بإنتهاء الحرب العالمية الثانية لاحت بوادر التخلص من المستعمر الإيطالى تلُوحُ فى الأفق وهزيمته أصبحت قاب قوسين أو أدنى ودخول الجيش السنوسى لأرض الوطن كانت البشارة الأولى فى شرق ليبيا ، فتعالت الصيحات فى أرجاء مدن وقرى ونواجع برقه فرحاً وطرباً حيث رجع معظم أبناء ليبيا الذين كانوا مُنخطرين فى أدوار الجهاد مع الشهيد عمر المختار وكذلك المُناضلين السياسيين الذين هُجّروا من ديارهم قصراً إلى مصر نتيجة لبطش الإستعمار الإيطالى الغاصب وتنكيله بالليبيين على مدى ثلاثة عقود من الزمن أو يزيد ناهيك عن منّ تمت مُطاردتهم من المجاهدين وصدورالأحكام الجائرة عليهم بالإعدام.
وما أن يهبط أولئك الرجال مُرتفع السلوم (عقبة السلوّم) حتى يكون فى إستقبالهم أبناء الشعب المصرى من قبائل أولاد على يحتضنوهم بإستقبال يليق بجهاد الليبيين فى أرض الكنانة بالترحاب ليخففوا عليه المعناة ، ويقال لهم أهلاً وسهلاً على الرحب والسعة ، أقيموا فى هذه الأرض التى ذكرها الله فى القرآن الكريم وهى أرض لم يُعرف عن أهلها أن ضاقوا بلاجئ أو مظلوم أو مُستغيث أو مطرود من وطنه طالباً الحماية والرعاية مهما كانت الظروف السياسية والعلاقات بين الدول فى الزمن الماضى أو الحاضر على مدى التاريخ فكل من يلجأ لمصر يعيش فيها آمناً مُطمئناً ، فمصر بلد الأحضان الدافئة ، عاش فيها الكثير ممن ضاقت بهم لاسبل والعيش فى أوطانهم على مر الزمن من اللاجئين السياسيين وغيرهم بسلام حتى يأذن الله تعالى لهم بأمر كان مفعولا.
حدثنى والدى رحمة الله عليه ، بأنه فى سنة 1945م عندما هرب المستعمر الإيطالى من مدينة درنه ومشارفها غير مأسوف عليه ، حيث قال لى …. أن الوضع الإقتصادى والمالى والصحى لليبيين فى تلك الفترة كان فى حالة يُرثى لها فالفقر ضرب أطنابه فى كل مدينة أو قرية أونجع أو عشة فلم يجد الليبيون أبسط أنواع الغذاء وإن وُجد فلا يكون صحياً زلا صالحاً للإستخدام البشرى بينما الخونة والعملاء وأتباع الإستعمار ينعمون برغد الحياة ، فالأوبئة والأمراض الفتاكة إنتشرت إنتشاراً كبيراً بين السكان فى ظل عدم وجود العلاج الذى كان من الصعوبة الحصول عليه ، فيمكن القول أنه فى تلك الفترة هى فترة الكوارث الخمسة (الفقر والمرض والجهل والقهر والظلم) هذه هى إنجازات الإستعمار الإيطالى بعد أن قضى على المقاومة الشعبية الليبية بقيادة شيخ الشهداء عمر المختار فى الشرق الليبى ، فأستشهد من إستشهد وهاجر من هاجر وهُجّر من هُجّر ومات من مات بفعل الأمراض وقلة الغذاء وكأن الشعب الليبى مُوعود بالقهر والظلم والفقر ، فمن الإستعمار التركى ومراحله الثلاثة إلى الإستعمار الإيطالى الغاشم،إلى إنتكاسة سبتمبر 1969م ، تلك العبارة لا زالت فى أذنى إلى هذا اليوم وهى (كأن الشعب الليبى مُوعود بالقهر والظلم والفقر).
وأضيف إلى ما سمعتُه من والدى رحمه الله .. وأقول ، يبدوا أن شعبنا الطيب كُتب عليه الظلم والعوز والقهر على جبينه فما أن إستقرت الأمور بعد الإستقلال فى 1951م وبدأت الحرية تدب فى أركان الوطن والكل يعزف على أوتار الديمقراطية فى شكلها البرلمانى (شيوخ) الجهاد الذين لا زالوا على قيد الحياة ممن أوصى بهم الملك إدريس ، ونواب عن طريق صناديق الإقتراع فى ظل دستور كتبته أيادى بيضاء بديمقراطية عادلة ، لكى ينعم شعبنا بالراحة والأمن والأمان لمدة (18) سنة فى ظل المملكة الليبية ولكنها سنوات قليلة حتى إبتلى الله تعالى هذا الشعب الطيب بالقذافى ليُجسد على أرض ليبيا أحلامه الدكتاتورية باستخدام أسلوب الضحك على الذقون برفع شعار (السلطة فى يد الشعب !!) لينقضّ على الدستور والبرلمان والديمقراطية التى كانت ولا زالت فى أولها ليُلغى كل ذلك ويستمر فى حكم ديكتاتورى لمدة (42) سنة إنتشرت في عهده الرذيلة والسرقة والرشوة وشراء الذمم وتهجير أبناء الوطن ونهب المُمتلكات ونشر الفتنة والحساسية بين القبائل والمناطق من خلال إنتهاج سياسة (فرّق تسّد).
إلى أن تفجّرت إنتفاضة فبراير العفوية وبدون أى مقدمات وهى التى لم يُخطط لها أحداً ، ولم يكتب أهدافها مُعارض فى الخارج ولم تقودها أى إيدولوجية وافدة علينا فى الوطن ، ولم يكن الفضل لأحد فى إنطلاقتها المباركة سوى ثوارها الحقيقيين الأشاوس والوطنيين والشرفاء ودعوات الطيبين والصالحين من الآباء والأمهات الذين ذاق أبناؤهم الظلم والسجون ، تلك الأمهات اللائى دفعن بفلذات أكبادهن لمحرقة الجبهات للتخلص من ذلك النظام الظالم ، أى أن إنتفاضة فبراير كانت عفوية فى أسمى معانيها ولا يٌقبل من أى إنتهازى كان أن يٌنسبها لنفسه حتى ولو كان عضو فى المجلس الإنتقالى الذى جسّد الإنتهازية بجميع أشكالها وإنتهج الكذب بقوله أنه المخطط لذلك ، ففى الأيام الأولى للإنتفاضة وأولئك الأعضاء ممن نعرف أسمائهم ومن منّ لا نعلم أسمائهم التى لا زالت مجهولة حتى يومنا هذا !! همُهم كان المكاسب والمناصب يحلمون بالملايين وعيونهم على السفارات والشركات الإستثمارية ومنهم من إستغل أحداث التحرير ليكون سفيراً فى دولة عربية وهو لا يملك أى مؤهلات دبلوماسية على الإطلاق مُستغلاً الوضع القبلى وأزمة المجلس الإنتقالى الذى طالما تورّط فى قضايا كثيرة .. والتاريخ لن يرحم أحداً .
أقول بأعلى صوتى … لقد هُزمت وسُرقت الثورة أو الإنتفاضة كما أُطلق عليها وغيرى ممن عرفوا بدايتها وإطلعُوا على بعض مساراتها وأسرارها منذ الدقائق الأولى وإحتكّوا ببعض أبطالها المُزيفين الذين تواجدوا فى الساحات ومن كانوا يتباهون بإتصالاتهم بالناتو والغرب وقطر لكى يكون لهم مكاناً مُتقدماً !! حيث كانوا يعدٌون العُدة للقفز على الكراسى بإستخدام كافة الوسائل التضليلية من كذب وخداع وتغيير جلود والظهور بثياب التقوى والجعجعة على المنابر حتى يُقال ، هذا ولى صالح من أولياء الله أمسكُوا فى جلبابه لتُدخلوا الجنة ، لقد خزاهم الله تعالى بعدما جلسوا على الكراسى وإنكشّفت فضائحهم ورشاويهم وتصرفاتهم الدنيئة ، فما أكذبهم بعد إن إتضحت معالم خداعهم للشعب الليبى ونذالتهم وكذبهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فالغاية عندهم تبرر الوسيلة ومهما كانت دنائة هذه الوسيلة ، أولئك هم أشباه رجال صنعتهم أيدولوجيات تُعشعش فى مخابئ مُظلمة بالخارج ولا زالت تلهث وراء السطلة منذ ثمانية عقود ، لا تعرف سوى المكاسب والمناصب ونهب المال العام ، فهم لا يؤمنون بالوطن ولا حرية المواطن ولا الإنسانية عامة ، ناهيك عن ضعف إيمانهم بالله ورسوله.
أستميحكم عذراً أيها السادة الكرام .. هكذا دائماً أبتعد قليلاً ولكننى فى نفس الموضوع ، فالوطن يتعرض هذه الأيام إلى أبشع أنواع التآمر التى عرفتها السياسة التآمرية فى العالم ، فهذا المؤتمر سيئ الصيت الذى فشل بجدارة فى تحقيق آمال الليبيين ، هذا المؤتمر مع إحترامى للقلة ومن أعرفهم شخصياً ، أما الأغلبية من (المُرتعشين والنفعيين ومن يسيل لعابهم من أجل المال والمرتبات والإمتيازات) ولا يهمهم الوطن ولا المواطن ، الذين رُبوا على الخسة والبُخل والنهب وقلة التربية وإنعدام الأخلاق وخداع الناس ، ولا شك أنكم جميعاً شاهدتم كيف يتعاملون مع بعضهم داخل قاعة المؤتمر وكـأنهم (بلطجية حوارى وتربية شوارع) يتنابزون بأخس وأحقر العبارات التى نهى الله عنها مع إحترامى للقلة منهم مرة أخرى ،تلك المُهاترات التى يستّحى المواطن المُحترم أن يُشاهد جلسات هذا المؤتمر على الفضائيات بالقرب من أبنائه أو أقاربه أو أصدقاء بينه وبينهم إحترام وتقدير، ولا ننسى تلك العبارة التى وجهها أحد الأعضاء للنائب الثانى بالمؤتمر عندما قال له (عدىدوووووررررر)!! ياللهول ! أن يُقال ذلك أمام نائبات المؤتمر !! هل هؤلاء هم ساستنا الجُدد ؟؟ هل هؤلاء يمكن أن نفاخر بهم فى دول العالم ؟؟ أفلا لعنة الله على من إختار البعض الفاسد من هؤلاء بجهل أو بعلم .. ولعمرى إنها مهزلت تاريخيه سيذكُرها التاريخ على صفحاته السوداء بالخرى والعار وهؤلاء الهلافيت هم أبطالها بالأسماء.
أيها السادة … ماذا تتوقعون من مؤتمر كهذا ؟؟ أن يأتى بحكومات مؤهلة وقوية لتقود ليبيا، لا شك أن هذه الحكومات الهزيلة الضعيفة (حكومات حبه فوق وحبه تحت) حبه من التحالف وحبه من الإخوان وحبه من المُستقلين ممن خدعوا الشعب وضحكوا عليه ، وحبه مليشاويه تُفرض بالقوة وكأنها شاة يقطعونها فيما بينهم والكل يأخذ حصته !! هذه الحكومات يُطلق عليها فى المثل الشعبى (شوّخا وشوخ عليه) أى أعطيه الصلاحيات وقيّد حركته بحيث لا يتصرف إلا بأمر المؤتمر الفاشل وعلى مزاجه ، حقاً هى فى مستوى هذا المؤتمر الغير عائلى والغير محترم فهذه الحكومات بما فيها المكتب التنفيذى أضاعت أكبر رصيد مالى فى تاريخ ليبيا من المليارات هباءاً منثورا كما أضاع المؤتمر دماء الشهداء هباءاً وضرب بإستشهادهم عرض قاعات مطاعم ريكسوس .
فاليوم أيها الليبيون ليس لدينا سوى العودة لنقطة السفر فى 17/2/2014م لكى ننادى بثورة التصحيح الحقيقية وليس إنتفاضة ، للتخلص من هذه العوالق والآفات قبل أن تنشر أوبئتها وأمراضها فى جسم الوطن وتستكين للجلوس الدائم على الكراسى ، ولنرفع أصواتنا ونتوكل على ألله ، فها هى مصر الأبية إنتصرت على الشراذم فى ساعات ، وهاهم اليوم أولئك الأجلاف المُخادعون المُتآمرون مع الغرب وبضع من العرب يتباكون أمام أرجل رجال الجيش المصرى العظيم وشرطته التى تحمى الوطن والمواطن ولم يعد لديهم سوى إثارة القلاقل لأنهم شعروا بمصر وقد هدأت وإستقرت وهذا ما لا يريدونه ، ولا شك أننا فى ليبيا نستشعر ذيول تلك الإيدولوجية التى أكل عليها الدهر وشرب قد أصبحت فى حيرة من أمرها فالرؤوس التى أينعت منهم قد قُطعت فى مصر ، أما الذيول لدينا تنتظر من يقطعها فى وطننا الغالى لنتخلص من نتانتها ورائحة أنفاسها الكريهة نتيجة لأنها لم تؤمن يوماً وتهتدى بسنة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وتتعلم تعاليم الدين الإسلامى أن النظافة من الإيمان ، وأن من غشنا فليس منا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً