ضمن التأطير الزمي الإلهي لمعركة، الحق والباطل في تركيا، الانتخابية بين عيدين لها دلالاتها بدون الخوض في التفسير، بل الإعلان عن نتائج المعركة في 29 مايو وتوافق هذا التاريخ مع فتح القسطنطينية (إسطنبول) على يد السلطان محمد الفاتح تظل حسابات ربانية أكبر من أن نخضعها لتفسيراتنا القاصرة والمحدودة، بل وبمرور قرن على انهيار دولة الإسلام فإن حديث سيدنا المصطفى ونبوئته بأن: “الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، وحسب تفسير علماء الحديث: من بالحديث أسم موصول تفيد الإطلاق، فيحتمل أن يكون المجدد فرداً أو طائفة، ولكنها ستبقى دوافع قوية لنا كمُسلِمين لله مدبر حياتنا الاأبدية، والمؤقتة على وجه الأرض، أن نتفاءل خيراً بمستقبل تركيا، وكذلك ليبيا، بعد فوز أردوغان مهما حاول المفسدون، بالداخل والخارج، إظلام مستقبلنا.
ومع إيمان الكاتب بضرورة الأخذ بالأسباب في حركتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أنه تظل هناك حسابات ربانية لا يمكن أن يستوعبها جهابذة السياسة والاقتصاد والاجتماع. فاستخلاف الله سبحانه وتعالى للإنسان في الأرض وفتح باب الاجتهاد له على مصرعيه ليعيش حياته على الأرض في مكابدة وجهاد لأجل إرضى الواحد، جل وعلا، أو السقوط في الانصياع لغرور النفس وجشعها وكبريائها. فجميع الناس تخضع لقانون رب الناس: “كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً”، حيث يمكن لأصحاب النفوس المغرورة المريضة أن تنتصر لو أخذت بالأسباب وتقاعص أهل الحق عن الأخذ بها. وما تعيشه تركيا من صراع بين قوى البناء والعمارة والأخلاق والعدل وإحقاق الحق وخدمة أهله، والمتمثل في حزب العدالة والبناء وعلى رأسه السيد رجب طيب أردوغان، وقوى على الطرف الأخر جالسة على مدرجات الظلم والهدم تصيح وتنادي بالمثلية والانحطاط والارتماء في أحضان الاستعمار. هذا التدافع الذي تعيشه تركيا تأجج خلال الانتخابات وقبلها، بعد الأخذ بالأسباب، بين اليمنى واليسرى، إلا أن الله ساند أهل الحق، أكراماً لجهودهم، وهزم أهل الباطل، بالرغم من جهودهم الساقطة في وحل الرذيلة، ورغبتهم في نشر الظلم والفاحشة.
تركيا تنهض:
تضرب تركيا مثلا عظيماً في الأخذ بالأسباب، بنهج إنساني إسلامي، والتوكل على الله بعيداً عن الكسل والتواكل، ومن هنا كانت النجاحات وتجنب السقوط في فخاخ الظَلمة، والفُجار. يحاول الكاتب أن يجد تفسيراً لفَشل محاولات تحركات قوى الاستبداد العالمية لمناصرة ودعم الانقلاب العسكري في 15 يوليو 2016 أو التأييد الذي حصل عليه السيد كليشدار أوغلو، فبالمقاييس المادية على الطرف الأخر هي تبدو أقوى ولكن هناك عمل مضني وجهود، من قبل أ{دوغان وحزبه، تبدل فتشكر.
النجاحات في تركيا تحققت لأخذها بالأسباب وارتكازها على ثلاثة قواعد بناء أساسية، بعيداً عن فخاخ التطرف ومنتجات مطابخ الاستخباراتية الغربية، تفسر نجاحاتها وتتلخص في الأتي:
الأقتصاد: لتركيا اجتهادات ومعالجات لتطوير الاقتصاد فاقتحمت السوق العالمية، وتفننت في الابتكار والتصنيع في المجالات العسكرية. بل وكانت لها مواجهات، متوكلة على الله، تتصدي، فيها لمحاولات إضعاف العملة (الليرة التركية)، كما وأنها تعاطت مع الزلزال بثبات وبدون إرتعاش، وعملت بجد على جمع الأموال اللازمة، ووضعت سياسات لإدارة الأزمة بدون انفعال، أو حتى تأجيل للانتخابات.، وحولت الكارثة إلى مشاريع بناء وإعادة إعمار.
السياسة: تميزت سياسة تركيا خلال العقدين الماضيين، وإلى حدٍ بعيد، سياسة لا تعرف الارتعاش من، أو التردد في، التعامل مع الأطراف والقوى الدولية المتناقضة، بل أبدعت في الخدمة الإنسانية فسمحت لأوكرانيا بتصدير الحبوب ولأوروبا الحصول على الطاقة والغاز. في نفس الوقت مع تعاملها مع إسرائيل لا تسكت في الهجمات الأخيرة فيقول السيد أردوغان: “ “تركيا بدأت حوارًا جديدًا مع إسرائيل، ولكن ليعلم الجميع وفي مقدمتهم إسرائيل، لا يمكن أن يكون هذا مقابل القضية الفلسطينية، فالمسجد الأقصى والقدس خط أحمر بالنسبة لنا دائمًا، وفي هذه المسائل لا يمكننا المساومة أبدًا”.
الاجتماعية: اتخذت تركيا المجاهرة وبصوت عالي لرفض مشروع اليسار العالمي للتفسخ الأخلاقي ومسخ الفطرة الانسانية وقبول المثلية، وعدم مجاراة القوى الدولية المناصرة للإنحطاط الإنساني بما في ذلك دول تدعي بأنها دول محسوبة على الإسلام، كما وقد عملت على محاربة التطرف بمختلف أقنعته الدينية، وحتى العرقية. عملها الإنساني امتد إلى المُهجرين السوريين فأوتهم وأطعمتهم، مع تهاون المجتمع الدولي، وجعلت منهم أيادي، غير متسولة، ومساهمة في العمارة والبناء، والصناعة والزراعة في تركيا.
هل سيلحق النصر ليبيا؟
قد يتساءل البعض: كيف سينعكس انتصار اردوغان وإعادة انتخابة على الوضع في ليبيا؟ فالمؤشرات والسوابق مطمئنة! فتهنئة رئيس الحكومة، المهندس عبدالحميد الدبيبة، مؤشر قوي لاستمرار لعب تركيا دوراً إيجابيا من خلال ثلاثة ملفاتها المهمة: الاتفاقية البحرية ومذكرة الطاقة، الاتفاقية العسكرية، وإعادة، واستكمال مشاريع، الإعمار. وبذلك سيكون لها يد في خلق توازن وتوافق دولي للمتصارعين على أرض ليبيا. بل سيمتد ذلك إلى دول الجوار بإطفاء الحرب المشتعلة في السودان وتحسين علاقات ليبيا مع دول الجوار كمصر وتشاد والجزائر. وقد يكون القادم أفضل في ليبيا ولكن على أهلها: حكومة، وبلديات، ومجتمع مدني، أخذ زمام المبادرة بالعمل والجد والمثابرة في صناعة وضع أفضل لمستقبل ليبيا.
تركيا والعالم:
عملت تركيا على أن تكون رقماً مهماً في المعادلة السياسية الدولية بل حرصت على أن تصنع التوازن في هذه المعادلة لتُمكن للاستقرار، ولو نسبي، في بعض الدول، النامية خاصة، المضطربة. ترتقي تركيا في أدوارها، طردياً مع تقدمها إقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، إلى أبعد من أن تكون عاملاً مساعداً لتوازن المجتمع الدولي، بحيث باتت مرشحة بأن تكون قادرة على صياغة سياسات دولية جديدة بعدما استطاعت نسج سياسات مع دول الإسلام التي تجاوزت 1.5 مليار، حوالي ربع سكان العالم، والتعاون على تسخير ما تملكه من نفط وغاز يُمكنها من تسخيرهما كقوة محركة للصناعة والتنمية، إضافة إلى دورها في إنشاء منظمة الدول السبعة الناطقة باللغة التركية ضمن محيطها الجغرافي.
كلمة أخيرة:
ستنتصر ليبيا بانتصار تركيا وسيطال التفاؤل بانتخاب أردوغان الكثير من دول العالم النامي، وبالشراكة في العمل والجد على تحسين العلاقات التركية الليبية، وكذلك العالم، ستخرج ليبيا من أزمتها إلى براح الأمن والتنمية والاستقرار.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً