أعلنت قناة “مكملين” المصرية الفضائية، الجمعة، عن انطلاقة جديدة لها، وذلك بعد توقف بثها من تركيا.
وفي بيان تحصلت “عين ليبيا” على نسخة منه، أشارت القناة إلى أنها اتخذت قراراً بإغلاق مقراتها بمدينة إسطنبول التركية، قائلة إنها ستنطلق من “عواصم عالمية مختلفة” في الأيام القادمة.
ولفتت قناة “مكملين” إلى أنها “حرصت منذ بدايتها قبل 8 سنوات، على أن تكون صوتاً للحقيقة (..) والمظلومين والمعتقلين”.
وأوضح البيان أنه “نظراً للأوضاع التي لا تخفى على أحد وحرصاً على استمرارية رسالة القناة الإعلامية لنقل الحقيقة كاملة، فإن القناة ستغلق أستوديوهاتها ومقرها بالكامل في تركيا وتنطلق من عواصم عالمية مختلفة خلال المرحلة المقبلة”، دون توضيح وجهتها.
وأضاف البيان: “نغتنم هذه الفرصة لنتقدم بالشكر الجزيل لتركيا، قيادةً وشعباً، على حسن الاستضافة طيلة السنوات الماضية”.
يُشار إلى أن قنوات مصرية معارِضة تبث من تركيا، اتخذت في وقت سابق، قرارات بوقف برامج مذيعين لديها، وتأكيد الالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية، وتلاها تخفيف اللهجة الإعلامية التي تعتبرها القاهرة “حادة” بحسب “مراقبين”.
واعتبرت السلطات المصرية تلك الخطوات، في أكثر من تصريح لوزير الخارجية سامح شكري، “خطوة” على طريق تهيئة الأرضية لتطبيع العلاقات مع تركيا، إذ تعتبرها القاهرة وسائل إعلام “معادية”، وسط تأكيد تركي متكرر باحترام الشؤون الداخلية للدول وعدم التدخل فيها.
وقناة “مكملين” هي قناة فضائية مصرية تبث من خارج مصر، أخذت الشهرة من مساهمتها في نشر التسريبات الخاصة بقيادة انقلاب 2013 في مصر وضد حكم عبد الفتاح السيسي لمصر كما تعرف بأنها “منبر إعلامي” لمعارضي نظام السيسي.
وفي ظل غياب الإعلام المصري المحلي، كانت “مكملين” من بين القنوات المعارضة التي غطت احتجاجات سبتمبر 2019 و2020.
التقارب المصري التركي.. ما مصير المعارضة المصرية؟
شرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، تقريراً العام الماضي، تساءلت فيه عن مصير المعارضة المصرية في الأراضي التركية، وذلك بعد التقارب الذي حدث بين تركيا ومصر.
وذكر التقرير أن المصريون العاملون في قنوات المعارضة، التي تبث من تركيا، يعيشون حالة من الترقب والقلق بعد إعلان أنقرة نيتها إرسال وفد رسمي رفيع المستوى يضم نائب وزير الخارجية التركي إلى القاهرة، لإطلاق مفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
ويأتي ذلك بعد نحو 8 أعوام من القطيعة التي سببها دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، بعد لجوء قياداتها إلى إسطنبول إثر الإطاحة بحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي عام 2013.
ويتساءل هؤلاء هل ستغلق تركيا هذه القنوات وتطرد العاملين فيها أم أنها سترحلهم أو تسلمهم لبلدهم؟ ورغم استبعاد العديد من المسؤولين الأتراك مثل هذه السيناريوهات لكن القلق لا يزال يساور بعض هؤلاء.
ونقل التقرير عن موظف مصري بارز في قناة “مكملين” المصرية المعارضة، قوله إن مسؤولين كبارا يتبعون جهات سيادية تركية، قد أبلغوا مدراء ثلاث قنوات تلفزيونية معارضة تبث من إسطنبول، أنه “لم يعد مسموحاً لهم توجيه أي نوع من الانتقادات لا عبر نشراتهم ولا من خلال برامجهم للرئيس السيسي أو للحكومة المصرية أو للسياسة المصرية”.
ويقول ذلك الموظف لـ”بي بي سي نيوز عربي”، والذي اشترط عدم ذكر اسمه، إن الخبر وقع كالصاعقة على قطاع واسع من العاملين في قنوات (وطن – مكملين – الشرق)، وهم في معظمهم معارضون لحكم السيسي، وينتمون لتيارات بعضها إسلامية وأخرى ليبرالية، لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال تم بالفعل تحقيق تقدم في ملف تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة.
وأضاف الموظف في قناة “مكملين” أن المسؤولين الأتراك رفضوا بحث أي مقترحات بشأن إمكانية التوصل إلى مقاربات أو صياغات تمكن تلك القنوات من التحرك بنوع من المرونة في التعبير عن رفضها لسياسات مصر الرسمية، والتي “من أجلها تركوا أرضهم وذهبوا إلى تركيا” بعد الإطاحة بمرسي عام 2013.
وشهد ذلك العام بداية توتر العلاقات المصرية التركية، واستدعاء أنقرة سفيرها في القاهرة، وهو ما ردت عليه مصر بالمثل، وصولا إلى اعتبار الطرفين سفير كل منهما لدى الآخر شخصاً غير مرغوب به، إلا أن سفارتي البلدين لم تغلقا أبوابهما، واستمرت بالعمل بمستوى تمثيل منخفض طوال الأعوام الثمانية الماضية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي التركي، علي أوزتورك، إن “التقارب المصري التركي لم يتحقق بعد” لكن لديهما رغبة مشتركة، وأشار إلى أن تقارير كثيرة تحدثت عن اجتماعات استضافتها دول أوروبية بين ممثلين عن جهازي الاستخبارات التركي والمصري، قبل أن يبادر الرئيس التركي بالإعلان عن وجود اتصالات أمنية بين البلدين.
ويضيف أوزتورك إن حل الخلافات القائمة بين البلدين ليس أمراً مستحيلاً، فصيغ توافقية كثيرة طُرحت للتوصل إلى مقاربات، بعضها تمت الموافقة عليها من بينها تهدئة الخطاب الإعلامي في البلدين، وعدم الوقوف في وجه بعضهم البعض في المحافل والمنصات الدولية، ثم التوافق بشأن دفع الأمور قدماً في ليبيا وصولاً لإجراء انتخابات عامة نهاية العام الحالي.
هذا وأكدت مصادر دبلوماسية لـ”بي بي سي نيوز عربي”، أن اتفاقا جرى بين البلدين على تشكيل لجان متخصصة أمنية وسياسية واقتصادية، لبحث ملفاتٍ طالب كل بلد بإدراجها.
ومن بين مطالب مصر تسليم المطلوبين من جماعة الإخوان الموجودين في تركيا، ولا سيما أن المطلب التركي بالإفراج عن الرئيس مرسي، بات لا معنى له بعد وفاته في محبسه في يونيو 2019.
ويلفت بعض المراقبين إلى حقيقة حصول عدد كبير من العناصر المعارضة المصرية الموجودة في تركيا على الجنسية التركية، وهي من بين الأخطاء التي ارتكبتها السلطات المصرية، برفضها تجديد جوازات سفرهم التي غادروا بها مصر في عام 2013.
كما أن لجاناً أخرى ستبحث في سن تشريعات أو إصدار قرارات، تحظر على أي حزب أو جماعة ممارسة أنشطة تعادي مصر انطلاقا من تركيا، وكذلك ستفعل مصر.
من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، إن الطرفين لديهما مصلحة في إحراز تقدم في ملف تطبيع العلاقات بينهما. فمصر تحاول من خلال تقاربها مع تركيا أن تضغط على حلفائها الذين تنكروا لها في مشروع مد خط نقل الغاز البحري “إيست ميد” من شرق المتوسط وحتى أوروبا، والذي تم استبعاد مصر منه، موضحا أن التقارب مع تركيا قد يكون خطوة تكتيكية لإجبار هذا التكتل على وضع مصر ضمن حساباتهم في مشاريع الغاز.
ورأى رضوان أوغلو، أن تركيا تريد استخدام الورقة المصرية للضغط بقوة على جارتها اليونان للجلوس إلى طاولة التفاوض وتقديم تنازلات حقيقية، وحسم الملفات الخلافية في المتوسط وبحر إيجة.
ويلفت التقرير إلى أن البلدين هما من أبرز القوى الإقليمية وتربطهما علاقات تاريخية عميقة، ويواجهان أزمات متشابهة برأي كثيرين، سواء الاقتصادية منها والانهيار الذي لحق بعملتيهما المحليتين في السنوات الأخيرة، أو البرود في علاقاتهما مع واشنطن ورفض الأخيرة بيعهما أحدث طائراتها المقاتلة من طراز F-35 في وقت تشهد علاقاتهما بموسكو دفئاً مقلقاً للغرب.
كما أن المخرج الوحيد لأزماتهما برأي مراقبين، يكمن في شرق البحر المتوسط، حيث الاحتياطات المهولة من الغاز، وتوقيع اتفاقيات ترسيم لمناطق الصلاحيات البحرية بين البلدين، وتوقيع اتفاقيات أكثر أهمية تتعلق بالتنقيب والتصدير والاستثمار تبعاً لإمكانيات تركيا وقدرات سفنها في البحث والتنقيب.
ويختتم التقرير بالقول إن كثيرين هنا يرون أن التقارب المصري التركي، لن يعود بالضرر بأي شكل من الأشكال على البلدين، بقدر ما سيفتح نوافذ فرص للحديث عن تحالفات جديدة وفرص استثمار وقوة مؤثرة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها في منطقة شديدة التعقيد والحساسية والأهمية بكل المقاييس.
اترك تعليقاً