يقول الدكتور عماد الدين خليل: “ترددت طويلاً في اختيار العنوان المناسب لسيرتي الذاتية المتواضعة هذه… ثم ما لبثت أن وقعتُ على المطلوب أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا أنْتَ، فمن هو أستاذنا الدكتور عماد الدين خليل؟
أولاً: من هو الدكتور عماد الدين خليل؟
ولد المفكر الألمعي الدكتور عماد الدين خليل في مدينة الموصل في العراق عام 1941م. وحصل على البكالوريوس في الآداب من قسم التاريخ بكلية التربية بجامعة بغداد عام 1962م، والماجستير في التاريخ الإسلامي من معهد الدراسات العليا بكلية الآداب في جامعة بغداد عام 1965م، عن رسالته (عماد الدين زنكي:487-541 هـ/1094-1146م)، والدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة عين شمس في مصر عام 1968 م، عن أطروحته الموسومة (الإمارات الأرتقية في الجزيرة الفراتية والشام:465-813هـ/1072-1410م).
عمل باحثاً علمياً، ومديراً لمكتبة المتحف الحضاري في المؤسسة العامة للآثار والتراث في الموصل للأعوام 1977-1987م. كما حصل على الأستاذية عام 1989م، وعمل أستاذاً للتاريخ الإسلامي في جامعات عدة في العراق والإمارات العربية المتحدة والأردن وغيرها طوال أربعة عقود من البذل المستمر ومن أفكاره ومقولاته التاريخية الرائعة:
في حديثه عن قيمة التاريخ قال: (فها نحن إذن قبالة التعامل مع التاريخ بكل ما ينطوي عليه هذا الفرع المعرفي من شروط. فالسرد التاريخي في المنظور القرآني يستهدف البحث عن العبرة، أي الجوهر والمغزى، وهو خطاب موجّه لذوي البصيرة القادرين على سبر هذا المغزى والإفادة منه في واقع حياتهم والتخطيط لمستقبلهم).
في رحلته إلى مكة والمدينة: (… ولقد انتظرت طويلاً… وما بين عام 1966م حيث حزمت الحقائب ونويت الذهاب، وعام 1998م حيث استجبت للنداء … أكثر من ثلاثين عاما جرت عبرها أكثر من محاولة… ولكن لم يكتب لأي منها التوفيق. العوائق كثيرة، وقطار العمر يجري… وثمة خوف من أن تصل المحطة الأخيرة دون أن تكون قد لبيت النداء…ما الذي ستقوله حينذاك لله ورسوله؟).
في حواره مع مجلة الإيمان، سألوه: ما هي هوايتك المفضلة؟
“هوايتي المفضلة هي القراءة التي أمزج فيها الليل بالنهار لأنها الوقود الذي يمكن الباحثين والمفكرين والكتاب من الاستمرار على أداء عملهم … وثمة هواية أخرى ترفيهية هي الرياضة التي أتابعها بشغف”.
بشرى للأستاذ عماد الدين خليل بعد قراءتي كتابه “أشهد أن لا إله إلا أنت؛ السيرة الذاتية”:
هذه البِشارة ليست في قراءة كتابٍ عادي كأي كتاب، بل في مراجعة وقراءة كتاب جديد لأستاذنا المفكر الدكتور عماد الدين خليل، الدكتور خليل الذي أعتز بأنني أحد تلامذته ممن تعلمت منه الكثير في بداية مشواري العلمي ومطالعاتي الثقافية والمعرفية في مجالات الأصول والتفكير والمناهج التاريخية والسيرة والتاريخ والنقد والتحليل.
في هذه الأيام أقرأ في كتابه السيرة الذاتية، وهو يعتبر خلاصة تجربة المفكر الكبير والمؤرخ القدير والأديب الشهير في حياته العلمية والفكرية والشخصية وأنا الذي عِشت معه منذ طفولته في الموصل، وفي شبابه ببغداد لما كان في كلية الآداب، وفي دراسته العليا حول شخصية القائد الشهير نور الدين زنكي، وفي رسالته الدكتوراه في عين شمس بمصر، وقد تتلمذت على ما كتبه وأبدعه، ومن أكثر الكتب التي تأثرت بها من هذا المفكر العظيم كتابه: (ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز)، وقد ذكر الأستاذ عماد الدين خليل في سيرته الذاتية عن فرحته الكبرى ببشرى سارة أخبره بها الشيخ الدكتور مصطفى محمود البنجويني وهو من علماء العراق، وذلك لدى عودته من دراسته بالقاهرة بعد حصوله على الماجستير في الفقه الشافعي، وحكى له “كيف أنه رأى رؤيا في المنام فقد وجد نفسه فجأة بإيزار قصر رائع في الجنة، فلما سأل عن هذا القصر كان الجواب: إنه لعماد الدين خليل جزاءَ جهده في إنجاز كتابه ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز”.
وفي هذا رد الدكتور عماد الدين خليل قائلاً: “لقد كانت بحق واحدة من أثمن الهدايا التي تلقيتها في حياتي كلها، بل أثمنها على الإطلاق وعسى أن أكون ممن يستحقونها”.
وكذلك، فإن من أبرز الوقفات التي شدتني في هذا الكتاب، وهي كثيرة، حديثه عن كتابه “رحلة الصعود التي لا نهاية لها”، حيث قال: “لطالما تساءلت بيني وبين نفسي ما الذي أنقذني مراراً من الموت المحقق غير إرادة الله عز وجل؟ ما الذي أخرجني سالماً من خمس عمليات جراحية كبرى أوشكتُ في كل منها على مفارقة الحياة غير إرادة الله عز وجل!؟ ما الذي مكنني من كتابة وتبييض آلاف الصفحات رغم ما كنت أعانيه عبر كتابة كل سطر من ضيق قاسٍ في النَفَسِ وثِقل في الكتف الأيسر ومتاعب جما في القلب وانسداد في الصمام غير إرادة الله سبحانه وتعالى؟
إن إرادة الله سبحانه وتعالى هي التي ترسم خرائط حياتنا بتفاصيلها كاملة وهي التي تقرر مصائرنا وهي التي تقودنا عبر الطريق وترعانا وتحرسنا من الأذى والمخاطر والموت لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى، أفلا نكون أوفياء معه جل في علاه ونمحص حياتنا ونأمم كل دقيقة بالجهد المثابر الموصول من أجل إعلاء كلمته في الأرض. وهكذا بهذه الرؤية الواضحة النقية كالبلور جابهت دوامة الفراغ التي كانت أن تفترس حياتي… أخرجتها من حساباتي… وبدت رحلة الصعود التي لا نهاية لها”.
لقد لخص لنا تجربته عندما ناقش رسالة الدكتوراه وعاد من مصر إلى بلده العراق وتلقى تهاني الأهل والأقارب، ولكنه ما لبث أن وجد نفسه فجأة أمام إحساس هائل بالفراغ… وراح يتساءل مع نفسه وهو غارق في دوامات الملل والاكتئاب… ما الذي جرى؟
ففي يوم فرحه الكبير، حيث توجت جهود أكثر من عشرين سنة من الكدح الدراسي بحصوله على الدكتوراه في أعلى الدرجات، يتحول إلى حزن عميق وإحساس قاسٍ بالفراغ، ولكنه من رحمة الله به سرعان ما عثر على الجواب؛ لقد كانت حياته كما يقول في الكتاب الجديد “أشهد أن لا إله إلا أنت؛ السيرة الذاتية”: “عشرين عاماً مليء بالرغبة في التفوق الدراسي واجتياز مراحلها واحدة بعد أخرى، فلما أنجز المطلوب لم يبقَ ثمة أمامه ما يدفعه إلى هدف جديد أحس بذلك الفراغ القاسي الذي أفقده تذوق طعم الأشياء واستمر يحاصره لأسابيع طوال، وسرعان ما تبين له أن من رحمة الله فيه أن وصل إلى حقيقة من حقائق الوجود عَبَّرَ عنها في كتاب رحلة الصعود التي لا نهاية لها، حيث عاش في آفاق الإيمان المتجدد الذي يفتح الأبواب أمام الإنسان إلى الحركة الدائمة والعطاء الموصول من أجل رضا الله عز وجل.
إن هذا الكتاب في سيرته الذاتية مليء بالدروس والعِبر والفوائد على المستوى الشخصي، وقراءة وتفسير للأحداث التي مر بها العراق ومرت بها الأمة خاصة بعد الغزو الأمريكي وماذا حلَّ به. إذ دون في كتابه هذا الصراعات والأحداث السياسية في العراق وواقع التيارات المذهبية والفكرية والحزبية المتعددة بموضوعية نادرة، كما قدم للقارئ تجربته الشخصية في عالم التأليف والبحث والكتابة والتدريس في شتى المجالات التي تميز بها الدكتور خليل، الأدبية والتاريخية والحضارية والفكرية.
وتجد في هذا الكتاب تفاصيل عن الاحتلال الأمريكي للعراق ورأيه فيه، وفِرق الموت التي خصصت لاغتيال العقول والكفاءات العراقية، وتجد في الكتاب إنصافاً للشخصيات التي حكمت العراق، مثل عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وصدام حسين ومحمد حسن البكر. وفي هذا الكتاب ترى كيف دافع الدكتور خليل عن الفكرة الإسلامية وشموليتها وقدرتها على التصدي للأفكار السلبية الغازية، والاستفادة من عطاءات وإيجابيات الحضارات الإنسانية الأخرى.
كما تجد في هذا الكتاب حديثاً مطولاً عن رحلاته العلمية إلى سورية ولبنان ومصر والأردن واليمن والسعودية والإمارات وقطر والسودان والمغرب وإسبانيا وماليزيا بقصد التدريس وإلقاء المحاضرات والندوات أو السياحة، ودوَّنها بقلم أدبي رفيع يجعلك كأنك تعيش معه في تلك الرحلات.
وفي هذا الكتاب كتب ما مر به من أحزان وأفراح وكيفية التعامل معها، وإن المحور الأساسي في سيرته أولاً وأخيراً كان إيمانه بالله سبحانه وتعالى والتوكل عليه، وكانت تلك الفكرة حاضرة بقوة في مسيرته المليئة بالعطاء والبذل والتضحية، وأعطى تفاصيل عن كثير من كتبه التاريخية والأدبية والفكرية وأسباب كتابتها، وما الجديد الذي قدمته.
إذن يمكنني القول بحق، يعتبر كتاب (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا أنْتَ؛ السيرة الذاتية) لمؤلفه أستاذنا المفكر الدكتور عماد الدين خليل مرجعاً علمياً رفيعاً، وهو إضافة علمية عظيمة للمكتبة الإنسانية والإسلامية معاً بالنظر إلى منهجية الكتاب وسرد أفكاره وتاريخ سيرته العلمية، وهو ذو طعم خاص ولون جذاب ورائحة عطرة… فالتحية والتقدير للمفكر الكبير والمؤرخ الشهير والأديب الفذ أستاذنا الدكتور عماد الدين خليل على هذه الإضافة النوعية التي أنصح شبابنا ومثقفينا ومفكري أمتنا وعلمائها بالاطلاع عليه والاستفادة من طرائقه المنهجية وفكره المتميز وعلمه الغزيز وهدفه الجليل في خدمة الإسلام وأهله.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
سيدي انت محظوظ لانك من قراءالدكتور عماد الدين خليل ونحن محظوظون لاننا من قراء كل ماتكتبه ويقع بين ايدينا من كتب او مقالات حفظك الله يا دكتور ونفعنا بعلمك