هل نحن على عتبة صيف إيراني كارثي؟ نعم، بحسب تقارير إستخباراتية فرنسية وأميركية وروسية، كلّها تتوقّع هجوما إسرائيليا على منشآت نوويّة إيرانية الصّيف القادم.
فقد كشفت أسبوعية “الكانار انشينيه” الفرنسية، التي غالبا ما تكون تقاريرها موثوقة، عن تقرير سرّي للجنة الشؤون الاستراتيجية الفرنسية، مكوّن من 140 صفحة، خصّصت ست صفحات منه للحديث عن “ضرب إيران” في صيف 2012.
ويتطابق التقرير مع توقعات وزير الدفاع الأميركي ورئيس وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) سابقا، ليون بانيتا، ورئيس مجلس الأمن الروسي، فيكتور أوزيروف، اللذين تحدّثا عن هجوم إسرائيلي على منشآت إيران النّووية في الصائفة القادمة.
وأضافت “الكانار” أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومستشاريه العسكريين ووزير الخارجية ألان جوبيه “يشعرون عند اتصالاتهم بنظرائهم الأميركيين أنهم لا يبدون تفاؤلا حول عدول إسرائيل عن توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية”.
وكان بانيتا قد توقع مؤخرا بأن تقوم إسرائيل بمهاجمة منشآت إيران النووية “في أحد أشهر أبريل/ نيسان أو مايو/ أيار أو يونيو/ حزيران”.
وقالت “الكانار” أنه إذا فاز الجمهوريون في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ستكون احتمالات شن هجوم على إيران أكبر. أما فرنسا فقد يتعين عليها المشاركة في الأعمال العسكرية ضد إيران. وهناك خطوة واحدة قد قُطعت بفضل الفكرة اللامعة لساركوزي سنة 2008 بإقامة قاعدة جوية بحرية فرنسية في أبوظبي على بعد حوالي 250 كلم من السواحل الإيرانية”.
ومؤخرا، نقل المحلل البارز للسياسة الأمنية في مكتب وزير الدفاع الروسي سابقا، ميخائيل مالوف، عن فيكتور أوزيروف، أن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة أعدت خطة عمل في حالة شن هجوم على إيران، وذلك بتحريك القوات الروسية عبر جارتها جورجيا لتتمركز في أرمينيا التي تتقاسم الحدود مع إيران.
استفزاز نجاد وجنون نتنياهو
كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعرب عن خيبة أمله بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اسطنبول بين إيران ومجموعة (5+1) من اجل إعادة إطلاق المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، معتبرا أن الدول الست (الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا) أعطت “هدية” لإيران التي “لديها خمسة أسابيع بإمكانها خلالها مواصلة تخصيب اليورانيوم بدون حدود”.
وقد اتفق الجانبان على الاجتماع مجددا في بغداد في 23 مايو/ايار.
وخلال مراسم إحياء ذكرى الهولوكوست الأربعاء قال نتنياهو أن ”النظام الإيرانى يعمل بوضوح من أجل تدمير شعب إسرائيل ويعمل على الحصول على أسلحة نووية من أجل تنفيذ هذا الهدف”. وشدد على أن “مسؤولية وقف هذا تقع أولا وقبل أي شيء على عاتق إسرائيل”.
والمؤكد أن تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد المتكررة ضد وجود إسرائيل يفسر الجنون الإسرائيلي ويشكل ذريعة لتهديدات نتنياهو.
ويساور المسؤولين الإسرائيليين قلق كبير بشأن ترك إيران قاب قوسين أو أدنى من صنع قنبلة.
فإسرائيل تعتقد أن الجهود التي تبذلها إيران لتخصيب اليورانيوم متواصلة وأن إيران تركِّب بنجاح أجهزة طرد مركزي تعنى بتخضيب اليورانيوم وتقوم الآن بتركيب سلسلة أجهزة طرد مركزي في موقع فوردو الجبلي بالقرب من مدينة قم.
وقال نتنياهو “ينبغي على إيران التوقف فورا عن التخصيب وإخراج المواد المخصبة وتفكيك المنشأة النووية في قم”.
لكن إيران، على ما يبدو، لن توافق على هذه الشروط. وكان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، قد قال “لم يطلب منا في اسطنبول تجميد التخصيب”.
سيناريوهات كارثية
تناولت وسائل الإعلام الغربية والعالمية عموما التداعيات الخطيرة التي ستحدث بفعل هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت النّووية الإيرانية.
ومن بين “السيناريوهات الكارثية”، ذكر التقرير السرّي للجنة الشؤون الاستراتيجية الفرنسية “احتمال غلق إيران لمضيق هرمز الذي تمر منه 35 في المائة من شحنات البترول العالمية، مما سيشعل أسعار البترول”، و”احتمال حدوث أفعال انتقامية تمارسها إيران، من بينها قصف محطتين سعوديتين لضخ البترول في الخليج”.
وتوقعت صحف فرنسية أن تستخدم إيران وكلاءها في الخارج وتعبئ الميليشيات الصديقة في اليمن ولبنان (حزب الله) والعراق (جيش المهدي) وأفغانستان ومجموعات سرية يمكن أن تهب لنجدتها بارتكاب اعتداءات في جميع أنحاء العالم.
ونقلت صحف أميركية عن محللين عسكريين أن الصواريخ الباليستية الإيرانية، مثل صواريخ “شهاب 3” طويلة المدى، يمكن أن تصل إلى إسرائيل، وأن صواريخ سكود قصيرة المدى يمكنها أن تحرز ضربات عمياء على حقول النفط في السعودية أو منشأة لإنتاج الغاز في قطر.
وقد أكد رئيس وزراء قطر، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، مؤخرا أن الدوحة تعارض استخدام القواعد العسكرية الأميركية في قطر لشن هجوم على إيران.
تشكيكات متعددة
وبسبب هذا الخيار المحفوف بالمخاطر، بدأت التشكيكات.
شككت المجلة العسكرية المختصة بالشؤون الدفاعية “جينز” في قدرة إسرائيل على تنفيذ عملية ناجحة وقالت أن إسرائيل لن تستطيع تدمير برنامج إيران النووي بضربة جوية استباقية بصواريخ بعيدة المدى أو بغارات جوية. وتوقعت أن تواجه “صعوبات كبيرة”.
لذا ذهب الكاتب الإيراني كروز زياباري إلى القول بأن السعودية، العدو اللدود لإيران، “ضمت جهودها للولايات المتحدة واسرائيل وبريطانيا من أجل زعزعة الاستقرار في إيران”، و”كشف” زياباري عن “زيارة سرّية لرئيس الموساد إلى الرياض وتحدث إلى المسؤولين السعوديين حول خطط محتملة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية”.
أما الإدارة الأميركية، التي تجد نفسها أمام مهمتين: ردع إيران وكبح جماح إسرائيل ولا تريد الدخول في حرب جديدة بعد حربي أفغانستان والعراق، فقد قالت بأن إيران لم تتخذ قرارها النهائي، في سياق حملة عامة لإقناع إسرائيل بالعدول عن أي خطة للهجوم وإتاحة الوقت للعقوبات الأكثر شدة ضد إيران لإقناعها بالتراجع عن برنامجها النووي.
وذكرت النشرة الفرنسية “إنتليجنس أونلاين” المتخصصة بالشؤون الإستراتيجية أن أجهزة مخابرات دول الخليج تعتقد بأن إيران ليست لديها أية نوايا أكيدة في إنتاج أسلحة، مع أنها منشغلة في تطوير قدراتها النووية.
أما باولو كوتا- راموسينو، السكرتير العام لـ “مؤتمر باجواش للعلوم والشؤون الدولية”، وهي منظمة دولية تعمل على التقليل من مخاطر النزاعات المسلحة وإيجاد حلول لتهديدات الأمن العالمي، فقد أقر بـ”حق إيران في تخصيب اليورانيوم لبرنامجها النووي المدني تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وقال في مقال بصحيفة لوموند الفرنسية أنه “لا يوجد حتى الآن دليل على أن إيران انتهكت معاهدة حظر الانتشار النووي (…) على الرغم من الشكوك التي أثارها بناء موقع فورلو تحت الأرض بالقرب من مدينة قم”. وأضاف “كلما ازدادت التهديدات والعقوبات ضد إيران، كلما أسرعت طهران لامتلاك أسلحة نووية”.
ورقة في يد النظام
يقول الكاتب كريستوف سيدو في مجلة “دير شبيغل” الالمانية، أن “أهداف إيران من البرنامج النووي لا تزال مجهولة وتقارير المخابرات متضاربة ومتناقضة. لكن من المؤكد أن البرنامج النووي هو ورقة من أجل الحفاظ على النظام”.
أما إريك ديفيس، وهو عالم سياسة في جامعة “روتجرز” الأميركية، فيرى أن “من بين الطرق القليلة التي يمكن أن تضغط بها إيران على الولايات المتحدة زيادة التوتر إلى حد ترتفع معه كلفة الشحن عبر مضيق هرمز لتجعل سعر النفط يقفز بشكل كبير بحيث يؤثر على اقتصاد الدول الغربية”.
وتعتقد المحامية والخبيرة في الشؤون العالمية في الأمم المتحدة، ﻣﻴﻠﻮدي معز، أن “الشعب الإيراني هو الذي سيعاني أكثر من أي هجوم على إيران: سيلتف الشعب حول حكومته على الرغم من الاشمئزاز وعدم الثقة المتزايدة التي يشعر بها الملايين تجاه النظام. فمثل كل الشعوب، هو لا يحب التعرض للغزو أو أن يُقال له ما يجب عليه القيام به”.
ويذهب إعلامي عربي متخصص بشؤون الخليج إلى القول في تصريح لـ”ميدل ايست أونلاين” أن “إيران صارت تتمنى الضربة الإسرائيلية للخروج من ورطتها”.
ويضيف مفضلا عدم ذكر اسمه “الأزمة التي تعيشها ايران بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية باتت الهم الأكبر لزعماء الجمهورية الاسلامية منذ سنوات. جربوا مختلف الوسائل للخروج منها بلا جدوى”.
وتعتمل حالة غضب بين الايرانيين منذ انتخابات الرئاسة الأخيرة التي فاز فيها احمدي نجاد “بالتزوير” كما يؤكد معارضوه، حين كان مدعوما بقوة من المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تخللتها اعمال عنف وسقط فيها عدد كبير من القتلى والجرحى.
وزاد من احباط الايرانيين ضعف الاقتصاد والحصار والعقوبات وارتفاع الاسعار، فضلا عن تقييد حرية التعبير وملء السجون بالمعارضين.
ويقول الإعلامي العربي أيضا “المشروع النووي هو في النهاية ورقة مساومة تستخدمها إيران للوصول إلى وضع الدولة الإقليمية العظمى لتبسط نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط “.
ويتابع “تخشى ايران ايضا من رياح التغيير التي هبت على عدد من البلدان العربية، واحتمالات ان يعيش الإيرانيون ربيعهم أيضا”.
اترك تعليقاً