خلال الأربعة سنوات الماضية شنت وسائل الإعلام المأجورة حرباً شعواء على أليات التغيير في معظم دول الشرق الوسط وشمال أفريقيا، وإعتمدت في ذلك على التهويل وتزوير الحقائق، مجندة لذلك ثلة من ممتهني التنطع بين القنوات الإذاعية الموجهة، وجلهم من توابع الحكومات الدكتاتورية السابقة، وكان القاسم المشترك لذلك الخطاب الإعلامي هو شيطنة الثورات والقائمين بها، ورفض أي تغيير بوسائل إسقاط الأنظمة حتى لا تكون سنة حميدة، قد تجر أكثر من عشرين دولة إلى سلوك هذا المنحى الذي سيسقط رؤساء وملوك وأمراء، لهم في الحكم عقود كثيرة.
ولقد إعتمدت قوى الردة المدعومة بقوي إقليمية على وسائل كثيرة مثل وصم قوى الثورة بالإرهاب والظلامية من أجل إقصائها، أو إعادة تدوير الحكومات السابقة كما في اليمن ومصر، أو تصميم وتفصيل عنصر مشاكس مثل داعش في سوريا والعراق، أو تجنيد مغامرون مثل حفتر في ليبيا، علما بأن معظم التقارير الغربية تفيد تورط بعض الدول الخليجية في الدعم العسكري أو اللوجستي أو المالي لمجموعات قوى الردة. إلا أن بارقة ألأمل الذي لا يجب إغفاله هو التغيير الكبير للقيادات الفاعلة في السعودية بعد وفاة الملك عبدالله، وما يترتب عن ذلك من تغيير سياسات المملكة ألخارجية، الأمر الذي قد يجر دول الخليج إلى النأي بنفسها عن التدخل السلبي في الكثير من الدول التي تشهد تغييراً بنيوياً كما في مصر واليمن وليبيا وسوريا.
في ليبيا إستند الخطاب الإعلامي المزيف على عدة عناوين تم ترديدها كثيراً في وسائل الإعلام من أجل إحباط الداخل والعمل على تحشيد الدول العربية والغربية للمساهمة في وأد المشروع النهضوي من أساسه، والركون إلى نظام مشابه للأنظمة الشمولية السابقة؛ ومن هذه العناوين زوال الأمن والآمان، وإنتشار داعش في المدن الليبية، والتهويل في عدد القتلى والمفقودين والمهجرين، وأن قرار العزل السياسي تم بقوة السلاح، وليبيا على شفاء الإنهيار الإقتصادي، وغيرها من المانشتات الصحفية المحزنة.
وحيث أن الشعب الليبي عاش عقوداً طويلة تحث وطأة تصديق التهويل الإعلامي وغسل الأدمغة، فإن وسائل الإعلام الموجهة قد عملت على إستغلال هذا القصور الثقافي لتمرير رسالتها، فلا يزال الكثير من الليبيين يردد مقولة الحكم السابق “بأن ليبيا بلد المليون حافظ للقرآن” أي بمتوسط حافظ في كل عائلة، وهو إدعاء عاري عن الصحة ولا عُشر معشار ذلك.
وحتى يكون النقاش مجديا نستعرض بعض العناوين التي رددها ولا يزال يرددها إعلام القوى المضادة كثيراً حتى كادت أن تكون من مسلمات الواقع الليبي وهي ليست كذلك.
وجود ثلاثة ملايين ليبي مهجر بالخارج:
كلما تحدث الليبيون عن قرارات مصيرية بالداخل هناك من يقلل من أهمية التوافق بزعم أن هناك الملايين من المواطنين في تونس ومصر. وحقيقة الأمر أن وجود الليبيين في هاتين الدولتين لا يزيد عن بضعة عشرات من الألاف. والجدير بالذكر أن تصريح وجود قرابة مليوني ليبي في تونس كان من وزير الخارجية التونسي عند مطالبته بأسعار تفاضلية للنفط المستورد من ليبيا (650 ألف برميل شهرياً)، وأن 1.8 مليون ليبي هم عدد الجوزات الليبية التي دخلت تونس خلال عام واحد، وهي في معظمها مكررة لا تتجاوز إقامتها أسابيع لأجل العلاج أو التجارة أو السياحة أو حتى العبور.
أما المقيمون الليبيون في تونس فلا يتجاوزون عددهم 30 ألف مقيم، ويدل على ذلك عدة مؤشرات منها وجود 4000 تلميد وطالب ليبي فقط في تونس، منهم ما لا يزيد عن ألف تلميذ في المدارس الليبية، وبواقع 1/5 يكون عدد الليبيين المقيمين أقل من 25 ألف نسمة. أما تقارير الأمم المتحدة لعدد الليبيين المهجرين والمسجلين لديها فهي 5661 في تونس و 7018 في مصر وأن عدد المهجرين بالداخل الليبي يقدر ب 115000 نسمة. وبذلك فإن تواجد ملايين الليبيين المهجرين بالخارج فرية لا أساس لها من الصحة.
إقرار قانون العزل السياسي بالقوة:
ربما لم يواجه قرار بلغط كبير كما حدث لقانون العزل السياسي، وكانت النغمة المستمرة بلا إنقطاع أنه فرض بقوة السلاح من المجموعات الإسلامية في المؤتمر الوطني العام، رغم أنه تم التصويت عليه علنياً بما يقارب 148 صوتا من مجموع 160 عضواً كانوا من الحاضرين. هذا القانون الذي يمنع ممارسة السياسة لرجالات العهد السابق لمدة عشرة سنوات لم يتم إقراره في اليمن أومصر فحدثت النكسة ولم يتم إقراره في تونس فعاد حزب التجمع في رداء حزب نداء تونس. أما في ليبيا فكان من توابع القرار ما نعانيه من شن حرب ضروس على قوى التغيير والإستعانه بالأجنبي لإرجاع حُرّاس المعبد إلى وظائفهم.
وما يؤكد مشروعية وصحة هذا القرار أمرين إثنين؛ أولاهما إفشال المحاولات الإنقلابية من حفتر وأعوانه شعبياً وعدم الإستجابة لهم، والأمر الثاني محاولة مجلس النواب المنحل بالتصويت على إلغاء القرار في اليوم الثاني من فبراير الماضي، إذ لم يتحصل الإلغاء سواء على 62 من 101 صوتاً، في حين أنه يحتاج إلى مئة صوت من مجموع عدد النواب لتمريره (حسب التعديل الأخير للإعلان الدستوري)، وهذا يؤكد بطلان إلغاء القرار حتى من أعدائه، ومشروعية إصدار قانون العزل السياسي، الذي لخص دوره أحد النواب ” بأنهم يصلون معنا ولا يصلون بنا”.
زوال الأمن والأمان:
مقايضة الحرية بالأمن والأمان معادلة يسوّق لها كثيراً في مصر ودول الخليج، وكما نعلم أن الأمن في الدول الشمولية ومنها ليبيا في العهد السابق كان ناتج عن القبضة الحديدية للأجهزة الأمنية، وما ينتج عن ذلك من قمع للحريات والجبروت والطغيان، كما أن الشعوب الثائرة لم يكن في حسباتها الحصول على الأمن والأمان، وهناك فرق كبير بين الرضاء بالفُتات مقابل الأمن، أو إستعمال الحرية للحصول على الأمن والعيش بكرامة. أما الشعوب التي تركن إلى الأمن والأمان بلا حرية فستفقد الحرية والأمن في آن واحد وهو ما نراه في بعض دول الجوار.
إمارات داعش ودامل:
لم تتوقف أبواق القوى المضادة بالداخل والخارج من ترديد وجود ألالاف من المتطوعين من شتى دول العالم للتدريب في ليبيا، ثم تصديرهم إلى العراق وسوريا، بل الزعم بأنهم قد قاموا بتأسيس الدولة الإسلامية في مصر وليبيا (دامل). وينزلق أحد الفارين الليبيين بتصريح على سكاي نيوز عربية بأن عدد المتطوعين الأجانب قد بلغ 79 ألف مقاتل، حتى أن المديع إستهجن هذا التهويل. ورافق هذا التهويل إسناد جميع القضايا الجنائية مثل السرقة والقتل العمد والتعدي على الاملاك والحرابة إلى مجموعات داعش. إن مأربك المشهد الليبي وجعل للتهويل فضاء له، وجود مجموعات متشددة في درنه منذ الثمانينات من القرن الماضي والتي لها صولات وجولات لم تنقطع مع الحكومات المتعاقبة.
في تقرير لوكالة الإستخبارات الأمريكية في منتصف 2014 أفاد أن أفريكوم على دراية بمجموعات تقدر ببضعة مئات من مقاتلين لا يُعرف إن كانوا ليبيين أو من دول مجاورة، أي لا يزيد عددهم عن 300 مقاتل. وفي تقارير أخرى كثيرة منها ما نشر على روسيا اليوم تؤكد أن ليبيا ليست من العشرة دول الأولى لتصدير المقاتلين إلى سوريا والعراق، وكانت تونس في المرتبة الأولى بعدد يقارب ثلاثة ألاف مقاتل تم دول غرب أوروبا ثم السعودية والمغرب والباكستان.
هذا الإعلام قد لا يحتاج إلى رد مباشر بقدر ما يحتاج الشعب الليبي إلى الإنفتاح على العالم وإستقاء الأخبار من مصادر مهنية رصينة، والإبتعاد عن القنوات التى لها مصالح خاصة في عودة النظام السابق أو التي تعمل على تسميم المشهد الليبي لأجندات خارجية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً