قال الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23)
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:
فقدَ أهل اليمن وأمة الإسلام اليوم علماً من أعلامهم، وقمراً ساطعاً من أقمارهم، ورمزاً بارزاً من رموز الإصلاح الإسلامي “الوسطي”، وركناً قوياً من أركان مشروع “الإحياء السُّني” في هذا العصر، شيخنا الإمام العالم اليماني، والمرشد الرباني فضيلة الدكتور عبد المجيد بن عزيز الزنداني (رحمه الله)، والذي وافته المنيّة في مدينة إستانبول التركية اليوم الإثنين الموافق لــ 13 شوال 1445ه/ 22 إبريل 2024 عن عمر ناهز الــ 82 عاماً (رحمه الله).
رحم الله الشيخ عبد المجيد الزنداني، وهو العالم الذي قضى جُلَّ حياته في خدمة القرآن الكريم والسنّة النبوية، مدافعاً عن دين الإسلام، ونشر العلم، والدعوة إلى الله، وتربية الأجيال، ونصرة قضايا الأمة من مشرق الأرض إلى مغربها، وأسلم على يديه المئات في الشرق والغرب، وهو أبرز المتخصصين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنّة، وصاحب المؤلفات الفقهية والفكرية النافعة، ومؤسس إحدى أبرز الجامعات في العالم الإسلامي، وهي جامعة الإيمان في اليمن (رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى وغفر لنا وله).
أُعزي أهل شيخنا الجليل، وأسرته، وأبناءه، وتلامذته، وأهل العلم والدّعوة، والعاملين في خدمة الإسلام جميعاً، وأمتنا الإسلاميّة بهذا المصاب الجلل، وأتضرع إلى الله تعالى أن يتقبّل شيخنا الجليل بقبول حسن، وأن يرزقه الفردوس الأعلى صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصّالحين، وأن يربط على قلوب أهله وأحبابه، وأن يعوّض المسلمين وأهله بفقده خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
سيرة الشيخ عبد المجيد الزنداني
ولد الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني وُلد في قرية (الظهبي)، في مديرية (الشعر) من محافظة إب إحدى محافظات الجمهورية اليمنية، في عام 1942م، وتلقى التعليم الأولي في الكتاب، ومن ثم في عدن، وأكمل الدراسة النظامية فيها.
– الشيخ الزنداني في مصر
وبعدها خرج لمواصلة الدراسة الجامعية في جمهورية مصر العربية، وهناك التحق بكلية الصيدلة ودرس فيها لمدة سنتين، بسبب اهتمامه بالعلم الشرعي منذ نعومة أظفاره، أخذ يقرأ في علوم الشريعة ويتبحر فيها وتسنى له الالتقاء بأكابر العلماء في الأزهر الشريف، وكذا الطلاب اليمنين في مصر وعلى رأسهم الأستاذ الزبيري، وفتحت للشيخ آفاق واسعة في فهم نصوص الشريعة. وخلال وجوده في مصر كان له اتصال بجماعة الإخوان المسلمين وتأثر بهم.
– العودة إلى اليمن
عاد الشيخ (رحمه الله) لليمن، وتولى في عدن إدارة معهد (النور) العلمي في حي (الشيخ عثمان)، ثم عاد إلى مدينة صنعاء عام١٩٦٧م، وتولى إدارة الشئون العلمية في وزارة التربية والتعليم، وساهم بالتدريس لعدد من المواد العلمية في مدارس الجمهورية كمادة الأحياء، ثم تعيّن رئيسًا لمكتب التوجيه والإرشاد منذ إنشائه عام ١٩٧٥م، وخلال عمله هذا عمل على إحداث تفاعلات فكرية واسعة عبر استقدام عدد من كبار المفكرين العرب والمسلمين إلى اليمن. وبعد ذلك، عُين في وزارة المعارف (التربية والتعليم)، وبدأت حياته بالتصنيف والتدريس، فألف كتاب التوحيد مع مجموعة من العلماء كمنهج في المدارس الإعدادية والثانوية، ولقد سجلت له كثير من الأشرطة الدعوية والمحاورات في دعوة الكافرين ومنها شريط إنه الحق، وترجمت كثير من كتبه إلى عدت لغات وكذا بعض أشرطته.
– الذهاب إلى السعودية
وانتقل إلى المملكة العربية السعودية وعاش فيها حقبة من الزمن، وقام بالتدريس وإلقاء المحاضرات، وساهم في تأسيس هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المملكة العربية السعودية وترأسها بعد ذلك.
ثم عاد إلى بلده اليمن وأسس جامعة الإيمان للعلوم الشرعية، وتواصلت مصنفاته وأبحاثه في علم الإيمان والإعجاز، وكذا في الدعوة ومنهجها ولقد منح شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
– محطات من حياته:
• الخمسينيات:
درس الابتدائية/ الإعدادية/ الثانوية في كل من إب وعدن.
درس الصيدلة في جامعة عين شمس والعلوم الشرعية في الأزهر الشريف.
قطع دراسته وعاد مع أبي الأحرار محمد محمود الزبيري إلى صنعاء للمشاركة في دعم قيام النظام الجمهوري وحماية مكتسبات الثورة.
• الستينيات:
- أسهم في جهود حماية الثورة اليمنية مع أستاذه الزبيري وقيادة الثورة الأحرار.
- قدم عبر إذاعة صنعاء برنامج (الدين والثورة).
- عينه الرئيس المشير عبد الله السلال في أول حكومة بعد الجمهورية نائبا لوزير الإرشاد القومي والإعلام،
- 1968م قام بتأليف كتاب التوحيد لطلاب المدارس من الإعدادية والثانوية منذ ذلك الحين حتى عام 2004م.
- تولى إدارة معهد (النور) العلمي في حي (الشيخ عثمان) بمحافظة عدن.
- ألف كتاب تعليم الواجبات الدينية، وكتاب الإيمان.
• السبعينيات:
- تولى إدارة الشؤون العلمية في وزارة التربية والتعليم (المعارف).
- ساهم في تدريس عدد من المواد العلمية كمادة الأحياء، وألف كتاب “نحو الإيمان”، “طريق الإيمان”.
- 1975م عين رئيسًا لمكتب التوجيه والإرشاد عند إنشائه في عهد الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني
- عين في نفس العهد نائباً لوزير المعارف.
- 1978م اِتجه إلى السعودية وتفرغ لدراسة العلوم الشرعية لدى كبار علماء السعودية ليستأنف ما بدأه في الأزهر الشريف وكبار علمائه، وعمل في التدريس وإلقاء المحاضرات في مدارس وجامعات المملكة.
- أسس مع عدد من العلماء “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية” وشغل منصب أمينها العام، ثم رئيسا شرفيا.
- طاف العالم لمحاورة كبار علماء الكون وعقد عددا من المؤتمرات الدولية في الإعجاز العلمي، موسكو، ماليزيا، أندونيسيا، باكستان وغيرها.
- مندوب اليمن لدى رابطة العالم الإسلامي.
• الثمانينيات
- أصدر عددا من المؤلفات في مجال الإعجاز العلمي وعلى رأسها “تأصيل الإعجاز العلمي”، و “إنه الحق” و”منطقة المصب والحواجز بين البحار”.
- حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان.
• التسعينيات وبعد:
- 1991م شارك في معترك العمل السياسي وكان أحد كبار مؤسسي التجمع اليمني للإصلاح وترأس مجلس الشورى عدد من الدورات، وعضوية الهيئة العليا للإصلاح.
- 1991م قاد معارك الدستور ودعا إلى “مؤتمر الوحدة والسلام” الذي شاركت فيه حشود مليونية من أنحاء اليمن من أجل تعديل الدستور.
- 1993م اختير لعضوية مجلس الرئاسة من قبل أول مجلس نواب بعد الوحدة.
- 1994م خاض من موقعه في مجلس الرئاسة معترك الدفاع عن الوحدة اليمنية عقب إعلان الانفصال.
- 1994م أسس كلية الإيمان الجامعية التي أصبحت لاحقا جامعة الإيمان وترأسها ودرس فيها لمدة 20 عاما.
- 1995م أصبح نائبا لرئيس مجلس الرئاسة.
- 1996م قدم استقالته طواعية من مجلس الرئاسة.
- 1997م أصدر عددا من الكتب أهمها “علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة”، “بينات الرسول ومعجزاته”، “الصفات ومنزلقات الفرق”.
- 1998م نشط في المجال الاقتصادي وترأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأول للبنوك الإسلامية ودعم إنشاءها، كما خاض صراعا محليا للحفاظ على نجاح الشركات المساهمة ودفع الشعب للمشاركة في تأسيسها ️2000م.
- له عشرات البحوث العلمية المحكمة والتي شارك بهي العديد من المؤتمرات العالمية، في الفلك والبحار والرياح وعلم الأجنة والأمراض العصرية كالسكري والفيروسي كالكبد والإيدز.
- أسس هيئة علماء العلماء واختير رئيسا لها منذ تأسيسها حتى وفاته..
- عام 2011م، حاز الزنداني على براءة اختراع في “أسلوب استخدام الأعشاب في علاج الإيدز” من “المنظمة العالمية للملكية الفكرية” ونشر تطبيقه البحثي على موقعها في أبريل 2011.
- عام 2023م زاره وفد كبير من كبار علماء العالم الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مقر إقامته باسطنبول، ومنحوه درع إمام العلماء.
• أعمال ومهام تولاها:
- مندوب اليمن لدى رابطة العالم الاسلامي
- رئيس جامعة الإيمان
- عضو مجلس الرئاسة
- نائب رئيس مجلس الرئاسة
- نائب وزير المعارف
- رئيس مكتب الإرشاد
- رئيس مجلس شورى الإصلاح
- عضو الهيئة العليا للإصلاح
- رئيس هيئة علماء اليمن
- مين عام هيئة الإعجاز العلمي
- ضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ماذا قال تلامذة الشيخ عن شيخهم قبل وفاته (رحمه الله)؟
قال عنه الأديب اليمني خالد بريه:
قلةٌ من رجالاتِ اليمن عُرِفوا عربيًّا ودوليًا، أحدهم الزنداني، تنقلَ بينَ البلدان، التقىٰ العلماء، والأمراء، والسَّاسة، وفي كل مكانٍ يحطُّ فيه الرحال؛ تجده صاحب هم، وفكرة، ومشروع، وهو من القلة التي (جُمِعَ) لها ما تفرَّقَ في غيرها، جَمعَ شرفَ العلم، ودهاء السِّياسة، وشموخ القبيلة، ونخوة العربي، ولمّا كانَ الرجل عريقًا في كلِّ تاريخه المليء بالحركة، والإنجاز، والعمل؛ تعدَّدَ الخصوم بتعددِ المَلَكات، فلا أعرفُ يمنيًّا ظُلِمَ من النخبة، والعامَّة، مثل الزنداني؛ وحقُّه التكريم والإجلال!
اجترحَ ميادين عدة، ودخلَ في صراعٍ محتدم، وكان ثمة ثمنٌ يدفعه لكلِّ موقفٍ مشرِّف، يقدمُ عليه؛ وكفىٰ بالمرءِ شجاعة وفخرًا أن يكونَ رجلًا في كلِّ مراحلِ حياته، يعيشُ لفكرته، ويقبلُ الخسارة فيما لم يوفَّق فيه. لكن خصومه وقفوا عند بعض أخطاءِ الرجل، ختموا تاريخه، دمغوه بالسواد، أقفلوا الباب، وراحوا ينوحون، ويشغبون، ويطمسون وجه الحقيقة، ويغطون الشَّمس بأيديهم الصَّغيرة، ظنًّا منهم أنهم يحجبونَ النور.. وأنَّىٰ لهم ذلك؟!
خاصمه السَّاسة؛ لأنهم أدركوا تأثيره، ومشروعه في إحلالِ مركزية الشَّريعة في قلبِ الحكم، وخاصمه بعض العلماء، لأنَّ الرجل أكبر من الخلاف، ورؤيته للعلم أعظم من اجترار بعضِ الأوهام، وخاصمه العامَّة؛ لأنهم ضحايا السِّياسي النفعي، وبعض أدعياء العلمِ والثقافة. أشاحَ الرجلُ عن كلِّ خصومه، ومضىٰ في سبيل الله عاملًا لا يقصدُ إلا اللهَ وحده!
زارَ جامعات إسلامية في الشَّرقِ والغرب، ثمَّ عصرَ كل الأفكار والرؤى، وخرجَ إلىٰ العالم (بجامعةِ الإيمان) العامِرة، مهبط العلم، موئل العلماء، ومحظرة الفقهاء، وبقعة الاجتهاد، جعلَ منها محرابًا للتِّلاوة، وزاويةً للمريد، ومركزًا للباحث، ومحضنًا للتربية. كانت مدينةَ العلم التي وصلَ صداها إلىٰ العالم، وإحدىٰ مفاخر اليمن، لو كانوا يعقلون!
فتِّش في كلِّ زوايا الأرض، ستجد برعمًا بزغَ من جامعةِ الإيمان، ستجدُ حارسًا للعلم؛ يمارسُ دوره التنويري في نشرِ المعرفة، والدَّعوة، وإصلاحِ الإنسان، لقد كانت بذرة مباركة آتتْ أكلها، وحتىٰ يدركُ الجيل أهميتها، فليرجع إلىٰ التاريخ القريبِ المعاصر، ويسأل نفسه: «لماذا كانت الجامعة المستَهدَف الأول عندما سقطَ اليمن في براثنِ الإمامة؟» لأنها بنيان العلم الشَّامخ، موطن بناءِ الرجال، ومشعل النور الذي أضاءَ في قلبِ القبيلة، المشكاة المباركة التي وصلت إلىٰ الجبال، والهضاب، والقرىٰ النائية، والسُّهول، والنُّجوع، لقد كانت الجامعة امتدادًا مباركًا لكلِّ مراكزِ العلمِ في حواضرِ العالم منذ أربعة عشر قرنًا.
وهو فخرُ الرجال، وشيخُ العلماء، وصوتُ الضَّمير، وخادم العلم، ومربي الفضلاء، وتاريخُ التَّاريخ، وأحد صنَّاعِه الكبار، أحد جبال اليمن الكبير، يعرفُ قيمته الرجال، وتعرفه العقول الوزانة في كلِّ مكان.
إياكم أن تدفنوا محاسن كباركم، فكل فضيلةٍ تُدفن، يحيا عليها وغدٌ ألِف التسلُّق علىٰ أكتافِ الرجال، لنكن شرفاءَ حتىٰ في خصوماتنا، وخلافنا، لنعطِ كل ذي حقٍّ حقه؛ لأننا سنكتشفُ في يومٍ ما أنَّ كل عظيم تربَّصَ به خصمه، أغلقَ دونه باب التاريخ، وطمسَ محامده، لنبقىٰ في العراء بلا نموذج أو سيرة تستحقُّ أن تُروَىٰ في ليالي المجد الطويل!
وقال الأخ الدكتور عامر الخميسي مجيباً عن سؤاله: ماذا قدم الشيخ الزنداني (رحمه الله) لليمن؟
نشر العلم الشرعي منذ سبعينيات القرن الماضي من خلال استقدام العلماء المجتهدين من كافة البلدان العربية واستضافتهم حتى يستفيد منهم طلبة العلم في كافة أنحاء اليمن، وكان همه الوحيد وشغله الشاغل كيف ينشر العلم ويحيي رسالته ويقيم حججه ويبعث هامده وقد استضاف كبار علماء العالم الإسلامي من دولة العراق وموريتانيا ومصر والسودان وأفريقيا والحجاز واستفاد منهم عشرات الآلاف من الطلاب وتلقوا عنهم العلوم الشرعية، وبنى لذلك المعاهد ومدارس التحفيظ والمراكز الشرعية ووزع طلابه على دور القرآن وأقام الحلقات العلمية.
بخطابه الإيماني المؤثر وعاطفته الجياشة وأسلوبه المميز وحجته البالغة وموسوعته الفكرية وقوة إقناعه استحق أن يكون شيخ الدعاة في اليمن وإمامهم وقائدهم لنصف قرن مضى وحسبك أنه نشر التدين في كل قرية وصقع من أصقاع اليمن ولا يوجد مدرسة ولا معهد ولا مركز علمي في اليمن إلا وللزنداني فضل عليه.
بتأسيسه وتأصيله علم الإعجاز العلمي يستحق بل يجب أن يرقى إلى مصاف كبار المجددين في عصرنا من أمثال الندوي والمودودي وابن باز والقرضاوي وابن عاشور.
إحياء ما أماتته الإمامة التي جثمت سنين طويلة على صدر الشعب اليمني حتى حولته إلى كومة من الخرافات والأساطير والخزعبلات فقد سعى الشيخ الزنداني إلى القضاء على كل خرافة وبدعة بمعول الحق الصراح ساعده في ذلك همة عالية وعزيمة ماضية وقوة في الحق وصلابة في الدين لا يخشى معها أحد وهو من دعاة السنة الكبار يعرف ذلك من خلال كتبه ومحاضراته ودروسه والتعامل معه والقرب منه فالشيخ حريص أشد الحرص على السنة والعمل بها وهو ممن يأخذ بالعزائم لا الرخص، وساهم مجتهدا غاية جهده في الحفاظ على قيم الثورة ومحاربة التعصبات القبلية والسلالية والطائفية والمنطقية عبر عدد من رحلاته التي طاف بها شرق اليمن وغربه، وقاد مواجهات عديدة عالميا وإقليميا ومحليا للدفاع عن شمولية الإسلام وعقلانيته في وجه العلمانية والملاحدة، ونشر السنة في عموم أنحاء اليمن حتى قضى في ثلاثين سنة على خرافات متجذرة من مئات السنين وأصبحت كراسي الزيدية المتعصبة تتهاوَى تحت ضرباته العلمية المُسددة لذا كان أول هدف للحوثيين إغلاق جامعة الإيمان التي عم نفعها اليمن قاطبة بل العالم الإسلامي كله.
إرساء منهج شرعي رصين قويم لكافة طلاب اليمن في مدارسها وكان يجتهد غاية اجتهاده في أن يطّلع على الكتاب الذي يخطه بيمينه مائة عالم من علماء اليمن زيادة في الحرص على أن تكون العملية التعليمية ناجحة ومناسبة لمستويات أعمار الطلاب ومراحلهم وأفكارهم ومناطقهم من شرق اليمن إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وقد دخل كتابه التوحيد كل بيت من بيوت اليمن وكل من درسوا من الطلاب ما بين سنة 76- إلى سنة 2004م فقد درسوا المناهج التي كتبها، إضافة إلى ذلك عمل وأسس مع عدد من إخوانه العلماء المعاهد الإسلامية في اليمن وساهم في وضع منهج إسلامي لها استفاد منه عشرات الآلاف من الطلاب، ومنذأن كان مدرسا لمادة الأحياء في معهد النور العلمي بحي الشيخ عثمان في عدن إلى أن أصبح مديرا للشؤون العلمية والمناهج ثم وزيرا ثم عضوا في مجلس الرئاسة ثم رئيسا لأول جامعة أهلية في اليمن كان همه كيف يخرج أجيالا متسلحة بالعلم والمعرفة.
جمع علماء اليمن من شتى أطيافهم ومذاهبهم على خطوط عريضة للإسهام في نشر وحماية القيم الإسلامية في المجتمع والأمة بأكملها فالشيخ كان رجل أمة لا حزب وجماعة لا أفراد وهو عظيم الحرص في أن تجتمع كلمة علماء اليمن ليقولوا الحق دون وصاية من أحد لذا قام بتأسيس هيئة علماء اليمن التي كان فيها علماء من كل الأطياف والمذاهب.
وقد ساهم الشيخ من قبل في تأسيس الجمعية العلمية ثم ساهم في تأسيس جمعية علماء اليمن أول رابطة هدفت إلى جمع علماء اليمن تحت مظلة واحدة فلما أن صادرت السلطة قرارها أنشأ هيئة علماء اليمن كما سمعتُ ذلك منه.
قام بتأسيس جامعة علمية عالمية تعنى بتخريج العلماء العاملين المؤهلين للاجتهاد في تخصصاتهم الشرعية وقد سعت هذه الجامعة لبث رسالة الإيمان في الأمة ودرس فيها أكثر من ثلاثين ألف طالب تحولوا إلى مدارس بأنفسهم لنشر رسالة هذه الجامعة وقد أمّها من كافة أقطار اليمن بل درَس فيها من كافة البلدان العربية وهي خلاصة لدراسة أكثر من منهج خمسين جامعة شرعية على مستوى العالم _ وقد أخبرني الشيخ إسماعيل عبدالباري وهو مدير فرعها في الحديدة والخبير بمناهج التعليم منذ نصف قرن – أن منهج جامعة الإيمان أقوى منهج جامعي على مستوى الشرق الأوسط، واستقدم لها أقوى العلماء من كافة أقطار البلدان الإسلامية ليؤسسوا علماء مجتهدين في تخصصاتهم مبدعين لا مبتدعين، مفكرين لا مكفرين، مصلحين لا مفسدين.
تأسيس أول وأكبر هيئة عالمية للإعجاز العلمي في مكة المكرمة عندما كان الشيخ أستاذا في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة سنة ١٩٨٤م ومندوبا لليمن في رابطة العالم الإسلامي وقد أثمرت هذه الهيئة ثمانية عشر مكتبا فرعيا في مصر ولبنان وتركيا والمغرب وتونس والجزائر وماليزيا والنمسا الخ…وأسلم بسبب دراسات ومناهج ومؤتمرات هذه الهيئة عشرات الآلاف من الملاحدة وأهل الكتاب وطبعت ملايين النسخ من كتب الإعجاز، وقدم برنامج” إنه الحق” وفيه حاور ١٤ من رواد العلوم المعاصرة، وأقام مئات الدورات لآلاف الدعاة الراغبين في المحاضرة والبحث في مجال الإعجاز العلمي وهو بهذا قدم إنجازا كبيرا للبشرية جمعاء وليس لأهل اليمن فحسب، وقد اشتهرت دعوة الشيخ في الآفاق ووصلت دعوته وطريقة عرضه المميزة للإسلام في عصرنا الراهن عبر الأشرطة السمعية والمرئية ومن خلال العديد من الصحف والمجلات والنشرات والمطبوعات وبواسطة مؤلفاته إلى أغلب دول العالم ، وترجمت آراؤه ومناقشاته العلمية إلى عدد من اللغات العالمية واستشهد بها كبار العلماء والمختصين في العلوم الكونية، وأسلم على يديه كبار البرفسورات الغربيين والشرقيين وألف بعضهم كتبا بعد إسلامه ترجمت لثلاثين لغة بل أسلم على يد الزنداني سبعة آلاف في محاضرة واحدة في موسكو فماذا أفعل لك إذا عرف هذا الشيخ العالَم وجهلتَه أنت؟.
الانتصار في أكبر معركة من معاركه وهي معركة الشعب بأكمله يوم أن كان الدستور مهيئا لأن ينص على أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع لا غير فقاد الزنداني حملة على الدستور ساعده في ذلك جماهير الشعب الغاضبة ليقود معركة كبرى انتصر فيها للشريعة ليكون الإسلام هو المرجعية الأولى والأخيرة لدين الشعب وهو الأساس والمصدر في الحاكمية ولو لم يقم حينها الزنداني قومته تلك التي كان فيها شعاره “أينقص الدين وأنا حي؟ ” لرأيت أمواج الانحلال طاغية عاتية تغرق شباب اليمن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، ومنذ أن كان الزنداني أصغر نائب وزير في أول حكومة بعد الثورة _ الحكومة التي عينها السلال سنة ٦٢م_؛ فجعل المروني وزيرا للإرشاد القومي والإعلام، والزنداني نائبا له وكان حينها في العشرين من عمره كان حريصا أشد الحرص على حاكمية الشريعة فقدم برنامج” الدين والثورة” على إذاعة صنعاء، ثم في منصب مدير مكتب الإرشاد في السبعينات عهد الحمدي برتبة وزير تراه يقرر المناهج لأبناء الشعب ينمي فيهم القيم ويقضي على الخرافة ثم عضوا في مجلس رئاسة الجمهورية أكبر مجلس يحكم البلد يقرر الشريعة ويحارب من أجلها وإلى اليوم كلما سمع هيعة طار على فرسه إليها.
رحم الله الشيخ عبد المجيد الزنداني، وجزاه عن دينه، وأمته كل خير، وجعل ماتركه من علم ومؤلفات وأثر، وما صنعه من طلاب وعلماء ومؤسسات؛ صدقة جارية في ميزان حسناته إلى يوم الدين، وألحقه بالذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والحمد لله رب العالمين
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً