القوات المسلحة المصرية تمهد طريق الرئاسة للسيسي

هل ينجح الرجل الأكثر شعبية في مصر بإعادة الاستقرار لها؟
هل ينجح الرجل الأكثر شعبية في مصر بإعادة الاستقرار لها؟

فوّض المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية المجتمع الاثنين وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الترشح لانتخابات الرئاسة المتوقع عقدها منتصف شهر نيسان/ابريل المقبل، ما يمهد الطريق امام الرجل القوي في البلاد، الذي رقي اليوم لرتبة مشير، لتولي الحكم.

وفوض “المجلس الاعلى للقوات المسلحة بالاجماع وزير الدفاع الترشح فى الانتخابات الرئاسية”، ذلك حسبما افادت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية.

واوضحت الوكالة ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة عقد اليوم “اجتماعا برئاسة القائد العام وزير الدفاع والانتاج الحربي المشير عبد الفتاح السيسي، لمناقشة تطورات الاوضاع الامنية خاصة فى شمال سيناء، بجانب البحث فى قضايا اخرى ومنها موضوع مطالبة جموع الشعب لوزير الدفاع الترشح فى الانتخابات الرئاسية”.

وفي وقت سابق اليوم، اعلنت الرئاسة المصرية ترقية الفريق اول عبد الفتاح السيسي الى مشير وهي اعلى رتبة في الجيش المصري.

وفي حال وافق السيسي على الترشح للرئاسة فمن شبه المؤكد ان يفوز بها حيث انه يحظى بشعبية جارفة منذ ان عزل الجيش الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي في تموز/يوليو الماضي.

والسيسي الذي قاد عملية عزل مرسي بعد تظاهرات شعبية حاشدة ضد حكمه الذي استمر لعام واحد فقط، اضحى بلا ادنى شك الرجل الاكثر شعبية في مصر ويعتبر في نظر الكثيرين الزعيم القادر على انهاء حالة عدم الاستقرار السياسي والعنف التي تضرب البلاد منذ العام 2011.

وانتخاب السيسي يعيد البلاد الى حكم المؤسسة العسكرية بعد ثلاث سنوات من ثورة المصريين على حسني مبارك العسكري السابق الذي حكم البلاد لنحو ثلاثة عقود.

وقال مسؤولون حكوميون ان الترقية لرتبة مشير، التي نادرا ما تمنح لكبار قادة الجيش، هي “تكريم للسيسي قبل استقالته”.

وقال مسؤول كبير طالبا عدم الكشف عن هويته ان ترقية السيسي الى رتبة مشير تعني في الواقع “تحية وداع من الجيش لقائده”. لكنه لم يؤكد ما اذا كان السيسي سيستقيل او سيترشح للرئاسة.

وقال كريم بيطار، المحلل السياسي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ان “هذه الترقية تمنح دائما بعد انتصار عسكري هام. ما يعني ان القمع الحالي والحرب على الارهاب اعتبرا انتصارا على ارض معركة”، واضاف “ارى في هذا الترويج خطوة جديدة في بناء اسطورة المنقذ، البطل المنتظر”.

وتضرب مصر موجة من العنف السياسي مع قمع السلطات لانصار مرسي الذي خلف اكثر من الف قتيل، والهجمات التي تستهدف قوات الامن والجيش في شبة جزيرة سيناء المضطربة والتي خلفت أكثر من مئة قتيل.

ويتوقع المصريون ان يعلن السيسي ترشحة للرئاسة رسميا خلال الايام القادمة، بعد ان اعلن الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور الاحد اجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية خلافا لخريطة الطريق التي اعلنت عقب عزل مرسي وتقضي باجراء الانتخابات التشريعية اولا.

وقال الرئيس المصري انه عدل “خارطة المستقبل لنبدأ باجراء الانتخابات الرئاسية اولا تليها الانتخابات النيابية”.

وبذلك ستكون هذه الانتخابات الاولى منذ عزل الرئيس الاسلامي مطلع تموز/يوليو الفائت.

وقال الفريد رؤوف عضو حزب الدستور الليبرالي “كنت افضل انتخابات رئاسية بين مرشحين مدنيين لبناء ديمقراطية مدنية”، مضيفا “لكنني اتفهم ان الناس تريد السيسي بسبب مخاوفهم الامنية فهم يريدون رجلا قويا”.

لكن سيكون على السيسي، الذي يتهمه انصار مرسي بتنفيذ “انقلاب على الشرعية” مواجهة معارضة عنيدة وشبة تمرد.

والسبت، قتل 49 شخصا على الاقل في التظاهرات التي شهدتها البلاد في الذكرى الثالثة لثورة 2011 التي اطاحت حسني مبارك في واحد من الايام الاكثر دموية منذ قرابة اربعة اشهر.

والسبت ايضا، قتل خمسة عسكريين مصريين في تحطم مروحية عسكرية قالت جماعة انصار بيت المقدس المرتبطة بالقاعدة انها اسقطتها بصاروخ.

كما اعلنت هذه الجماعة السبت مسؤوليتها عن اربعة تفجيرات استهدفت الشرطة في القاهرة الجمعة وادت الى مقتل ستة اشخاص.

وتقول السلطات المصرية ان سقوط المروحية كان “حادث” نجم عن عطل.

من هو السيسي؟

في بضعة اشهر فقط نجح وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يقترب من قصر الرئاسة في كسب شعبية واسعة لا ينازعه فيها اي سياسي اخر منذ ثورة العام 2011 التي اطاحت بحسني مبارك.

وخلف هدوئه الدائم الذي رأى فيه المصريون دليلا على الثقة بالنفس، تختبئ شخصية ضابط عنيد خاض من دون ان يهتز مواجهة دامية مع جماعة الاخوان المسلمين، الحركة السياسية التي ظلت لعقود طويلة الاكثر تنظيما في البلاد.

وقد عزل الرئيس المنتمي اليها محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو 2012 مؤكدا انه لبى بذلك “ارادة الشعب” بعد نزول ملايين المصريين الى الشوارع يطالبونه بالتدخل لانهاء حكم الاخوان.

في الواقع كان قراره اطاحة الرئيس الاسلامي السبب الرئيسي في شعبيته اذ رأى فيه المصريون دليلا على الشجاعة والاقدام بعد عامين ونصف من الاضطرابات.

وحتى منافسوه المحتملون على مقعد الرئاسة مثل حمدين صباحي يعترفون بأن “شعبيته جارفة” وبأنه صار “بطلا شعبيا”.

وخلافا للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسي هذه الشعبية معتمدا على الخطب الرنانة او اللهجة الحماسية وانما هو على العكس يتحدث دوما بصوت خفيض وبنبرة هادئة ويفضل اللهجة العامية البسيطة على العربية الفصحى.

في احاديثه الموجهة للمصريين يفضل السيسي مخاطبة عواطفهم ولا يمل من تكرار ان الجيش المصري “ينفذ ما يأمر به الشعب”.

في 26 تموز/يوليو، طلب من المصريين النزول الى الشوارع لاعطائه “تفويضا وأمرا لمواجهة الارهاب المحتمل”.

وله عبارة شهيرة قالها قبل شهور من عزل مرسي ومازال يرددها في مناسبات عدة: “عندما اردتم (انتم المصريين) التغيير، غيرتم”، وفي مناسبة اخرى قال متوجها الى الشعب المصري “انتم نور عيوننا”.

صوره الى جوار صورة جمال عبد الناصر تنتشر في التظاهرات وعلى واجهات المحلات. وهو نفسه قال في حوار لم يكن مخصصا للنشر ولكن تم تسريبه انه “يتمنى” ان يكون مثل عبد الناصر.

غير ان قيادات عسكرية مقربة منه تؤكد انه “لا يريد استنساخ تجربة عبد الناصر وسياساته” وانما يأمل ان “يحقق العدالة الاجتماعية التي سعى اليها” الرئيس المصري الراحل.

وفي لقاء مع شخصيات عامة وفنانين عقد اخيرا رد السيسي على من يطالبونه بالترشح للرئاسة قائلا “هل انتم مستعدون لاقتسام اللقمة (الخبز)” مع من لا يملك قوته و”هل ستستيقظون مبكرا مثل رجال الجيش لتبدأوا العمل في الخامسة صباحا؟” في اشارة الى انه يريد توزيعا عادلا للدخل ويدرك في الوقت ذاته ان البلاد بحاجة الى عمل شاق.

ورغم ان الرجل امضى معظم سنين عمره الـ59 داخل ثكنات الجيش المصري الا انه لم يكن في السنوات الاخيرة خصوصا بعيدا تماما عن السياسة.

فعندما كان رئيسا للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك، وضع السيسي ما بات يعرف الان بـ”خطة استراتيجية” لتحرك محتمل لمواجهة “توريث الحكم” تحسبا لترشح جمال مبارك للرئاسة، بحسب ما قال عسكري مقرب منه طلب عدم الكشف عن هويته.

وبعد قيام ثورة كانون الثاني/يناير التي اطاحت مبارك وقطعت الطريق على فكرة التوريث، كان السيسي مسؤولا عن الحوار مع القوى السياسية، بما في ذلك جماعة الاخوان، فتعرف على كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة.

والسيسي حذر ويحسب حساباته بدقة.

فقبل عزل مرسي باكثر من اسبوع وتحديدا في السادس والعشرين من تموز/يوليو 2012 استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة جماعة الاخوان “ليكتشفوا ان الجيش انتشر منذ الفجر على كل النقاط الاستراتيجية في القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته على الارض” بحسب شخصية عسكرية مقربة من قائد الجيش.

اما السبب، بحسب الشخصية نفسها، فهو انه كانت لدى القوات المسلحة “معلومات عن تحرك سيقوم به الاخوان يتضمن اعتقالات لاكثر من ثلاثين شخصية سياسية واعلامية فكان لابد من الاستباق، وتحرك الجيش من دون علم او اذن رئيس الجمهورية”.

ويعرف الجنرال كيف يكسب حب المصريين. وهو لم يتحدث اليهم عندما احتشدوا بالملايين في الميادين في الثلاثين من حزيران/يونيو للمطالبة برحيل مرسي لكنه خاطبهم بشكل غير مباشر عبر مروحيات عسكرية حلقت فوقهم في سماء القاهرة ملوحة باعلام عملاقة لمصر وراسمة قلوبا في السماء.

عندما عين السيسي وزيرا للدفاع منتصف 2012 سرت تكهنات انه “اسلامي الهوى” لم تتبدد الا بعد عزل مرسي والحملة الامنية التي استهدفت الاخوان المسلمين وسقط فيها منذ قرابة ستة اشهر اكثر من الف قتيل واعتقل الاف اخرون.

ويقول المقربون من السيسي انه لم يكن في أي وقت يميل الى الاسلاميين لكنه مسلم متدين يحرص مثل كثير من المصريين على اداء صلاة الفجر قبل ان يبدأ عمله في الصباح الباكر كما ان زوجته مثل الغالبية العظمى من المصريات ترتدي الحجاب.

تخرج السيسي من الكلية الحربية المصرية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في كلية القادة والاركان البريطانية عام 1992 وفي كلية الحرب العليا الاميركية في العام 2006.

وللفريق السيسي اربعة ابناء هم ثلاثة شبان درسوا جميعهم في كليات عسكرية مصرية وانضموا الى صفوف القوات المسلحة واكبرهم متزوج من ابنة مدير المخابرات العسكرية الحالي اللواء محمود حجازي وبنت واحدة تزوجت بعيدا عن الاضواء قبل نحو اسبوعين.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً