كفى كفى كفى بهذه الكلمات الأمرة خاطبت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة في اجتماعهم الأخير بالقاهرة، وأردفت أن هذا الاجتماع الذي سينتهي يوم 19 يونيو سيكون الأخير، وتعني بذلك: لا عن الدستور والقاعدة الدستورية بل هو الأخير للأجسام القائمة، مع تحميلها الفشل الذريع لثمانية سنوات عجاف.
في اجتماع المجلسين المنعقد بتاريخ 12 يونيو يتحرك الفريقان في مسارين متوازيين لا التقاء بينهما، مجلس النواب يتحدث عن تعديل الدستور والاستفتاء عليه تبعا لقانون سابق أصدره وتدعمه الحكومة المصرية، مع تفصيل الدستور حسب المقاس على شخصيات معينة، أما مجلس الدولة فيناقش بنود الدستور للوصول الى قاعدة دستورية يمكن بها إجراء الانتخابات وتكون تعديلات هذا الدستور نواة للدستور الدائم الذي يتولى البرلمان المنتخب القادم إجراءات الاستفتاء عليه. ومن البنود الرئيسية التي تحتاج الى توافق نوع نظام الحكم، وصلاحيات الرئيس، وتقنين ترشيح العسكريين ومزدوجي الجنسية للرئاسة. وبذلك فإن المتابع لمجريات الأمور يعلم أن هذا الاجتماع لن يفضي إلى أي اتفاق وإن حدث فلن يكون له تمثيل على الواقع، وأن الحل للمشكلة الليبية يكون خارج الصندوق أي خارج الأجسام الحالية.
المشكلة الأخرى أن حكومة باشاغا حفتر عقيلة اعترفت بها روسيا من الوهلة الأولى ولذا استنكفت الدول الغربية عن الاعتراف بها أو التعامل معها حتى لا تكون في صف واحد مع روسيا. ولذا ستعلن ستيفاني يوم 20 يونيو 2022م فشل المفاوضات بين مجلس النواب ومجلس الدولة وعدم الوصول إلى أي نتائج إيجابية ومنها القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات، وستطلب من المجلس الرئاسي إصدار تعليمات بتجهيز القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات وتحديد موعده، وبذلك تنتهي كل الأجسام البالية الحالية.
من جانب آخر تعصف بأوروبا حاجة ماسة إلى الإمداد بالنفط، في زمن انكماش التزويد الروسي لها، وأن الموانئ الليبية النفطية القريبة منها مغلقة بسبب قوات فاغنر الروسية الغريم الذي يريد الغرب أن تدحره في أوكرانيا كما في أي دولة أخرى، وأن دولة مثل ليبيا لها الترتيب السابع لاحتياطي نفطي مؤكد في أفريقيا بنسبة 39% لن تترك لروسيا وقواتها ومرتزقتها، وأن الموقع الاستراتيجي لليبيا يجعل جنوب أوروبا جميعه تحت رحمة الدب الروسي، ولذا حزمت بريطانيا وأمريكا أمرهما للتخلص من قوات فاغنر والداعمين لها على الأراضي الليبية لتمكين تدفق ما يقارب المليون برميل يوميا من النفط الخفيف لأوروبا.
دلائل الاستعداد العسكري للحرب كثيرة منها تصريح أردوغان أن السلام في ليبيا هو مهمة حلف الناتو، تبع ذلك وصول خمسة طائرات نقل عسكرية في أسبوع واحد، إحداها بريطانية واثنتان أمريكية إلى القاعدة الجوية بمصراتة مع طائرتان C130 , A400 تركية إلى قاعدة الوطية، بالمقابل هناك مناورات عسكرية لقوة الفاغنر في قاعدة براك الشاطئ منذ يومين.
ما شجع على العملية العسكرية تغير الخطاب الشعبي في المنطقة الشرقية، بعد التنديد بجرائم حفتر ضد المدنيين في المحاكمة الأمريكية بفرجينيا وتخلي فريق الدفاع عنه وإمهال المحكمة له حتى 20 يوليو ثم النطق بالحكم غيابيا، هذه الأحداث أدت إلى ترتيب اجتماع سلوق للحكما وأعيان المنطقة الشرقية والذي يعتبر نقطة تحول للخروج عن طوع مجلس النواب وحفتر والمخابرات المصرية عندما رفض الجميع رفع صور المشير وعقيلة أو ذكر أسمائهم أو التطبيل لهم، وتوافق المشايخ على إنهاء الأجسام الحالية ومنها مجلس النواب والذهاب للانتخابات، وهددوا باللجوء للعصيان المدني مع المنطقة الغربية من أجل إسقاط كل الكيانات الحالية، رغم المضايقات الكثيرة التي واجهها الأعيان من أزلام الكرامة.
حجم كراهية النشطاء والفعاليات الشعبية للتصرف المصري المهين واضحة، فبعد الزج بأبنائهم في حرب خاسرة راح ضحيتها أكثر من 20 ألف ضحية وأكثر من 20 ألف معاق، أدخلت مخابراتها على شكل عمال وتجار خضروات (ملوثه) بما يزيد عن 400 ألف في المنطقة الشرقية من مجموع 650 ألف وقد يصل العدد إلى الملايين إن وصل حلف حفتر باشاغا عقيلة إلى الحكم، وكان الاحتقان أكبر بعد إلزام الليبيين بدفع غرامات كبيرة عند الذهاب إلى مصر مثل دفع 25 دولار ثمن التأشيرة ورسوم دخول 350 جنيه مصري ورسوم خروج مثل ذلك بل حتى رسوم نظافة بـ120 جنيه، إضافة إلى إبتزاز الليبين لدفع الرشاوي من الضباط عند الدخول من معبر مساعد. ولذا فالحكومة الليبية والنشطاء في المنطقة الشرقية يجب عليهم المناداة بتسفير العمالة المصرية كمعاملة بالمثل والتخلص من أي تهديد يشكله هكذا عمالة مدربة على السلاح.
قوات الفاغنر الروسية تستعملها روسيا في المناطق التي تشوبها الحروب والفوضى والنزاعات ولا اتفاق رسمي بينها وبين الدول المضيفة لتلك القوات في الكثير من مناطق الصراع مثل ليبيا وسوريا ومالي والسودان وإفريقيا الوسطى وأوكرانيا وغيرها، وهي تبدأ كمجموعات أمنية ثم تتحول إلى استغلال الموارد والتهريب والقمع المعارضين والاغتيالات، ضمن السياسة الروسية غير الرسمية.
إلا أن الفاغنر منيت بالعديد من الهزائم، ففي سنة 2016 شاركت الفاغنر في حرب سوريا بعد مقتل الكثير من الروس، ورافقت زحف قوات الأسد في الكثير من المعارك، حتى كان موعدها للزحف شرقا إلى دير الزور حيث قذفتها القوات الأمريكية بحمم جوا أودت بحياة أكثر من 100 مرتزق عسكري، فانسحبت ولم يكن لروسيا أي رد على الحادثة، وفي ليبيا مات العديد منهم في حرب طرابلس، وفي أوكرانيا فشل مخطط اغتيال زيلينسكي في فبراير الماضي.
العملية العسكرية القادمة لن تكون شاملة كما في أوكرانيا أو سوريا لسبب واضح وهو عدم وجود اتفاق دفاع مشترك شرعي كما في سوريا ولا مقاطعات تابعة لروسيا كما في أوكرانيا، بل ستكون هجمات خاطفة من قوات الأمريكية وبريطانية يتم من خلالها إجبار الفاغنر على الانسحاب إلى جمهورية مالي برا. يبقى السؤال هل تتم هذه العملية التي يتم الترتيب لها حاليا أم تؤجل قليلا حتى يتم الاتفاق مع المجلس الرئاسي كغطاء قانوني لإعلان الهجمات العسكرية.
بقي موضوع المبعوثة الأممية التي قد يتم استبدالها في نهاية يونيو الحالي، والبديل سيكون ألماني أو من أي جنسية أخرى ليس لها علاقة بروسيا كما حدث مع كوبيتش الذي أفسد كل ما قامت به المنظمة الأممية، وبذلك يستمر النهج الحالي في تحجيم الروس بالمنطقة وإيجاد صيغة توافقية للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً