قال الممثل الخاص للأمين العام للأم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، إن 48 يومًا من الهجوم الذي شنته قوات حفتر على طرابلس خلفت الكثير من الموت والدمار، وباتت ليبيا قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق في حرب أهلية بإمكانها أن تؤدي إلى تقسيم دائم للبلاد. سيستغرق رأب الضرر الذي حدث إلى الآن سنواتٍ، هذا إذا وضعت الحرب أوزارها الآن، على حد قوله.
جاء ذلك في إحاطته خلال جلسة مجلس الأمن التي عُقِدت الثلاثاء، لمناقشة آخر تطورات الوضع في ليبيا.
وأضاف سلامة يقول:
لقد باتت عواقب الصراع ومخاطره المؤلمة جليّةً، خاصّةً بالنسبة للشعب اللِّيبي: ما يربو عن 460 قتيلاً، 29 منهم مدنيون، وأكثر من 2400 جريحٍ، معظمهم من المدنيين. كما أُجبر ما يزيد عن 75000 شخصاً على النزوح من منازلهم، جميعهم من المدنيين، في حين أن أكثر من نصف النازحين هم من النساء والأطفال. وتقدِّر الجهات العاملة في مجال المساعدة الإنسانية أن ما لا يقل عن 100 ألف رجل وامرأة وطفل ما زالوا محاصرين في مناطق المواجهة المباشرة، وأكثر من 400 ألف آخرين ما زالوا عالقين في المناطق التي تأثرت مباشرة بالاشتباكات.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه ظروف المهاجرين واللاجئين في ليبيا في حالة يرثى لها قبل الصراع، تحوَّلت هذه الظروف الآن من سيء إلى أسوأ، حيث يحاصَر نحو 3400 لاجئ ومهاجر في مراكز الاحتجاز المعرَّضة للمواجهات أو تقع على مقربةٍ منها، وتعمل الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة على مدار الساعة لنقل أكثر الفئات ضعفاً من المناطق المتأثرة بالصراع إلى مواقع أكثر أمناً.
ونوه المبعوث الأممي بأنه عندما زار الأمين العام للأمم المتحدة ليبيا في 3 نيسان/أبريل الماضي كانت زيارته تهدف إلى إظهار دعم المجتمع الدولي الكامل للحل السلمي لفترة الاضطرابات التي طال أمدها في ليبيا.
وتابع يقول:
لقد كانت العاصمة الليبية تتمتع بقدر من الأمن المتزايد، والأهالي يتمتعون بعملة أكثر استقراراً ويعيشون تحسناً في الأفق الاقتصادي. كما كان المسار السياسي يمضي قدماً على الرغم من العديد من العقبات.
وفعلاً، كنا على أعتاب استضافة الملتقى الوطني في مدينة غدامس الليبية. حدثٌ كان من المفترض أن يجمع ما يزيد عن 150 ليبي من جميع أنحاء البلاد. وكان هناك حماس شعبي بشأن ما يمكن للملتقى أن يُسفر عنه من نتائج في سبيل المضي قدماً لإنهاء المرحلة الانتقالية التي استمرت ثمانية أعوام في ليبيا، والدخول في فترة جديدة من الاستقرار والأمن يكون صندوق الاقتراع الفيصل فيها. واعتصر قلبي حزناً لرؤية أولئك الذين قبلوا بحماسةٍ دعوتنا إلى غدامس، فجأةً، يحملون السلاح ضد بعضهم البعض لمهاجمة العاصمة، أو للدفاع عنها. حزنٌ اعتراني على الفرصة الضائعة والأمل الذي اغتيل قبل عشرة أيام بالضبط من تحقيقه.
وأوضح سلامة أن الهجوم على طرابلس قوَّض أي فرص لنجاح المحادثات التي عُقِدت في 27 شباط/فبراير الماضي في أبو ظبي، وهي السادسة من نوعها، بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وقائد قوات الكرامة خليفة حفتر، وخلال تلك المحادثات، كانت هناك فرصة حقيقية لاستبدال حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وحل الحكومة الموازية في البيضاء وإنشاء حكومة وطنية موحّدة وشاملة للجميع ، كان من شأنها أن تقود البلاد إلى إنهاء الفترة الانتقالية من خلال العملية الانتخابية، كما أن التفاهمات التي تم التوصل إليها في أبو ظبي قد نصت على إخضاع الجيش للسيطرة المدنية، وهو مطلب رئيسي للغالبية العظمى من الليبيين والكثير من الأطراف في المجتمع الدولي، وفق قوله.
وأردف يقول:
ما أنا بنذير شؤمٍ، لكن العنف على مشارف العاصمة طرابلس ليس إلا مجرد بداية لحرب طويلة دامية على الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، مما يعرض أمن جيران ليبيا المباشرين ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل أوسع للخطر، إن الفراغ الأمني المترتب عن انسحاب العديد من قوات حفتر من الجنوب، إلى جانب تركيز القوات الغربية على الدفاع عن العاصمة، يتم استغلاله بالفعل من قِبل داعش والقاعدة. ففي جنوب ليبيا، تلوح رايات داعش السوداء، ويؤسفني أن أبلغكم أنه منذ 4 نيسان/أبريل، قام تنظيم داعش بأربع هجمات منفصلة في جنوب ليبيا: هجومان على منطقة غدوة، وهجوم في سبها وآخر في بلدة زلة قبل بضعة أيام. ووصلت الحصيلة التراكمية للهجمات إلى 17 قتيلاً وأكثر من 10 جرحى و8 مخطوفين. إن القوات الليبية التي دافعت في الماضي بجسارة عن أرضها ضد هذه الجماعات الإرهابية أصبحت الآن مشغولة في الاقتتال فيما بينها. وبالإضافة إلى الليبيين الأبرياء الذين يتعرضون بلا هوادة لإرهاب داعش المتنامي، سيمتد هذا العنف إلى جيران ليبيا المباشرين.
تُشير العديد من التقارير إلى ظهور متطرفين وأشخاص شملتهم العقوبات الدُّولية ومطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من جميع الأطراف في ساحة المعركة. ويجب على هذه الأطراف أن تنأى بنفسها علناً عن هذه العناصر دون تأخير، وأن تحيل إلى المحكمة الجنائية الدولية كل من صدرت بحقهم مذكرات توقيف. وأوصي بأن يدعم المجلس تشكيل لجنة تحقيق تحدِّد مَن حملَ السلاح وتدعم إنشاء آليات تضمن استبعاد العناصر غير المرغوب فيها.
وفي شأن آخر قال المبعوث الأممي:
كما اتسم الصراع باستخدام الغارات الجوية والمدفعية الثقيلة والقصف العشوائي على المناطق السكنية. وشاب ليالي رمضان، التي تُقضى عادة في مسامرات مع الجيران والعائلة رعباً مطلقاً لسكان العاصمة، الذين باتوا يترقبون في وجلٍ الهجوم التالي. ومنذ منتصف نيسان/أبريل، تزايدت عدد الضربات الليلية الدقيقة على مواقع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وما حولها من قبل طائرات مجهولة، بمعدل خمس ضربات في الليلة. وفي 8 أيار/مايو، استُهدف مستودع ذخيرة تابع لفرسان جنزور الموالين لحكومة الوفاق الوطني، في غارة جوية على بعد كيلومتر واحد من مقر الأمم المتحدة حيث نعمل ونسكن.
وأوضحت الإحاطة أن العدد الهائل للضحايا أدى لإثقال كاهل المنشآت الصحية التي تعاني مسبقاً من نقصٍ في الكادر الطبي والإمدادات، كما تعرضت إحدى عشر سيارة إسعاف مباشرةً للغارات الجوية والصواريخ والقصف أثناء أدائها الخدمة، وعلق سلامة بالقول:
لقد روعني التجاهل الصارخ لحماية العاملين في القطاع الطبي الحيوي، وأذكر بأن الاعتداء على العاملين في القطاع الطبي يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي.
وتابع:
كما يساورنا قلق عميق إزاء الارتفاع الحاد في وتيرة عمليات الاختطاف والاختفاء والاعتقال التعسفي منذ بداية النزاع الحالي، فقد تعرض ما لا يقل عن سبعة أشخاص من مسؤولين وموظفين للاحتجاز التعسفي أو الاختطاف في شرقي ليبيا وغربها، ولا يزال مصير كل هؤلاء الأشخاص مجهول ولربما تعرض غيرهم للاختفاء في ملابسات مشابهة. ويتعرض الصحفيون للكثير من التهديد والوعيد وأعمال العنف على ضوء تغطيتهم لأحداث تتعلق بالنزاع على الأغلب.
وعليه فأنا أناشد دعمكم المطلق المتجسد في إلزام جميع أطراف النزاع بتطبيق القانون الدولي الإنساني، علينا أن نثبت لكل من تسول له نفسه اقتراف أي انتهاكات بأن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يسود. وعلينا كذلك معاقبة كل من يحاول التستر خلف أدخنة الحرب لتصفية حسابات شخصية أو سياسية باستخدام العنف.
ومع استمرار النزاع، أخذ النسيج الاجتماعي في ليبيا بالتآكل على نحو ينذر بالخطر، فإذا بأصوات الأطراف الداخلية والإقليمية تطغى على الأصوات التي تنادي بوقف القتال والمصالحة بين الأطراف المتحاربة مستخدمة المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي كسلاح لدس أخبار زائفة وأكاذيب وأقاويل لتأجيج الكراهية ما أدى إلى إمعان الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وعليه، استحدثت البعثة آلية لرصد خطاب الكراهية عبر شبكة الإنترنت، وبالفعل أحالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عدداً من حالات إثارة الكراهية على موقع الفيسبوك.
ولفت سلامة بأنه لا يمكن حل الأزمة الليبية عسكرياً، مشيرًا أن ما يقوله ليس حديثاً مكرراً، بل أنه الحقيقة، وأضاف:
لقد آن الأوان لأولئك الذين يتوهمون ذلك بأن يدركوا هذه الحقيقة ويتقبلونها، لا يمكن أن تدار الفسيفساء المجتمعية الليبية بدون تحالفات وعلاقات تمتد عبر كافة أرجاء البلاد، لقد كان الملتقى الوطني الذي يجمع هذه المجتمعات المتعددة بصيص الأمل في تحقيق مستقبل سلمي ومزدهر وشامل لجميع الليبيين.
نسمع العديد من الليبيين يقولون بأنه لا يمكن للعملية أن تتجاهل الحرب الدائرة الآن وكأنها لم تحدث، وهم محقون؛ فهناك واقع ما قبل 4 نيسان/ أبريل وما بعده، ونحن كوننا وسطاء محايدون، يتعين علينا العمل على تعديل ذلك المسار بغية جسر الهوة العميقة من انعدام الثقة التي سادت منذ ذلك التاريخ، لم تتوقف مشاوراتنا مع مختلف الأطراف ومع كل شخص مؤثر من الليبيين نساءً ورجالاً، ونسعى بكل جهدنا للحفاظ على الحد الأدنى من المرونة السياسية بين مختلف المجموعات التي ستحتاج، عاجلاً وليس آجلاً، إلى الرجوع والعمل معاً لصياغة مستقبل أفضل لأطفالهم، ووضع صيغة أكثر سلمية لمشاركة السلطة والموارد. لذلك، فإن ما يحتاجه الليبيون من المجتمع الدولي، عوض أن يكون أداة لتضخيم انقسامهم، أن يكون له دور منسجم في الحد من هذه الانقسامات والتخفيف من وطأتها.
كما نوه بأن تحقيق مستقبل أفضل لليبيا ما زال ممكناً، بيد أن هناك حاجة ملحة للتحرك الآن حيث ما تزال الخطوط الأمامية للمعارك على أطراف طرابلس وقبل أن تنتقل المعركة، إلى أحياء العاصمة المكتظة بالسكان، وهذا بدوره سيتطلب تحرك المجتمع الدولي بشكل منسق وفوري، حسب قوله.
وقال أيضًا:
ما لم تدرك الأطراف الفاعلة على الصعيدين الدولي والإقليمي بأن ليبيا ليست مجرد جائزة ينالها الأقوى، بل إنها بلد يقطنه 6.5 مليون شخص يستحقون السلام ويحق لهم اختيار طريقهم للمضي قدماً بشكل جماعي، فإن مستقبل ليبيا سيكون قاتماً. وأخشى ما أخشاه أن عدم التحرك بشكل فوري لوقف تدفق الأسلحة والضغط على الأطراف الليبية في النزاع بغية تسهيل العودة إلى حوار جاد، فإن ليبيا سوف تنزلق إلى حرب أهلية شاملة يمكن أن تؤدي إلى حالة من الفوضى “الهوبزية” الشاملة أو إلى تقسيم البلاد.
وأشار المبعوث الأممي إلى أن اندلاع ما وصفها بـ”حرب أهلية شعواء” في ليبيا ليس أمراً حتمياً. قد يحدث ذلك بإرادة بعض الأطراف، وبعدم تحرك الأطراف الأخرى.
واختتم سلامة إحاطته بالقول:
أسمع أن الليبيين قد أذعنوا لفكرة أن الصراع سيستمر لعدة أشهر أو حتى عدة سنوات. ويحتم علي واجبي، وواجب الأسرة الدولية أن أقول لهم: ينبغي عليكم وقف القتال الآن، من أجل أحبائكم، وبلدكم، ومن أجل السلام والأمن الدوليين.
لذلك أطلب من هذه الهيئة الموقرة (مجلس الأمن) أن تضطلع بمسؤوليتها في الحث على وقف القتال وحث الأطراف المتحاربة على العمل مع البعثة لضمان وقف تام وشامل للأعمال العدائية والعودة إلى عملية سياسية شاملة تقودها الأمم المتحدة.
اترك تعليقاً