدة يرتبط فيها السياسي بالاقتصادي بالثقافي بالفكري بالشخصي بالبيئي بالجغرافي . فهو كالفسيفساء ، ولذا فإن معالجته تكون واسعة وشاملة على نطاق أتساع مكوناته وتعددها وتحتاج وقتاً وجهداً مضنياً من المجتمع بكافة تلاوينه ومشاربه.
ونحن نرى أن الحل لهذه الإشكالية لن يتأتى بطريقة آلية ، بل يحتاج لوقفة جادة وبحث عن الحقيقة والتجديد الفقهي والشخصي والتجرد والموضوعية والأخلاق والتأني والصدق . فطامة الطوام أن نظن أنفسنا أو آرائنا التجسيد الفعلي لإرادة الله أو الإسلام.
فلكي نصل لكلمة سواء ، نرى أنه من الواجب ألا ينظر البعض لنفسه أو رأيه أو مذهبه أو منهجه أو طائفته أو مشايخه أو الفتاوى على أنها الحق المطلق ، وأنه المكلف الإلهي بحماية الإسلام ، فهذا من الشطط وسيدخل المسلمين من جديد في فتن ومقاتل تفوق ما وقع في أووربا من مقاتل بين الكنيسة والخارجين عليها . يجب أن يظل الإسلام كمثال أعلى نسعى في كل عصر للوصول أكثر فأكثر إليه . إن القول بأنه : ” ليس من الممكن أبدع مما كان .. ” . هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من انحطاط على كافة المستويات . وهذا لعمري دعوة لذهاب العقل والفكر في أجازة مفتوحة إلى يوم القيامة.
كما يجب ألا يذهب بعضنا لاستغلال فتاوى وآراء الفقهاء والمشايخ في القرون الأولى والوسطى في الإسلام في التكفير وغيره ، ليحاول النيل منهم وسبهم وشتمهم ، محاولاً جعل أقوالهم دليلاً على إقصائية الإسلام ، فهذا ليس ديدن من يريد الحق والحقيقة بموضوعية وتجرد ، فيجب أن يأخذ الشخص بعين الاعتبار اختلاف المكان والزمان والأشخاص و الظروف السياسية والجيوسياسية والاجتماعية وغيرها . ولو كان لمتقدمي مشايخ المسلمين من جملة إلا قولهم في نهاية آرائهم (( والله أعلم )) لكان ذلك كافياً للدفاع عنهم . فكما يقول ابن رشد بأنه لولا المتقدم ما كان المتأخر.
فالبحث عن الحقيقة والحق يجب أن يكون هو مطلب الشخص وليس الانتصار لأفكاره أو المعاندة . وفي ذلك يقول فقيه وفيلسوف الأندلس ابن رشد مدافعاً عن الفلاسفة رداً على الغزالي : ” … ولو لم يكن لهم إلا هذا القصد – أي معرفة الحق – لكان ذلك كافياً لمدحهم …”.
فابن رشد يدعو إلى التزام العدل والنزاهة بين المتخاصمين في الملة والمذهب أو كانوا مخالفين ، فيقول: إن العدل واحد والظلم واحد.
وإن كنا نرى أن خبرة ابن رشد كقاضي أثرت فيه في التزامه الحيدة والبحث عن الحق والحقيقة.
ويقول ابن رشد أيضاً: ” … ينبغي لمن آثر طلب الحق ، إذا رأى شناعات في أقاويل خصومه فمن العدل أن يقام بحجتهم في ذلك ويناب منهم . ومن العدل كما يقول الحكيم ( يقصد أرسطو ) …. أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه . ويقول : ” لا بد أن يسمع الإنسان أقاويل المختلفين في كل شيء يفحص عنه إن كان يحب أن يكون من أهل الحق”.
——————————————————–
(1) أختلف الفقهاء قديماً كذلك حول الردة ، فقال قال أبو محمد رحمه الله : كل من صح عنه أنه كان مسلما متبرئا من كل دين حاش دين الإسلام ثم ثبت عنه أنه ارتد عن الإسلام , وخرج إلى دين كتابي , أو غير كتابي , أو إلى غير دين , فإن الناس اختلفوا في حكمه فقالت طائفة : لا يستتاب.
وقالت طائفة : يستتاب , وفرقت طائفة بين من أسر ردته وبين من أعلنها وفرقت طائفة بين من ولد في الإسلام ثم ارتد , وبين من أسلم بعد كفره ثم ارتد. ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى ما يسر الله تعالى لذكره :
فأما من قال: لا يستتابون , فانقسموا قسمين : فقالت طائفة : يقتل المرتد , تاب أو لم يتب , راجع الإسلام أو لم يراجع.
وقالت طائفة: إن بادر فتاب قبلت منه توبته , وسقط عنه القتل , وإن لم تظهر توبته أنفذ عليه القتل.
وأما من قال: يستتاب , فإنهم انقسموا أقساما : فطائفة قالت : نستتيبه مرة فإن تاب وإلا قتلناه. وطائفة قالت : نستتيبه ثلاث مرات , فإن تاب , وإلا قتلناه. وطائفة قالت : نستتيبه شهرا , فإن تاب وإلا قتلناه. وطائفة قالت : نستتيبه ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتلناه.وطائفة قالت: نستتيبه مائة مرة , فإن تاب وإلا قتلناه. وطائفة قالت : يستتاب أبدا , ولا يقتل.
فأما من فرق بين المسر والمعلن : فإن طائفة قالت: من أسر ردته قتلناه دون استتابة , ولم نقبل توبته , ومن أعلنها قبلنا توبته. وطائفة قالت: إن أقر المسر وصدق النية قبلنا توبته , وإن لم يقر ، ولا صدق النية قتلناه ولم نقبل توبته قال هؤلاء:
وأما المعلن فتقبل توبته. وطائفة قالت: لا فرق بين المسر والمعلن في شيء من ذلك : فطائفة قبلت توبتهما معا أقر المسر أو لم يقر. وطائفة: لم تقبل توبة مسر ، ولا معلن قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا أيضا في الكافر الذمي , أو الحربي يخرجان من كفر إلى كفر : فقالت طائفة : يتركان على ذلك , ولا يمنعان منه.
وقالت طائفة: لا يتركان على ذلك أصلا. ثم افترق هؤلاء فرقتين : فقالت طائفة : إن رجع الذمي إلى دينه الذي خرج عنه ترك , وإلا قتل.
وقالت طائفة: لا يقبل منه شيء غير الإسلام وحده , وإلا قتل , ولا يترك على الدين الذي خرج إليه , ولا يترك أيضا أن يرجع إلى الذي خرج عنه , لكن إن أسلم ترك , وإن أبى قتل.
أنظر المحلى لابن حزم مسألة رقم 2199))
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً