إنَّ الارتباط ظاهر ووثيق بين الآية السابقة التي فيها أحضر إبراهيم الطعام لضيوفه وبين هذه التي فيها لم يمدّ الضيوف أيديهم إلى الطعام، فتوجس منهم إبراهيم عليه السّلام.
أ- {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ}:
فلما: فاء التعقيب متصلة بلما المقيدة أول حدث الشيء تفيدان المسارعة في حدوث أمر ما، وهنا لما رأى أيدي الضيوف، وهو لا يعلم أنهم ملائكة رآها لا تمتد إلى الطعام، وعبّر بـــ {لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} عوضاً عن لا تمتد، فهي لن تصل إذا لم تمتد، ولعلي ألمح أن تعبير لا تصل، يفيد تقريب الطعام الدالّ على الإكرام بحيث لا يحتاج الضيف إلى مدّ يده، وإنما هي من المفروض أنّها واصلة إلى الطعام؛ لقربه أو شدة قربه أعني قرب القرى، ومعنى {نَكِرَهُمْ} إما استنكر فعلهم، أو شعر بوحشة من فعلهم أو شعر بغرابة سلوكهم، فالضيف الذي لا يتناول طعام المضيف أمره غير مريح بل مخيف(1).
ولأنَّ من تقاليد أهل البدو وأهل الريف يتحرجون من خيانة من أكل معه طعاماً، فإذا امتنعوا عن طعام أحد، فمعنى هذا أنهم ينوون به شراً، أو أنهم لا يثقون في نياته لهم(2)، ولذا قال بعده:
ب- {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}:
أيّ شعر منهم، أو نحوهم بشيء من الخوف والتحسب والظن والتوجس والخيانة والخوف(3).
ج- {قَالُوا لَا تَخَفْ}:
لاحظ الضّيوف تخوّف إبراهيم – عليه السّلام – منهم، فأرادوا طمأنينته وأخبروه عن طبيعتهم ليطمئن، إنّهم لم يأكلوا عنده؛ لأنهم ملائكة والملائكة لا يأكلون الطعام، فلا يخف(4).
د- {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}:
{إِنَّا}: توكيد من شأنه أن يذهب الروع عن إبراهيم ويزيل التوجس والخوف من توقع نية السوء من قبل هؤلاء نحوه.
{أُرْسِلْنَا}: أصل الإرسال الإطلاق، وهو دون البعث في القوة فيما أرى، وغايتنا أعني قوم لوط(5).
{إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}: إلى للغاية؛ أي هم وجهتنا وغايتنا، قوم لوط الشاذين الكافرين لإهلاكهم ودمارهم(6).
• الدروس والفوائد في الآية الكريمة:
– دقّة التعبير في قوله تعالى لا تصل بدل لا تمتد.
– كل كلمة لها معنى وإيحاء وظلال وإيماءات، هذا هو القرآن الكريم.
– الرسل بشر يعتريهم ما يعتري البشر من خوف وحزن وألم.
– حسب تقاليد البدو، فإن الذي لا يأكل الطعام عند مضيفه أمره مريب أو أنه يريد شراً أو أنه لا يثق بنية مضيفه(7).
هذه القصة وقعت بعد هجرة إبراهيم – عليه السّلام – من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق، وإقامته في أرض كنعان في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين.
مراجع الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائة:
( ) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص260.
(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/1912).
(3) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص260.
(4) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/420).
(5) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص260.
(6) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/420).
(7) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص259.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً