الآن، نحن نتوفر على رؤيتين، الرؤية الفرنسية التي ترى ان حل الازمة الليبية يمر عبر صناديق الاقتراع التي يجب ان تتم قبل نهاية العام الحالي حتى وان لم يتوفر دستور حاكم، ويتفق مع هذا الطرح مصر والامارات والسعودية وربما روسيا. والرؤية الأخرى هي الرؤية الإيطالية التي ترى ان الانتخابات دون دستور حاكم سيقوض نتائجها، ويشارك إيطاليا في هذا الرأي الولايات المتحدة وبريطانيا.
والسؤال الذي يجب ان يسأله الليبين هو: أي من هاتين النظرتين تخدم القضية الليبية؟ وهل تسعى هذه الدول فعلا الى حل الازمة الليبية وترسيخ الوحدة الوطنية والخروج من الازمة ام أن لها غرض اخر من ورائه؟ والسؤال الأخير: لماذا ينحاز فريق لاحد الطرفين وينحاز الفريق الاخر للطرف الاخر؟
لا شك ان هناك نوايا لكل دولة تتعارض مع نوايا الدولة الأخرى، وهذا احد أسباب تعطل حل الازمة الليبية، لكن في تقديري لا تتعارض هذه النوايا مع نية تحقيق حل لهذه الازمة لكن بشكل يتماهي مع غرض هذه الدول. وحتى نستطيع الاستئناس بأحد الرؤيتين علينا ان لا نكتفي بفرنسا وإيطاليا، وانما بالدول التي تساند تصور هاتين الدولتين للحل، وما هو القاسم المشترك بينهم، وكذلك انعكاس هذين التصورين على المؤيدين المحليين لاحد هذين التصورين.
يشترك حلفاء حفتر المحليين والدوليين في العداء للتيار السياسي الإسلامي بكل اطيافه، وفي مقدمتهم تيار الاخوان المسلمين، لهذا وجد حفتر دعم غير محدود من مصر والامارات والسعودية، ولا شك ان علاقة حفتر بمصر تجاوزت حدود التحالف، وحقيقة التحالف القوي بين نظام السيسي وحفتر لا يتوقف عند الملف الأمني كما تحاول الحكومة المصرية تسويقه، وانما في الملف السياسي، فوجود جماعة الاخوان في السلطة او قريب منها لا يقبله النظام المصري القائم، وقد شاهدنا خلافا مصري – فرنسي رغم التحالف الذي بينهما حين تم اشراك خالد مشري في اجتمعات باريس.
بيان باريس لم يشير الى الدستور، وانما ورد في مادته الأولى “الإقرار بأهمية وضع أسس دستورية للانتخابات”، هذه العبارة فضفاضة، وتحتم اجرآت وتفسيرات متباينة، وقد تترجم باشكال متباينة من الخصوم، وقد يبني عليها الكثير من الخلافات، فمثلا قد يسعى البعض لدعم الانتخابات دون ان يكون هناك دستور حاكم ولن يجد معارضة من الشارع الذي يستعجل عملية خروج الاجسام المسؤولة عن ازمة المواطن. وأول من سيسعى الى دعم هذا الامر هو قيادة الجيش التي تخشى ان يستبعد الدستور قياداتها بشروطه التي تحدد صفة المرشح، وسيدعمه أيضا نخب برلمانية ككتلة السيادة الوطنية والتكتل الفيدرالي، الذين سيؤيدون كل اجراء يعمل على اقصاء الاخوان.
بالمقابل، موقف إيطاليا من الازمة استثمرت فيه وقوفها الى جانب الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات المغربية، وعملت في مارس 2016 على حشد الدعم الدولي للاعتراف برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، كممثل شرعي للشعب الليبي، وقامت بتامين نقله من تونس الى طرابلس على ظهر سفينة حربية تابعة للقوات البحرية الإيطالية من أجل استلام وممارسة سلطاته. لا شك ان هذا الامر منح إيطاليا العديد من الامتيازات التي عززت مكاسبها الاقتصادية، وربما ساعد أيضا في تفعيل بعض الاتفاقات التي تعطلت بسبب االثورة عىل نظام القذافي، كاتفاقية الصداقة الموقعة في العام 2008، وتضمنت استثمارات إيطالية تعويضًا عن الحقبة الاستعمارية، كما يتضمن اتفاقا على تعاون بين طرابلس وروما في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، ولعل أهمية هذا الملف …. الى جانب وجود التقل الاقتصادي لإيطاليا في الغرب الليبي … هي من تدفع إيطاليا لتبني موقفها الداعم للغرب الليبي. لاشك ان مساعدة حكومة السراج ودعمه وتفعيل بعض الاتفاقيات، الى جانب وجود المكاسب الاقتصادية في الغرب الليبي عزز العلاقة بين إيطاليا والغرب الليبي، ومال تحت غطاء الدعم الدولي لاتفاق الصخيرات لان يأخد شكل هو اشبه للتحالف مع الغرب اللييبي من مجرد دعم للحكومة المعترف بها دوليا.
أمريكيا وبريطانيا أيضا تدعمان الاتفاق السياسي وتقفا وراء حكومة السراج، لكن موقفهما غير المعلن لا يختلف عن موقف فرنسا، فكما تدعم فرنسا قوات الجنرال حفتر خارقة بذلك القانون الاممي الذي يمنع الدعم العسكري وتسليح الفرقاء الليبين، قدمت أمريكيا دعم غير محدود لقوات البنيان المرصوص في حربها ضد داعش في سرت، وكلا الدولتين تقف الى جانب حكومة السراج، ولا تضعان فيتو على مشاركة عريضة في إدارة شؤون الدولة تضم الاخوان والتيارات التي توصف بالمعتدلة.
موقف إيطاليا من الانتخابات، مدعوم بريطانيا وامريكيا، لابد وان يجد التأييد الكامل من مجلس الدولة وبالتحديد من تيار الإسلام السياسي الذي يصر على وجود دستور ينظم صلاحية الحاكم وقانون انتخابي يبين صفة المرشح، حتى يضمنو بذلك استبعاد خصمهم اللذود الجنرال حفتر.
لقد هيمن هذا الاستقطاب الحاد على الازمة الليبية، وسبب تجدرها، وللأسف سيعمل كل فريق على تسويق تخوفه مشفوعا بمبررات قابلة للتصديق، فتحالف حفتر لن يعدم الوسيلة في اضهار الإسلاميين كقوة ظلامية يخشى منها على مستقبل الدولة وعرقلة تقدمها. في حين لن يعدم الفريق الخصم من تصوير حفتر على انه إعادة لدكتاتورية العسكر، او ارجاع لازلام النظام السابق. ويعمل التيارين على تعبئة الشارع الليبي كل من اجل مشروعه الذي يدور حول السلطة والاستلاء عليها. وللأسف استطاع التياريين تحقيق بعض النجاحات في استقطاب فئات من المواطنين، فخرجت مضاهرات قادها حراك “لا للتمديد” الذي كان غائبا طوال اربع سنوات، ولم يحرك ساكنا عندما مدد البرلمان لنفسه، كما خرجت مظاهرات نددت بالتدخل الإيطالي. وقد رأينا أيضا في السابق تحركات في عدد من المدن الليبية ضد البرلمان بسبب نقل جلساته الى طبرق عوضا عن بنغازي مقر البرلمان الرسمي، ومظاهرات ضد حفتر ودعم لعملية فجر ليبيا التي احرق فيها اهم منافد البلد.
لقد فقد الوطن بوصلته بسبب الصراع عن السلطة، وما مظاهر الادانات التي نراها الا استتمار لتاريخ عفى عليه الزمن من اجل كسب تأييد شعبي في صراع الوصول الى كراسي الحكم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
د. معيوف
أشكرك على التوصيف الواقعي والموضوعي للأزمة الليبية ، وهدا يدل على فهمكم الحقيقي للمشهد السياسي الليبي والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على هدا المشهد.