انتخابات ليبيا بين مطرقة التأجيل وسندان التعجيل

* مصطفى الفيتوري

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في ليبيا تزداد المخاوف من عدم نجاحها، في ظل الاستقرار الأمني الهش والحوادث التي تشهدها بعض المناطق. الكاتب الليبي مصطفى الفيتوري يرى في تحليله التالي أن أهم الصعوبات التي تعيق تنظيم انتخابات حرة ونزيهة هي حالة الانقسام التي يعاني منها المجتمع الليبي كأحد نتائج الحرب التي دامت ثمانية أشهر وأدت في النهاية الي إسقاط القذافي.

تأجلت الانتخابات في ليبيا من موعدها السابق منتصف يونيو الي السابع من يوليو القادم. وحين أعلنت المفوضية العليا للانتخابات قرار التأجيل تذرعت بأسباب لوجستية وإدارية. كما استقال النائب الأول لرئيس المفوضية من منصبه قبيل اعلان التأجيل ونقل عنه قوله إن استقالته جاءت احتجاجا على “خروقات قانونية في عمل المفوضية”، الا أن حقيقة التأجيل لا تكمن في المعوقات الإدارية واللوجستية فقط وإنما لأسباب أكثر تعقيدا تمس سلامة تنظيم الانتخابات ونزاهتها وأي نوع من الانتخابات يمكن ان تجري في ليبيا؟

الموقف الأمني

يصعب جراء انتخابات ديمقراطية وشاملة ونزيهة في غياب الاستقرار الأمني والقضاء الفاعل وسيطرة الدولة على كامل ترابها، إذ مازالت ليبيا وبعد تسعة أشهر على سقوط طرابلس في يد الثوار تعاني من اضطراب أمني مخيف خاصة في العاصمة طرابلس وأثناء الليل وتحديدا بالقرب من شاطئ البحر ومنطقة أبوسليم الي الجنوب وبعض ضواحي العاصمة فيما لا تزال المليشيات المسلحة المعروفة باسم “كتائب الثوار” تسيطر على احياء مختلفة من العاصمة وهي صاحبة اليد العليا في عدد من المدن الأخرى خاصة بنغازي ومصراته والزنتان. وقد قامت إحدى تلك الكتائب باحتلال مطار طرابلس الدولي في مطلع شهر يونيو وأوقفت الرحلات منه واليه لمدة يومين تقريبا.

ومن جانب آخر فان الحكومة الانتقالية التي نصبها المجلس الانتقالي الليبي تعاني من عجز كبير في قدرتها على تفعيل القضاء والسيطرة الأمنية على مختلف نواحي البلاد المترامية الأطراف. وقد وصل عجزها انها لم تتمكن من حماية مكتب رئيس الوزراء، الذي تم اقتحامه مند أقل من شهرين وقٌتل في العملية احد حراسه.

فعلي سبيل المثال لا يكاد يوجد في مدينة سبها في الجنوب أي تنظيم اداري أو أمني تابع للحكومة وخاضع لسيطرتها في حين أن الكفرة في الجنوب الشرقي تعاني وضعا مماثلا. أما مدينة بني وليد (جنوب غرب طرابلس) فهي ومند أشهر خارج سيطرة الحكومة وتدار ملحيا من قبل وجهاء وأعيان قبيلة ورفلة المعروفين بشدة بأسهم وحسهم الوطني العالي. كما نشبت منذ أسبوعين معارك عنيفة بين قبيلة المشاشية وبعض الكتائب المسلحة حول مدينة مزدة غرب طرابلس قتل فيها أكثر من مائة وجرح أضعاف دلك العدد وتم تهجير ما يقرب من 400 عائلة موجودة الآن في الجنوب الليبي وشملت المعارك القرى القريبة منها القريات الغربية والقريات الشرقية وبالرغم من وقف اطلاق النار الهش، الذي توصل اليه أعيان قبليون من مناطق مجاورة ومن بني وليد، الا أن الموقف لازال متوترا.

أما مدينة تاورغاء القريبة جدا من مصراتة فقد هجرها أهلها تحت تهديد السلاح وتم نهب بيوتها وإحراق أغلبها ومن بين سكانها البالغ عددهم 30 ألف لا يوجد أحد فيها الآن. وقد اعترفت المفوضية العليا للانتخابات بأنه لم يتم تسجيل أي ناخب ولا مرشح واحد في تاورغاء. أما مدينة بنغازي فهي محل نزاع بين دعاة الفيدرالية والاسلاميين المطالبين بفرض الشريعة وبين بقية المسلحين. وتشهد المدينة بين الفينة والأخرى انفلاتا أمنيا غالبا ما يذهب ضحيته الأبرياء.
ومما يجدر ذكره أن القبائل، التي تصنف على أنها ضد “الثورة” وعلى رأسها ورفلة والقدادفة وبعض من ترهونة والمشاشية قد عقدوا مؤتمرا في بني وليد وآخر في سبها في محاولة لتضميد جراحهم وجمع صفوفهم في من أجل الدفاع عن حقوقهم خاصة بعد فشل المجلس الانتقالي في عقد مؤتمر المصالحة الوطنية في ليبيا الذي هو صمام الأمان الوحيد المتبقي لانقاد البلد وأهلها مما قد يحدث خاصة بعد الانتخابات.

الموقف السياسي والقانوني

أما سياسيا فان معوقات كثيرة لا تساعد على اجراء الانتخابات حتى في موعدها الجديد وإن جرت فحتما لن تكون شاملة وحاسمة ناهيك عن كونها ديمقراطية وأولى العقبات هي نزاهة الحكومة الانتقالية المتهمة بالفساد المالي والإداري وإهدار المال العام وانحيازها لبعض مناطق ليبيا على حساب أخرى. أضف الي هذا فان قانون الانتخابات يعاني من ثغراث عديدة وهو يحابي الكيانات السياسية المتجذرة في العمل السياسي خاصة القوى الاسلامية وقد اعترف مسئول السياسات في المجلس الانتقالي فتحي البعجة بأن القوة السياسية الوحيدة المهيأة لتحقيق أغلبية وفق القانون الحالي هي جماعة الأخوان المسلمين الليبية.

المجلس الانتقالي الليبي ارتكتب مجموعة من الأخطاء الكارثية خاصة في سن القوانين وعلى رأسها القانون رقم 50 الذي يفرض على الدولة التزامات مالية ضخمة تعويضا لمن تأذوا في السجن أثناء العهد السابق ولا ينص على أي تعويضات لمن تضرروا على يد “الثوار” أو من جراء هجمات حلف النيتو. في حين أن قانون آخر يعفو أيضا عن أية اعمال أو أفعال قام بها “الثوار” إن كانت في مصلحة “الثورة ومن أجل الدفاع عنها وإنجاحها”، كما تقول المادة الرابعة من القانون رقم 38 الذي أثار سخط العديد من المنظمات الحقوقية الدولية التي طالبت بإلغائه. وتكمن مشكلة هذا القانون في أنه يعفو عن جرائم من قبيل السرقة والقتل بلا محاكمة والاحتجاز القسري للأبرياء ومداهمة البيوت الآمنة والسطو المسلح.

حالة الانقسام

الا ان أهم الصعوبات التي تعيق تنظيم انتخابات حرة ونزيهة هي حالة الانقسام التي يعاني منها المجتمع الليبي كأحد نتائج الحرب التي دامت ثمانية أشهر وأدت في النهاية الي إسقاط نظام القذافي بمساعدة قوية من حلف شمال الاطلسي (النيتو). وحالة الانقسام في مجتمع قبلي تؤدي الي تكريس العداء بين مكوناته خاصة قي ظل الاستقطاب السياسي الشديد، الذي تعيشه ليبيا الآن بحيث تنقسم البلد تقريبا الي أجزاء عدة على خلفيات قبلية بحتة.

الا أن الغالبية العظمى من الليبيين تتطلع الي اجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن عاقدين عليها آمالهم في الاستقرار وعودة الأمن وتفعيل القانون وبناء المؤسسات ليتمكنوا من ممارسة حياتهم من جديد. في حين أن تأجيل الانتخابات للمرة الثانية سوف يؤدي الي تآكل ما تبقي من مصداقية الحكومة ويطيل معاناة الليبيين ويدفع البلد الي مزيد من التشرذم الذي قد يؤدي الي تقسيمها خاصة في ظل ارتفاع وتيرة المطالبة بالنظام الفيدرالي.

وفي الواقع تجدان الحكومة الحالية والمجلس الانتقالي نفسيهما في موقف لا يحسدان عليه ولكنه نتيجة طبيعية للممارسة السياسية الرعناء و القيادة الفاشلة على أعلى مستوى وكأني بهما يدفعان بالشعب الليبي الي القبول بأي شئ المهم ان تنتهي حالة الانفلات الأمني ويعود الأستقرار حتى وان كان أمنا مؤقتا واستقرارا خادعا لا يدوم.

إن الحكومة الانتقالية وقبلها المجلس الانتقالي الليبي يتحملان المسئولية الأولى عما يجري في ليبيا وما يمكن أن يحدث ان أجريت الانتخابات وأدت الي مزيد من التوتر والانقسام أو تم تأجيلها وتلك ستكون الطامة الكبرى.

 

* مصطفى الفيتوري أكاديمي ليبي وحائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عام 2010

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً